الحكومة الجزائرية تعرض برنامجها وسط نذر انفجار اجتماعي وشيك

بليدي

تصطدم الحكومة الجزائرية، عقب عرضها برنامج عملها على البرلمان، بمناخ اجتماعي واقتصادي متوتر، ينذر بانفجار وشيك، وسط توجه لرفع الدعم الحكومي، ما سيزيد من متاعب السلطة أمام الشارع المدفوع بأزمات الفقر وغلاء الأسعار.

طرحت الحكومة الجزائرية برنامج عملها على البرلمان من أجل الإثراء والمصادقة، وهي مطمئنة على مرور المشروع استنادا إلى تشكيلة البرلمان الجديد المكون من كتل نيابية تساند السلطة، لكن المناخ الاجتماعي والاقتصادي الذي يسود البلاد ينبئ بانفجار وشيك في ظل توسع دائرة الفقر وتراجع القدرة الشرائية وغلاء الأسعار الفاحش الذي سجل خلال الأسابيع الأخيرة.

ويواصل نواب البرلمان الجزائري مناقشة وإثراء برنامج الحكومة في أجواء يخيم عليها الخوف من انفجار اجتماعي في الأفق، بسبب تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية إلى مستويات غير مسبوقة.

ولئن كانت الحكومة والنواب في حلف غير معلن قياسا بالانسجام بين مخرجات الانتخابات التشريعية وبين توجهات السلطة، فإن أجواء شبيهة بتلك التي سبقت انتفاضة أكتوبر 1988 تسود الشارع الجزائري في الظرف الراهن.

ويبدو أن الحكومة المنهكة بإكراهات الأزمة الاقتصادية وتداعيات وباء كورونا تتجه إلى خيارات أكثر ملاءمة للجبهة الاجتماعية، من خلال اعتزامها مراجعة الطابع الاجتماعي للدولة، وذلك بإقرار رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية في البلاد بغية توفير أغلفة مالية كانت تسخر للعملية وصلت في بعض السنوات إلى سبعة عشر مليار دولار، مقابل الشروع في إعداد خارطة دعم اجتماعي فردي وليس جماعيا، وهو ما يزيد من مخاوف الفئات الهشة في المجتمع ويضع البلاد برمتها على أعتاب ثورة اجتماعية.

وذكر رئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن، المحتفظ بحقيبة المالية في التشكيل الوزاري الأخير خلال جلسة عرض البرنامج، أن برنامج حكومته يعتمد على “تجسيد الإنعاش والتجديد الاقتصاديين ضمن منظور شامل يرتكز على تشجيع الاستثمار وتنويع مصادر التمويل، وأن أهم محاور هذه الإصلاحات الاقتصادية تتمثل في تعزيز دعائم الإنعاش وتطوير القطاعات المساهمة في النمو الاقتصادي، واعتماد سياسة تجارية لصالح الصادرات خارج المحروقات وتطوير منشآت الدعم الأساسية“.

عبدالرزاق مقري: مضت من عهدة تبون سنتان والأزمات عميقة والموارد شحيحة

وأضاف “مخطط عمل الحكومة سيتم تجسيده من خلال تبني أوراق طريق قطاعية تعدها كل دائرة وزارية، والتي ستكلف كل منها بتحديد الأهداف المنتظرة من كل نشاط والآجال المتوقعة للتنفيذ، كما ستوضع له آلية لمتابعة وتقييم التنفيذ بصفة دورية ودائمة وفق مؤشرات كمية دقيقة، وأن هذا البرنامج الطموح يستوجب تضافر جهود الجميع”.

وتعهد المتحدث، أمام نواب المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) بـ”إصلاح شامل وعصري للنظام البنكي والمصرفي الجزائري، بما يجعله أكثر فاعلية وجاذبية، ورفع مستوى مساهمته في تنمية الاقتصاد”، ليجسد بذلك نية الحكومة خصخصة بعض البنوك العمومية كالقرض الشعبي الجزائري وبنك التنمية المحلية.

وذكر أن حكومته ستواصل العمل لاستقطاب الكتلة النقدية المتداولة في القطاع الموازي، المقدرة بنحو ستّين مليار دولار حسب خبراء في المالية، وامتصاص السوق الموازية للعملة الصعبة، وأن حكومته ستعمل على تطوير الإطار القانوني والمؤسسي للمالية المبتكرة -خصوصا البنوك الإسلامية- وتنشيط البورصة، بالإضافة إلى إنشاء بنوك متخصصة كالبنك البريدي وبنك للسكن.

ولأول مرة في تاريخ البرلمان الجزائري التعددي تفضي الانتخابات إلى كتل نيابية تجمع على مساندة خيارات السلطة، ويفتقر إلى الأصوات المعارضة كما كان في وقت سابق، لذلك تتطلع حركة مجتمع السلم الإخوانية إلى الاضطلاع بهذا الدور، حيث أعلنت بعد ترسيم نتائج الانتخابات الأخيرة عن عدم دخولها إلى الحكومة وأنها ستكون صوت الشعب داخل قبة البرلمان.

وذكر رئيسها عبدالرزاق مقري، في منشور له على صفحته الرسمية وفي موقع الحركة على الإنترنت، أنه “من خصائص هذا المخطط، التي أكدت تحليلاتنا السابقة أنه مخطط رئيس الجمهورية وحده، لا أثر لبرنامج الأحزاب المشكلة للحكومة، ولو من حيث المجاملة لهذه الأحزاب وحفظ ماء وجهها، ولذلك يعود السؤال المشروع عن طبيعة الأغلبية المساندة للحكومة، هل هي أغلبية رئاسية أم أغلبية برلمانية؟ وبلا شك: لا هي أغلبية رئاسية لأن الرئيس لا حزب له والأحزاب المشكلة للحكومة كانت معارضة له في الانتخابات الرئاسية السابقة، ولم تعلن أصلا أنها تابعة له، ولا هي أغلبية برلمانية لأن هذه الأحزاب أعلنت مساندتها لبرنامج الرئيس وتخلت عن برامجها، فحري بنا أن نسأل متى تصفو الأمور؟ ومتى نعرف من نحاسب؟“.

وأضاف “لقد مضت من عهدة تبون سنتان ولم يضبط مستوى ووتيرة الإنجاز بما يجعلنا نعتقد أن السنوات الثلاث المتبقية لا تقع فيها المعجزة، وكيف تقع المعجزة والأوضاع الوبائية فتاكة، والأزمات عميقة، والموارد شحيحة، والتوافق غائب، ومعنويات الشعب متدنية، والمؤسسات جامدة، والمشاريع متوقفة“.

ويحتاج برنامج الحكومة إلى موافقة خمسين في المئة زائد واحد من تعداد البرلمان المكون من 402 نائب، لتمريره. وهو أمر سهل على السلطة التي تحوز على دعم ومساندة الكتل النيابية الفائزة بمقاعد المجلس، على غرار جبهة التحرير الوطني والمستقلين وجبهة المستقبل وحركة البناء الوطني الإسلامية، بينما لا تحوز حركة حمس إلا على خمسة وستين مقعدا.

ويرى أستاذ الاقتصاد عمر هارون أن “مخطط الحكومة يغلب عليه الجانب التنظيري المتعلق بالأهداف المرجوة منها دون إظهار أي ميكانيزمات لتنفيذ الوعود الموجودة على مستواه، فالحديث عن القضاء على السوق السوداء للعملة أو تقليص البطالة أو العمل على ترقية مناخ الأعمال لا تقابله آليات واضحة، كما أن الأهداف في حد ذاتها تعتبر فضفاضة غير محددة بشكل رقمي ويتضح ذلك في مجال تحسين الأجور والقدرة الشرائية للمواطن التي أصبحت في أدنى مستوياتها”.

وأضاف “بخصوص الصادرات خارج المحروقات حالها حال القطاعات غير واضحة ولا مفهومة الاستراتيجية، فكان لزاما على من يرغب في رفع الصادرات خارج المحروقات أن يوضح ما هي القطاعات التي يرغب في الاعتماد عليها للتصدير وما هي الكميات الفائضة محليا والتي لا تحتاجها السوق المحلية ولا تؤثر على التوازنات الداخلية “.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: