كيف ومتى سيكون خريف الغضب في الجزائر هذه السنة؟

جابي

تميزت هذه السنة في الجزائر، في كل شيء.. بدرجة الحرارة العالية التي عرفتها، بالحرائق المهولة التي مست غاباتها، بالتشنج السياسي الذي عرفته وما زالت، بالارتفاع الجنوني في أسعار المواد ذات الاستهلاك الواسع، ضمن حالة ركود اقتصادي وتدهور في قيمة الدينار.
وضع لم تعشه الجزائر من قبل.. وهو ما أحّس به المواطن البسيط، صاحب القدرة الشرائية الضعيفة أصلا، وحتى الفئات الوسطى الأجيرة والمالكة الصغيرة التي تضررت كثيرا من هذا الغلاء الحاصل، في وقت قلّت فيه موارد هذه الفئات التي انضمت إلى نادي الفقراء الجدد، نتيجة تداعيات حالة الوباء، التي ما زالت لم تفصح عن كل نتائجها الكارثية لحد الساعة، قد لا تظهر إلا على المدى المتوسط -في حدود سنة أو سنتين، بعد كم الإغلاق الذي عرفته لفترات طويلة، ما أثر بشكل سلبي في علاقة المواطنين المهاجرين ببلدهم الأم، بعد منعهم من السفر وزيارة الأهل لفترة طويلة، ناهيك من النتائج الاقتصادية المباشرة التي مسّت النشاط الاقتصادي، نتيجة هذا الإغلاق.
حالة عامة لا يختلف الكثير من الجزائريين في توصيفها والاهتمام بها، كما يظهر من خلال صفحات الجرائد والوسائط الاجتماعية، عبر النكتة والكاريكاتير، رغم انهم قد يختلفون في تحديد الشكل الذي ستعبر من خلاله هذه الحالة الاجتماعية الصعبة وتوقيتها، فهل سيكون في الخريف، كما عودتنا الحياة السياسية في البلد 1988؟ أم أنه سيتأخر بعض الشيء ليظهر في بداية الشتاء، كما حصل في سنة 2011؟ علما بأن الحياة السياسية عودتنا على ربط الاحتجاجات الاجتماعية بالخريف، بمناسبة الدخول الاجتماعي، كما حصل أكثر من مرة، عندما يكون قد مرّ على الجزائريين صيف عادي بعطله وراحته ومصاريفه التي تتكبدها العائلة الجزائرية ولا تحس بها إلا في الخريف، وهي تتأهب لإرسال أبنائها إلى المدارس والتصدي لمصاريف إضافية. ليبقى الاختلاف حاضرا وبشكل أكثر حدة عندما يتعلق الأمر بالشكل الذي سيأخذه هذا التعبير عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، هل ستتخذ المنحى القديم والمعروف، الذي يأخذ شكل حركات احتجاجية شعبية، تخصص فيها أبناء المدن الكبرى في الغالب من الشباب تحديدا؟ أم أن الأمر سيكون مختلفاً هذه المرة؟ اعتمادا على ما عرفته الساحة السياسية من تغييرات، في البلد، وعلى رأسها الحراك الشعبي الذي يفترض أنه قد غيّر من السلوك السياسي الفردي والجماعي للجزائريين. فرضية يكون من المفيد مناقشتها وتبيان قدرتها على التفسير، بالولوج في تفاصيل ما يعرفه هذا المشهد السياسي الذي يمكن أن تعيشه الجزائر، بعد أسابيع أو شهور قليلة، إذا انطلقت فعلا هذه الاحتجاجات الاجتماعية المتوقعة. الفرضيات المتفائلة، يمكن ان تتجه صوب بروز حركات احتجاجية، تتسم بالحد الأدنى من التنظيم، ما يقيها ربما من شطط العنف الذي لازم هذا النوع من الحركات الاحتجاجية في الجزائر تاريخيا، حتى إن كان عنفا رمزيا في الغالب، كان يقصد به عادة الزيادة في القيمة التعبيرية للاحتجاج، وليس القيام بأذى مادي محدد ضد الأرواح أو الممتلكات، كغلق الطرقات ومقرات المؤسسات المرتبطة بالأزمة، كالبلديات وشركات النقل، الخ.

الحراك الشعبي أفرز إلى سطح الحياة السياسية ممارسات جديدة اتسمت بالسلمية، كان وراءها جيل جديد مؤهل من الشباب

فرضية متفائلة تحيل ضمنيا إلى ما قد يكون أفرزه الحراك الشعبي من عقليات جديدة، وحتى أشكال تنظيم وعقليات، قد تعبر عن نفسها بمناسبة هذه الحركات الاحتجاجية المتوقعة، انطلاقا من فكرة أن الحراك يكون قد نجح في تغيير الجزائري ونظرته إلى نفسه، وإلى الفعل السياسي حتى إن فشل في تحقيق مطالبه كحركة سياسية في المقام الأول.. حراك أفرز إلى سطح الحياة السياسية ممارسات جديدة اتسمت بالكثير من السلمية، كان وراءها جيل جديد مؤهل من الشباب، عبّرت لحظة الحراك عنه، رغم الأزمة السياسية الحادة التي يعيشها البلد، ليس على مستوى مراكز القرار العليا التي تعيش حالة تخبط تعبر عن نفسها بأشكال مختلفة، بل حتى الهوامش، كما هو حال الأحزاب السياسية التي تعيش كلها أزمات مختلفة الحدة لكنها حاضرة، كما عبرت عن نفسها داخل جبهة التحرير بشكل بائس.
أزمة وسائط سياسية ستزيد حتما من حدة الاحتكاك بين الحركات الاحتجاجية ومراكز السلطة والقرار، بكل ما قد يترتب عن ذلك، في هذا الجو السياسي المتشنج الذي يعيشه البلد. أزمة تعبر عن نفسها في المجال السياسي من جهة أخرى، بكم هائل من الاعتقالات مست أوساطاً قريبة من الحراك الشعبي، ما زال تركيز السلطات عليه قائماً، رغم كل الادعاءات التي تقول العكس، شملت هذه المرة بعض الوجوه المحسوبة على تلك الحركات التي وصفت بالإرهابية، كما هو حال حركتي الماك ورشاد، تركزت حتى الان في منطقة القبائل كآخر قلاع الحراك الشعبي، بكل الحمولة الرمزية التي تميز المنطقة التي عرفت بمستوى تنظيم أكبر من المتوسط الوطني، يمكن أن يقيها شر التوجه نحو العنف الذي قد تفضل التوجه نحوه بعض مراكز القرار. في وقت تعرف فيه المدن الكبرى كالعاصمة هدوءاً يخفي تحته الكثير من الحذر والتشنج، الذي يمكن أن يشتعل في أي لحظة، إذا استمرت المعطيات نفسها، المتعلقة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي في هذا الجو السياسي المكهرب. وهو ما يجعلنا نتطرق الى الجغرافية – السياسية للحركات الاجتماعية والاحتجاجية في الجزائر، التي ارتبط بشكل واضح بالمدن الكبرى والمتوسطة التي تعيش داخلها أغلبية السكان، حتى إن لاحظنا في السنوات الأخيرة، توسعا جغرافيا لهذه الحركات الاحتجاجية، شمل مناطق الجنوب والهضاب العليا، التي بدأت في الالتحاق بما يحصل في الشمال، من أشكال تعبير سياسي، كما كان الحال مع الانتخابات كما عبّرت عنها المقاطعة، ليبقى الشباب على رأس الفئات العمرية المرتبطة بهذا النوع من الحركات الاجتماعية، ونحن نسجل بروز فئات عمرية أكثر تنوعا، قد يفسر الطابع الاجتماعي الواسع لهذا النوع من الحركات التي تمس الأولياء بالدرجة الأولى، حتى إن عبّر عنها الشباب الذكور أكثر، ما يمنح هذه الحركات الاحتجاجية صفة الحركات الكلية التي تتكلم عنها الأدبيات السوسيولوجية.
حركات تحولت إلى عادة في المجتمع الجزائري، بما عرف عنها من ضعف تنظيم وعدم قدرة على تحقيق مطالبها السياسية، التي عادة ما تكون مضمرة، لا يتم التعبير عنها بوضوح، لصالح الجانب الاحتجاجي، قد يختلف هذه المرة إذا راعينا لحظة الحراك الشعبي التي استطاعت تجنيد أحسن ما هو موجود في المجتمع الجزائري.. من تأهيل وتعليم لدى فئات واسعة من الشباب من الجنسين، يتجاوز مفهوم «النخبة» الضيق التي بحثت عنها بعض الأطروحات، فلم تجدها على رأس الحراك، كما قد لا تجدها هذه المرة كذلك، على رأس خريف الغضب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: