هل ينقذ المؤتمر الاستثنائي العدالة والتنمية المغربي من غرفة الإنعاش

ماموني

تعول قيادات حزب العدالة والتنمية المغربي الذي تلقى هزيمة قاسية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، على المؤتمر الوطني الاستثنائي للحزب، الذي سينتخب قيادة جديدة، فيما لا يستعبد المتابعون عودة زعيمه السابق عبدالإله بنكيران باعتباره المستفيد الأول من خسارة خصمه سعدالدين العثماني.

عقد المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية السبت دورة استثنائية بالمقر المركزي للحزب بالرباط، لمناقشة أسباب الهزيمة غير المسبوقة التي تلقاها في انتخابات الثامن  من سبتمبر الجاري، وتدارس مستقبل الحزب وتموقعه داخل الساحة السياسية.

وناقش المجلس الذي ترأسه إدريس الأزمي الإدريسي الكثير من الخيارات بعد الهزيمة المدوية لممثل الإسلام السياسي بالمغرب، منها القطع مع الجيل المؤسس وعودة زعيمه السابق عبد الإله بنكيران، كما تتالت الدعوات لمراجعات سياسية شاملة.

وانتخب المجلس الوطني للحزب (برلمان الحزب)، رئيسا للمؤتمر الاستثنائي المقرر انعقاده في أكتوبر القادم والذي يهدف إلى انتخاب قيادة جديدة.

وأكد عبدالله بوانو عضو الأمانة العامة للحزب، أن المؤتمر سيكون فرصة لمناقشة النتائج المخيبة التي حصدها الحزب في الانتخابات السابقة وتدارس آثارها واتخاذ اللازم، سواء على المستوى التنظيمي أو السياسي.

عبدالله بوانو: المؤتمر فرصة لمناقشة النتائج المخيبة للحزب

وكان العدالة والتنمية قد حل في الانتخابات الأخيرة في المركز الثامن، مسجلا تراجعا كبيرا بحصوله على 13 مقعدا فقط.

واستمر السجال داخل الحزب؛ إلى الحد الذي دفع بخيار عودة بنكيران إلى واجهة التنظيم أملا في الخروج من غرفة الإنعاش الذي يوجد بها بعد الهزيمة السياسية واستقالة الأمانة العامة.

ووسط وجهات نظر متباينة بين قياداته حول مستقبل القيادة الحالية هناك من عقد الآمال الكثيرة على خلاصات المجلس الوطني الاستثنائي لإنقاذ العدالة والتنمية من مأزقه، رغم أن قيادات داخل التنظيم أسرّت لـ”العرب” أن الأمر يحتاج أكثر من الأمنيات وإلى مجهود ذهني وفكري وعملي لإنجاح فرصة المؤتمر الاستثنائي المرتقب.

وفي كلمته عاد سعدالدين العثماني الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة إلى النتائج التي حصل عليها حزبه في الانتخابات الأخيرة، معتبرا إياها نتائج غير منطقية وغير مفهومة وغير معقولة، ولا تعكس الخارطة السياسية، كما لا تعكس موقع العدالة والتنمية وحصيلته في تدبير الشأن المحلي والحكومي.

ونفى العثماني أن تنطبق أطروحة التصويت العقابي على النتائج التي حصل عليها الحزب في هذه الاستحقاقات.

واعتبر العثماني الذي حضر أشغال المؤتمر الاستثنائي مع عدد من أعضاء الأمانة العامة وقيادات الحزب أن استقالته والأمانة العامة بمثابة استقالة “سياسية” وليست “تنظيمية”.

وأوضحت مصادر حزبية أن العثماني آثر البقاء حتى لا يكون هناك فراغ تنظيمي إلى حين عقد المؤتمر الوطني للحزب، دون أن تؤكد ما إذا كان العثماني يحول دون ركوب بنكيران على هذه الأزمة والعودة مرة أخرى لقيادة الحزب.

ورأى رشيد لزرق أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري في حديثه لـ”العرب” أن تطبيق مبدأ دوران النخب داخل العدالة والتنمية، وما تثيره من قضايا فرعية تعد من أهم القضايا التي يطرحها واقع الشأن السياسي شديد التعقيد، وما تفرزه هذه القضية من ظواهر، وتجعل المؤسسة الحزبية تبتعد عن دورها الطبيعي، وهو الدفاع عن مشاريع مجتمعية بما لا يسمح من ناحية بتطور هذه المؤسسة بصورة طبيعية، ويؤدي من ناحية أخرى إلى إساءة استخدام هذه القيادات للأداة الحزبية.

وبعدما وصفت الحزب بأنه يوجد داخل غرفة الإنعاش، شددت القيادية والبرلمانية السابقة في العدالة والتنمية آمنة ماء العينين على أن ”المجلس لا يجب أن يتبنى خطاب التصعيد والهروب إلى الأمام بالإغراق في تفسير هزيمة الحزب بالعوامل الخارجية، لأن أغلبها غير جديد، بينما يكمن الجديد كل الجديد في العوامل الداخلية والعجز المريع في قراءة التاريخ وتجارب من قبلنا بدعوى أننا نشكل استثناء، فإذا بنا نهوي أسرع منهم وبطريقة أسوأ”.

وفي تقديرها فإن المجلس مدعو أولا “للمصادقة السياسية” على استقالة القيادة الحالية التي اعترفت بمسؤوليتها وقدمت استقالتها وأعفت كل من سيحاول نزع المسؤولية عنها في تدبير مرحلة أفضت إلى شبه دمار.

واعتبر لزرق أن الصراع الدائر اليوم داخل العدالة والتنمية لا يتعلق بدوران النخب، لأن هذا الأمر يفرض تجديد الأفكار والمشاريع والقيام بالمراجعات اللازمة والنقد الذاتي البناء وفصل المجال الدعوي عن الفضاء الحزبي، وذاك ما لا نجده في ما يسمّى بالنخب الشابة داخل العدالة والتنمية، مشيرا إلى أن الموجود ما يمكن الاصطلاح عليه سيكولوجيا “شباب يستنسخ عقلية شيوخ”.

المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية عقد دورة استثنائية لمناقشة أسباب الهزيمة غير المسبوقة التي تلقاها في انتخابات الثامن من سبتمبر الجاري

وبرأيه لا تجد داخل العدالة والتنمية ذاك الاقتصادي البارز الذي يحمل برنامجا اقتصاديا، ولا ذاك الحقوقي المؤمن بحقوق الإنسان وحرية المعتقد، ولا ذاك القيادي المتخلص من الأساطير المؤسسة للجماعة الأم، فشتان بين الاستنساخ والتجديد.

وتابع بنكيران الرئيس السابق للحزب أشغال المؤتمر عبر تقنية الفيديو، فيما أيدت العديد من القيادات والقواعد حق الأمين السابق في الترشح لقيادة الحزب في المؤتمر الوطني المقبل إذا كانت لديه رغبة في ذلك وهو ما يكفله القانون الداخلي للحزب.

وبخصوص إمكانية عودة بنكيران لقيادة الحزب مجددا، أوضح بوانو في تصريحات صحافية أن مثل هذه القرارات يتخذها المؤتمر، مؤكدا أنه في حال اختيار بنكيران العودة مجددا لقيادة الحزب فسيكون “مرحبا به”، مضيفا أن أي شخص سيتم اختياره للقيام بهذه الدور الذي وصفه بـ”التاريخي” سيتم الترحيب به أيضا.

وفضلت مصادر داخل العدالة والتنمية عدم الإجابة على سؤال إمكانية استدعاء بنكيران إلى القيادة وما إذا كان سيتمكن من إخراج الحزب من أزمته التنظيمية والسياسية.

وخلص لزرق شارحا دواعي استدعاء خدمات بنكيران لتولي قيادة الحزب للمرة الثالثة إلى أن الديمقراطية في مفهومها الإجرائي قد تنتج ارتباطا عاطفيا بشخصيات قيادية تحت مبرر انتصار “الزعيم”، الذي يحق له إصدار الأوامر والنواهي، حتى ولو جاءت ضد قيم الديمقراطية وروحها، وعارضت الحريات والحقوق، لأن ثقافة الزعيم تتعارض مع فكرة المؤسسات. وهذا ما وقع للجناح المؤيد لبنكيران داخل العدالة والتنمية الذي يختزل الديمقراطية في التمديد لشخص بنكيران، حسب تعبيره.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: