زلزال اقتصادي يضرب القدرة الشرائية للجزائريين في عمومهم، في ظل ارتفاع الأسعار، الذي لم يهدأ والذي كان خامدا وتحمله المواطنون بسبب التنويم على ترنيمة «دعم» المنتجات الأساسية، والتي هي الأخرى خرجت عن السيطرة بسبب الفوضى والجشع اللذين عما السوق وركب التجار والفلاحين، والكل يصوب اتهاماته تجاه الآخرين.
دخول اجتماعي متأزم يتكرر منذ عدة سنوات، وازداد سوءا بسبب الجوائح المتعددة المتشعبة. فليس فقط الاقتصاد الذي تهاوى أمام تهاوي الدينار أمام العملات الصعبة. فعوض التباعد الجسدي، حدث تباعد اجتماعي زاد من الهوة بين فئات المجتمع الجزائري، وتغيرت مؤشرات الفقر والرفاهية.
وبينما تلتهب أسعار كل المواد، بقي سلم الأجور على حاله لم يتغير منذ سنوات كثيرة، بل تزامن هذا مع تهاوي القيم وتنامي العنف بشكل غير مسبوق شمل النساء والشباب والأطفال.
وبينما ينشغل الجميع بموسم الدخول الاجتماعي والمدرسي وحيرته، تظهر الفواصل الدامية بمقتل إمام بر بوعريريج، الذي نقلته منصات التواصل الاجتماعي واعتبره بعض روادها حادثة تشبه حادثة قتل وحرق جمال بن إسماعيل، حيث وجد الشيخ خالد صالحي جثة متفحمة بالقرب من عمارات في منطقة الميزان في بلدية «رأس الواد» في برج بوعريريج.
حسب موقع «آخر ساعة» في جريدة «الشرق» الجزائرية فإن «تنسيقية الأئمة أدانت الحادثة. وناشدت الرئيس تبون، بالإضافة إلى وزارة الشؤون الدينية التدخل من أجل حماية موظفيها وأئمتها ومشايخها من كل أشكال الاعتداء، وأن تعتني بكرامتهم ومكانتهم في الأمة».
ويضيف الموقع أن «التنسيقية دعت الأئمة إلى تخصيص خطبة الجمعة المقبلة للحديث عن مكانة العلم والعلماء وتبيين خطر استفحال ظاهرة الاعتداء على الرموز الدينية في الأمة الجزائرية».
تأتي حادثة مقتل الإمام، وهي الثانية في ظرف وجيز، بعد مقتل إمام بلدية مكيرة في دائرة تيزي غنيف في ولاية تيزي وزو، بعدما قام «مختل» عقلي كما قيل وقتها، بذبح الأمام بلال حمودي من الوريد الى الوريد وهو يؤم بالمصلين.
تبقى ورشة التحقيقات قائمة بعد كل جريمة، وتبقى الدوافع مجهولة. ومهما كانت الدوافع فحياة الإنسان التي قدستها الشرائع والأديان، أصبحت مستباحة لأتفه الأسباب، وإلا ما الذي يجعل شرطي بلدية الطاهير في جيجل أن يطلق الرصاص من مسدسه ويقتل زوجته وابنتيه الصغيرتين؟!
الحادثة التي هزت رواد مواقع التواصل الاجتماعي. كما جاء على صفحة «جيجل» على الفيسبوك: «اهتزت ولاية جيجل على وقع جريمة شنعاء على يد شرطي راح ضحيتها زوجته وابنتاه القاصرتان ونجا إبنان إثنان من موت محقق، حيث نجا الإبن الثالث بعد إطاق النار عليه من طرف والده، لكنه تعرض لجروح. أما الإبن الرابع فقد نجا من الجريمة بسبب فراره بمجرد أن بدأ والده في إطلاق النار. وقد حاول الجاني الانتحار بإطلاق الرصاص على رأسه بعد وقوع الجريمة في منزله وهو الآن في غرفة الانعاش في مستشفى الطاهير.
الجريمة الشنعاء التي لم تشهدها المنطقة من قبل قام بها رب العائلة المكونة من ستة أفراد. قد وقعت في منطقة «أولاد منصور» بني متران ولاية جيجل».
ليست كل بدايات المواسم وافتتاحها، بدايات خير، فقد دخلت اسر في دوامة أحزان مأساوية، فجرت روابط القرابة وقطعت الأرحام وشردت المتبقين. ما الذي ينتظر من عام بؤس قمطرير؟!
على عتبات الفقر: كم نشبه لبنان!
أحببنا لبنان ونحبه، كما ظلت فيروز تحبه. بكل ربوعه وما فيه. وكم أحزنتنا أوضاعه وما آلت إليه الأوضاع السياسية والإقتصادية، وحالة البؤس الاجتماعي، الذي وصل إليه، هذا البلد الصغير الذي حافظ واستمسك بحيويته وروحه إلى درجة انكساره على مذبحة الاقتصاد المنهار.
من يقول إن الجزائر، التي تشابهت أوضاعها مع أوضاع لبنان بعد حرب أهلية، وبعد خروجها من عشرية أو أكثر سوداء دموية، وبعد أن انتعش اقتصادها وتبحبحت أحوالها، تدخل بسرعة شديدة في جو الانهيار الكبير للإقتصاد وللقدرة الشرائية للمواطن. هل سندخل دخولا جماعيا مذهلا تحت عتبات الفقر، التي كانت تشمل فئات معينة فقط منعدمة أو محدودة الدخل، مع سقف الأسعار الجنوني. جنون سعر اللحوم البيضاء، الذي قارب 500 دينار للكيلوغرام وتحول بعض البقوليات كالعدس والحمص والفاصوليا إلى «مكسرات» كما علق أحد رواد الفيسبوك، يبين حجم ثقل الدخول الاجتماعي على الأسر ومقدار الأحمال التي لا يمكن لها تحملها قد تتوالى الأحداث السيئة لا قدر الله. فإذا كان للكرامة سعر، فإن أجر الموظف، حتى لا يفقد كرامته، يصل إلى 80 ألف دينار جزائري وليس 18 ألفا أو 20 ألفا، كما سقّف سلم الحد الأدنى للأجور. فكيف يواجه الجزائري، الانهيار الحاد للقدرة الشرائية؟
جاء في «الشروق» إن «انهيار القدة الشرائية الحاد جعل الكثير من المواطنين غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية، وتبرز حدتها في الأخص عند الدخول الاجتماعي الذي سيكون حسب منظمات حماية المستهلك استثنائيا وقاسيا هذا العام لما عرفه الجزائريون من غلاء في الأسعار مع مصاريف إضافية باهظة مست أغلب العائلات بسبب فيروس كورونا وبسبب غلاء المستلزمات المدرسية والتجهيز للدخول المدرسي.
ويرجع رئيس جمعية حماية المستهلك، مصطفى زبدي ذلك إلى «التراكمات الحاصلة واختلالات السوق، وكذا التهاب الأسعار، وكل ذلك أثر على القدرة الشرائية والتي تعرف انهيارا.
وهذا الانهيار، حسب زبدي، أثر على كثير من الأسر متوسطة الدخل والمعوزة، مطالبا الحكومة إيجاد آليات لضبط السوق، مع إعادة النظر في سياسة الدعم التي جعلت الكثير يجمعون ثروة على ظهور الفقراء والمعوزين. والدعم الذي تريده الجمعية، أو يريده، ذلك، الذي لا يمس كرامة المواطن ولا يشكل إخلالا بالبلد. دعم يشبع حاجيات كل الفئات المحتاجة ويمكنها من العيش بكرامة. وهذا الحد الأدنى للكرامة، يحققه أجر شهري لا يقل عن 75 ألف دينار جزائري، يمكّن المواطن من تلبية أساسيات احتياجاته».
أما رئيس جمعية «الأمان لحماية المستهلك» فأفاد، حسب تصريحه لـ»الشروق،» أن القدرة الشرائية للجزائريين في تدهور مستمر منذ أكثر من أربع سنوات خلت واستمرار الوضع ينذر بالخطر والتأزم أكثر فأكثر، وماعلينا سوى تحضير أنفسنا للأسوأ إذا لم نسارع في تنفيذ استراتيجيات ناجعة لاحتواء الأزمة».
وأضاف أن ما يخيف أكثر هو انهيار الصحة العمومية البدنية والنفسية للجزائريين الذين لن يكون بمقدورهم توفير ما يحميهم صحيا، وسيكونون غير قادرين على الاستهلاك العادل والمتوازن والمنتظم. وبالتالي لن يكون هناك مردود في العمل ومنه مشكل تدهور في الوضع الاقتصادي».
ومن بين الحلول، التي اقترحها لمواجهة كل ذلك، منه ما يقع على عاتق الدولة ومنه ما يقع على عاتق المواطنين»فمن أولويات الدولة التحكم في السوق وضبط الأسعار لمختلف المواد الغذائية والخضر من خلال منشآت ومرافق تضبط السوق، وليس فقط من خلال قرارات تصدر. كما على المستهلك ضبط احتياجاته والاكتفاء بتوفير الأولويات فقط. واعتبر الرجل أن أجر الكرامة في ظل هذه الظروف لا يقل عن 80 ألف دينار جزائري». قد يتحقق اجر الكرامة بعد أن تحمى كرامة الإنسان بكرامة جسده وفكره وظروف معيشته. وقد لا يتحقق الأجر المرغوب إلى أن «يزهر الملح»!
دنيا بطمة ودنيا المثقف
قد لاينكر أحد موهبة دنيا بطمة الفنية، صاحبة المرتبة الثانية في برنامج «آراب آيدول» بالرغم من كل فضائح قضية «حمزة مون بيبي». ومع هذا ما زالت تشكل «ترندا» في بعض المواقع، ليس لخامة صوتها ولا لموهبتها، بل التركيز في كل مرة على خبر متعلق بشكلها، مرة على وجهها المتغير المنتفخ، وشفاهها الكبيرة أكثر من اللازم، ومرة على ظهورها مع حلق في أنفها ومرة مراقبة حجم مؤخرتها، وأخرى عن لباسها الفاضح لارتدائها «هوت شورت» أو «مايوه » السباحة أو تقبيلها لزوجها، إن لم تكن هي فأحد مرتبط بها، كأختها أو بناتها. الخ
ما زالت الأخبار عنها تصل يوميا، بينما لم يستمر منشور المثقفين المغاربيين طويلا. منشورهم الذي يدعون فيه لتحكيم العقل على التهور. والسلام على الحرب.
المنشور الذي تناقلته بعض المواقع والصفحات على «فيسبوك» لإيقاف الأزمة بين الجزائر والمغرب، حيث «وجه أكثر من مئتي شخصية من مواطنين ومثقفين وسياسيين وحقوقيين من مختلف مواقعهم في المغرب وتونس والجزائر وأوروبا وأمريكا، نداء العقل لخفض منسوب التوتر والتصعيد وحدة الأزمة بين البلدين. ومن بين ما جاء في العريضة، التي أطلق عليها «نداء العقل»: «نحن الموقعات والموقعون أسفله، نسجل ببالغ القلق التصعيد الحاصل في العلاقات بين المغرب والجزائر، نرفض هذه الوضعية المؤدية إلى مواجهة غير طبيعية، لا يمكن أن تكون إلا إنكارا للتاريخ العميق لمنطقتنا ولجوهره، والتي تتنافى مع مصالح الشعبين ومصالح المنطقة».
كما دعا البيان «كافة الإرادات الحسنة في البلدين للضغط من أجل وقف التصعيد. وإن حل الخلافات بين العقلاء يتم بالإنصات والتفاهم وليس باستجداء أحط الغرائز العدوانية بتأليب المواطنين ضد بعضهم البعض!
ومما جاء أيضا «وجوب التلاحم والتشارك لمواجهة تحديات التنمية الضخمة التي تواجه شعوب المنطقة. وإن الهروب إلى الأمام في مواجهات لا طائل من ورائها سيجرنا جميعا إلى وضع أفدح بكثير مما نحن عليه».
على الإعلام التركيز على العقل وليس الغرائز للحد من صراع الأشقاء والالتفاف حول التاريخ المشترك واحترام الحتمية الجغرافية والإيمان بالجيرة، والقبض على الجمر بتحكيم العقل لتفادي «كوارث» لا تخدم أي شعب من شعوب المنطقة.