عزيز أخنوش تحت ضوء شديد للعبور إلى ما بعد هزيمة الإسلاميين

ماموني

جاء تكليف رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش كرئيس للحكومة من طرف العاهل المغربي الملك محمد السادس مساء الجمعة نهاية مرحلة تجريب حكم الإسلاميين في ميدان السياسة العملية وفسح المجال لإظهار طبيعة خطاباتهم وخلفياتهم، وبداية مرحلة وصفها أخنوش بالواقعية وخدمة المواطن والوطن وتنزيل استراتيجية واسعة للدولة تهم أوراشا تنموية واجتماعية واقتصادية انخرطت فيها المملكة بكل قوة، مرحلة يكون فيها العمل على تعزيز مؤسسات الدولة عنوانا بارزا عوض الركون إلى خطابات حزبية ضيقة.

عودة البرجوازية الوطنية

أحد السيناريوهات يقول إنه بإمكان حزب التجمع الوطني للأحرار تشكيل أغلبية مريحة بالتحالف مع الأصالة والمعاصرة والاستقلال، وهو ما سيعطيه أغلبية من 270 مقعدا

نجح أخنوش في ملاءمة عمله السياسي مع التزاماته في ميدان الأعمال، فهو يعد واحداً من البرجوازيين الوطنيين الذين تمتعوا بثقة القصر الملكي التي لا يزال مفعولها ساريا إلى الآن وساهمت في تعيينه رئيسا للحكومة الجديدة، ونيله تلك الثقة لم يأت من فراغ، فالرجل بذل جهودا كبيرة في تنمية ثروته التي تركها له الأب أحمد أخنوش أولحاج، رجل الأعمال القادم من منطقة سوس، الذي دشن بها أولى أعماله في التجارة بمحل للبقالة بالدار البيضاء التي حل بها عام 1932، قبل أن يوسّع نشاطاته بعد ذلك لتمتد إلى قطاع الصيد البحري والمحروقات. وكانت له نشاطات لمقاومة المحتل الفرنسي ذاق بسببها الأمرّين، وأحرقت محاله التجارية، وساهم في العديد من المحطات الفارقة في تاريخ المغرب الحديث، وها هو الابن يسير على المنوال نفسه في السياسة والأعمال كما يشهد بذلك الكثير من الخصوم والأنصار.

يتطلع أخنوش إلى أن تضم التشكيلة الحكومية “أعضاء في المستوى، قادرين على تنفيذ الاستراتيجيات الكبرى للملك وتنفيذ البرامج الحكومية”، ولهذا حدد حزب التجمع الوطني للأحرار أرضية للمفاوضات مع الأحزاب الأخرى وفق 5 أهداف و25 إجراء، التي تتبلور حول الحماية من تقلبات الحياة، نظام صحي يحفظ الكرامة، مناصب شغل للجميع، مدارس قائمة على المساواة وإدارة في الاستماع، و25 إجراء أساسيا تتعلق بالإصلاحات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي يلتزم الحزب بتنزيلها على أرض الواقع.

ستكون خطوة المفاوضات التي تنتظرها الأحزاب الأولى في الانتخابات والمتوقع أن تكون مهمة أخنوش الصعبة في مشواره رئيسا للحكومة المقبلة، كون أغلب قيادات الأحزاب السياسية تنتظر التحرك الذي سيقوم به رئيس الحكومة المعين لأجل ضمان موقع في التحالف الحكومي المقبل.

أمام أخنوش طريق معبدة لفتح مشاورات مع الأحزاب السياسية لتكوين أغلبية حكومية منسجمة ومتماسكة ذات برامج متقاربة، ما سيمكّن الحزب من قيادة مرحلة ما بعد هزيمة الإسلاميين.

تحديات اللحظة والمستقبل

أخنوش يتطلع إلى أن تضم التشكيلة الحكومية الجديدة أعضاء قادرين على تنفيذ الاستراتيجيات الكبرى للملك

سيواجه رئيس الحكومة المعين تحدياً حقيقيا يتمثل في طريقة تنزيل برنامجه السياسي وآلياته والذي يقول إنه قابل للتطبيق بعدما احتل  المرتبة الأولى بـ102 من المقاعد، فالمرحلة دقيقة وحساسة تتعلق بانتظارات الشعب والدولة الكبيرة. وعيون الكل على الفريق الذي سيقوده هذا الحزب الذي هزم الإسلاميين، ولا يمكن التساهل في اختياراته بناء على الكفاءة والحنكة السياسية والنزاهة. فأخنوش يحمل بين يديه دبلوما في التسيير من جامعة شيربروك في كندا وتجربة وجذورا في مجال المال والأعمال، يبدو أنه عازم على خدمة وطنه من خلال مشروعه السياسي والاقتصادي.

سيدشن أخنوش مناقشاته الأولى مع عبداللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة الحاصل على 87 مقعدا بمجلس النواب، وبعده نزار البركة الأمين العام لحزب الاستقلال الحاصل على 81 مقعدا برلمانيا، ثم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري.

يقول أحد السيناريوهات إنه بإمكان حزب التجمع الوطني للأحرار تشكيل أغلبية مريحة بالتحالف مع الأصالة والمعاصرة والاستقلال، وهو ما سيعطيه أغلبية من 270 مقعدا، من مجموعة مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 395 مقعدا، لكن هذا السيناريو غير واقعي لعدة اعتبارات منها العلاقات المتوترة بين رئيس الأصالة والمعاصرة والأحرار، وأيضا الحركة التي قام بها عبداللطيف وهبي رئيس الاصالة بذهابه حد توقيع اتفاق مع العدالة والتنمية لنوع من التحالف المستقبلي.

اعتبارات كثيرة ستعيق اندماج الأصالة والمعاصرة في حكومة يقودها الأحرار وهو الذي حافظ على المرتبة الثانية في ترتيب الفائزين بالانتخابات التي جرت الأربعاء الثامن من سبتمبر، منها تلقي حزب التجمع الوطني للأحرار “باستهجان شديد” التصريحات الإعلامية الصادرة عن عبداللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة في حقه والتي اعتبرها بمثابة حملة تشويش على السير الناجح لحملته الانتخابية، ونجاحها الجماهيري الواسع في التواصل والتجاوب مع فئات عريضة من عموم المواطنات والمواطنين. ولهذا فالغالب أن هذا الحزب سيتموقع إلى جانب المعارضة دون شك، لأنه مؤهل لأن يستمر في ممارسة مهام المعارضة حتى يتم التوازن في المشهد السياسي ولا يترك المجال مفتوحا للشعبوية داخل البرلمان وخارجه.

ملفات على الطاولة

نجاح أخنوش في ملاءمة عمله السياسي والاقتصادي يجعله واحداً من الذين تمتعوا بثقة القصر الملكي

أمسك أخنوش لما يقرب من 14 عاما بدقائق ملفات الزراعة والصيد البحري في المغرب وهذا ما سيجعله مهتما أكثر من منصبه التنفيذي الجديد بكل ما يتعلق بالعالم القروي والقطاع الزراعي، لما له من أهمية استراتيجية قصوى في تحقيق المزيد من فرص الشغل والحفاظ على البنية الديموغرافية للبادية وتشجيع الاستثمار في هذا القطاع.

ويبدو أنه عازم على خدمة وطنه من خلال مشروعه السياسي والاقتصادي، وهو أيضا يحظى بثقة الاتحاد الأوروبي، بعدما ساهم في التوصل إلى تجديد اتفاقية الصيد البحري، ما مكن السفن الأوروبية – وعلى رأسها السفن الإسبانية – من العودة للنشاط في المياه الإقليمية المغربية، ما جعل مجلس الوزراء الإسباني يمنحه “وسام الصليب الأكبر للاستحقاق”. وسيق وأن أشادت وزيرة الفلاحة الإسبانية السابقة إيزابيل غارسيا تييرينا بدوره الحاسم في إبرام اتفاق الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في سنة 2012، وشددت على ضرورة مواصلة العمل يدا بيد مع أخنوش وهو ما سيتعزز بعدما أضحى رئيسا للحكومة.

لقد نجح أخنوش في نيل ثقة ملكية مشروطة بإعطاء نفس قوي لقطاع الزراعة الذي أشرف عليه عندما كان وزيرا للفلاحة والصيد البحري، فالاهتمام بالعالم القروي وانبثاق طبقة فلاحية وسطى حتى لا يبقى القطاع حكرا على كبار الإقطاعيين من بين الأولويات التي حث العاهل المغربي وزيره على بلورة تصور حولها ورفعه إلى القصر الملكي في قادم الأيام.

إنها أجندة ملكية حاسمة سيتم التركيز عليها مرة أخرى من طرف رئيس الحكومة الذي عرف بجديته في التعاطي مع الملفات الحساسة والقرارات الملكية في ما يتعلق بأهمية إدماج قضايا الشغل وتقليص الفوارق ومحاربة الفقر والهجرة القروية في صلب أولويات استراتيجية التنمية الفلاحية. حيث عمل أخنوش على تنفيذ الاستراتيجية الزراعية المعروفة بـ“المخطط الأخضر” وسياسة الصيد البحري التي أطلق عليها اسم “أليوتيس” واستمر هذا الأمر مع الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية في عهد عبدالإله بنكيران ومن بعده سعد الدين العثماني.

هجوم غير موفق

Thumbnail

في الوقت الذي ينسب فيه البعض أجزل صفات التواضع ودماثة الخلق إلى الرجل، ويصفه بأنه من أنشط الوزراء في تاريخ المملكة، نجد أن هناك من يهاجم أخنوش على تغيير لونه السياسي من شخصية حزبية إلى تكنوقراطي ثم عودته إلى ترؤس حزب الأحرار.

اعتبر أخنوش أن الذين يهاجمونه ويهاجمون حزبه قدّموا في واقع الأمر خدمة للحزب؛ وساعدوه في تموقعه داخل المشهد السياسي الوطني، وأظهروا بهجماتهم المستمرة أن حزب الأحرار يشتغل؛ ويعقد عليه المغاربة آمالهم، وأن خصومه باتوا يهابون المكانة والسمعة الجيدة اللتين يتمتع بهما الأحرار وسط المجتمع المغربي؛ وهو ما شكل حالة من القلق والارتباك والتخوف.

خصوم عزيز أخنوش يقولون إن حزبه أتى لكبح مشاريعهم السياسية وتشويه سيرهم، لكنه يرد بأنه مستعد لتقبل الانتقادات ونقاش الأفكار حول القضايا الرئيسية التي أثيرت في ما يتعلق بتنمية القطاعات الاجتماعية بالمغرب، وإيجاد الحلول لمشكلة البطالة التي تراكمت خلال السنوات السبع الماضية واتخذت أبعادا تدق ناقوس الخطر، لكننا مرة أخرى نواجه محاولات للتضييق على هذا النقاش واحتلال المشهد بادعاءات فارغة وعقيمة.

طريق أخنوش معبدة لفتح مشاورات مع الأحزاب السياسية لتكوين أغلبية حكومية منسجمة ومتماسكة ذات برامج متقاربة، ما سيمكن الحزب من قيادة مرحلة ما بعد هزيمة الإسلاميين

الادعاءات ضد أخنوش كثيرة منها أنه ماسوني ورجل أعمال لا تهمه مصلحة المواطن البسيط، والهدف الظاهر منها، كان تشويه صورته أمام المجتمع، وقد شكل نجاح حزبه في التواصل مع المواطن عبر حملة تعريفية ببرامج الحزب وسياسته الاجتماعية والاقتصادية، نوعاً من الخطورة على التيار الإسلامي ممثلا في العدالة والتنمية الذي يعتمد دوما في دعايته الانتخابية على دغدغة عواطف المواطن بخطاب بعيد عن الواقعية بمزج الديني بالسياسي.

لم تهدأ المناوشات المتبادلة بين أخنوش وقيادات العدالة والتنمية، أو على الأقل التيار الموالي لبنكيران، لكن كل تلك الهجومات أعطت أخنوش نفسا جديدا للاستمرار وتوجت مقاومته بنجاح حزبه وتوليه رئاسة الحكومة.

واقد اتخذ الجدل بين أخنوش وأعضاء من العدالة والتنمية أبعادا دراماتيكية وصراع طواحين لم يأت بأيّ نتيجة وهذا ما انتبه إليه رئيس الأحرار المؤمن بضرورة الحفاظ على مناخ عمل يسمح للمغرب بمباشرة ورش التنمية الحقيقية، والذي دشنه منذ فترة ويريد الذهاب فيه بعيدا مع تنزيل توصيات النموذج التنموي الجديد.

قيادة العدالة والتنمية كانت تعرف مكانة أخنوش السياسية والتجارية وعلاقاته الداخلية والخارجية، لهذا كانت تضع إسقاطه بالضربات المتتالية هدفاً أساسياً، عندما كان وزيرا للزراعة والصيد البحري، وفي الوقت الذي ترأس فيه الحزب، حيث استمرّت العلاقة بين الطرفين متذبذبة إلى أن انقطع الود بسبب تشكيل الحكومة بعد انتخابات 2016 حيث اتهم بنكيران أخنوش بالتسبب في إعاقة تشكيله لحكومته وتنحيه بعدها عن العمل السياسي، واستمرت العلاقة المتوترة إلى الآن ولن تعرف هدوءا بعد خسارة العدالة والتنمية أمام الأحرار في صراع إرادات استمر لسنوات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: