بدأت الجزائر رحلتها في جلب المطلوبين لدى قضائها المتواجدين بالخارج، من أجل محاكمتهم بتهم “خطيرة”، أبرزها “الإرهاب” و”المساس بأمن الدولة”.
وفي تصريحات سابقة، توعد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، من يتجرأ على المساس بالوحدة الوطنية للبلاد حتى أولئك (لم يسمهم) المقيمين بدول أجنبية.
فيما أكد وزير الخارجية رمطان لعمامرة، في تصريحات سابقة، أن متابعة وجلب المتورطين في القيام “بأعمال عدائية ضد وطنهم من الخارج، باتت أولوية” بالنسبة للدولة.
وأصدر قضاء الجزائر عدة أوامر بالقبض الدولي، بحق عدة أشخاص من مسؤولين سابقين في الدولة بتهم فساد، أو ناشطين تحت غطاء المعارضة السياسية، باتوا متابعين في قضايا “التحريض والتخريب والإرهاب والمساس بالأمن العام وأمن الدولة”.
تسلمت عدة أسماء
واستطاعت الجزائر في ظرف عام، استلام عدة شخصيات معروفة لدى الرأي العام من دول تربطها بها اتفاقيات تعاون أمني وقضائي، ولا زالت تعمل على قائمة من أسماء متابعة في عدد من القضايا، وفق ما أعلنه مسؤولون أمنيون في تصريحات سابقة.
وفي 20 أغسطس2020، أعلنت الجزائر استلامها، العسكري الفار قرميط بونويرة، من تركيا، في إطار التعاون الأمني بين البلدين.
وبونويرة عسكري متقاعد كان يشغل منصبا حساسا بوزارة الدفاع، في حقبة قائد الجيش السابق أحمد قايد صالح، فر من بلده، ويتواجد حاليا بالسجن العسكري بمدينة البليدة (جنوب العاصمة) في انتظار محاكمته.
ومطلع يوليو الماضي، تسلمت الجزائر من دولة الإمارات، الرئيس التنفيذي السابق لشركة سونطراك الحكومية للمحروقات، المتابع في قضايا فساد، وهو حاليا قيد الحبس المؤقت في انتظار المحاكمة.
وفي 20 أغسطس الماضي، وافقت إسبانيا على تسليم القيادي الأمني، محمد عبد الله، للجزائر، وفور وصوله على متن باخرة مسافرين، وضع رهن الحبس المؤقت، بتهم عديدة على رأسها “الانخراط في جماعة إرهابية”.
ونهاية الشهر ذاته، استلمت الجزائر، من تونس، ناشط منتمي لحركة “الماك” الانفصالية (مصنفة إرهابية في البلاد)، يدعى سليمان بوحفص، وفق ما أعلنته عدة منظمات حقوقية تونسية وجزائرية، أدانت العملية لكونه يتمتع بحق “اللجوء”.
وللجزائر، رصيد في جلب المطلوبين المتواجدين في الخارج، حيث استطاعت سنة 2013، جلب رجل الأعمال الشهير عبد المؤمن خليفة، الذي لجأ إلى بريطانيا عام 2003، بعد انهيار امبراطوريته المالية، على خلفية قضية فساد مالي سميت يومها بـ”فضيحة القرن”.
قائمة أخرى قيد الانتظار
وأصدر القضاء الجزائري خلال الأشهر الأخيرة، مذكرات جلب وأوامر بالقبض الدولي على عدة شخصيات سياسية سابقة، ونشطاء ومنتمين لمنظمات مصنفة في خانة الإرهاب.
ومن أبرز المطلوبين، رئيس حركة “ماك” الانفصالية، فرحات مهني، وأبانت التحقيقات القضائية الأولية تورطها بجريمة حرق الشاب جمال بن إسماعيل في محافظة تيزي وزو، وفق النائب العام بمجلس قضاء العاصمة، سيد أحمد مراد.
و”ماك” حركة جزائرية ذات توجه انفصالي تأسست عام 2002، يرأسها المغني مهني المتواجد بفرنسا رفقة معظم قادتها، وفي مايو الماضي، صنفت السلطات الجزائرية حركتي “ماك” و”رشاد” كمنظمتين إرهابيتين.
وفي 28 أغسطس ، قال النائب العام بالعاصمة أحمد مراد، أثناء إعلان إصدار أوامر بالقبض الدولي ضد مهني و”مدبرين” آخرين لجريمة اغتيال الشاب: “إن هؤلاء (المتواجدين بالخارج) لن يعرفوا الطمأنينة ما دامت قضيتهم وملفاتهم محل التحقيقات القضائية”.
وذكر مراد، أن جريمة حرق الشاب، عقب الحرائق التي نشبت بتيزي وزو (شرق العاصمة) “مدبرة”، ومتدخل فيها العنصر الأجنبي.
وكان الرئيس الجزائري، قد وجه خطابا للجزائريين في أزمة الحرائق الأخيرة، وحذر من مغبة المساس بالوحدة الوطنية.
وقال: “من يمس الوحدة الوطنية، سيدفع الثمن باهظا، ولون كان متواجدا بالخارج، سيأتي اليوم الذي سيدفع فيه الثمن”.
وتعتقد الجزائر، أنها تتعرض لحرب سيبرانية، يشنها نشطاء ينتمون لمنظمات “إرهابية”، تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والتحريض على العنف وهو ما يردده وزير الإعلام عمار بلحيمر في كل مناسبة.
العملية تخضع لضوابط
وحسب المحامي الجزائري عمار خبابة، فإن لبلاده كل الحق في مطالبة دول أجنبية شريكة وصديقة، بتسليمها أشخاص مطلوبين أمام القضاء.
وأوضح خبابة للأناضول، أن العملية تحتكم إلى ثلاث آليات رئيسية هي: “الاتفاقيات الثنائية، الاتفاقيات الدولية والنشاط الدبلوماسي”.
وقال إن “الدول ملزمة بالتعاون سواء فيما بينها أو في إطار محددات القانون الدولي، في مجال حفظ الأمن والسلم ومكافحة الإرهاب، وعندما تحاول بعض الدول عدم التجاوب بالمراوغة أو التلاعب في الإجراءات أو المساومة، فإن العمل الدبلوماسي من شأنه أن يحقق النتيجة المطلوبة”.
وأكد المتحدث، أن للجزائر خبرة في مجال استلام المطلوبين لديها، “وتدرك جيدا، أن الأمر متعلق بوجود ملف متقن، يتضمن كافة الوقائع المادية التي تدين الشخص المطلوب”.
ورأى أن بعض المتابعين المتواجدين بفرنسا تحديدا، يعتقدون أن الأخيرة ستقاوم وتتمسك بعدم تسليمهم و”لكن فرنسا ستجد نفسها أمام أمرين: إما أن تضحي بشخص متابع بتهم فساد أو الإرهاب في بلده، وإما أن تضحي بمصالحها في الجزائر، ولابد أنها ستختار الأول”.
وأفاد بأن العملية، تخضع إلى ضبط مفاهيمي مهم، وهو الفرق بين الناشط والمعارض والمتورط في عمل يعاقب عليه القانون، مشيرا أن القانون الجزائري بات يعالج ويعاقب في قضايا “الانتماء إلى جماعات إرهابية في الخارج عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.
تطبيق القوانين الدولية
وكان وزير الخارجية الجزائري، قد أكد خلال مؤتمر صحافي في 24 أغسطس الماضي، عزم بلاده على “جلب كل من يقوم بأعمال عدائية ضد وطنه من الخارج”.
وقال: “إنها (الجزائر) قد انطلقت في ذلك، وهي حريصة على أن تطبق القوانين والمواثيق الدولية التي تمنع الأعمال المخلة بسيادة دولة صديقة والتي من شأنها أن تؤدي إلى العنف والبلبلة”.
وأضاف: “نحن ملتزمون بالعمل مع دول الإقامة ليطبق القانون على الجميع، خصوصًا ما تعلق بالتعدي على سيادة الدول وحرمتها وكل ما يرتبط بالوقاية من الإرهاب والعمل على استئصاله”.
بدوره، اعتبر المحلل السياسي، رضوان بوهيدل، أنه وبغض النظر عن الجانب القانوني للمسألة، فإن الجزائر أثبتت قوتها كدولة و”هي بصدد فرض هيبتها وسيادتها”.
وقال: “إنها لا تطالب بتسليم أي شخص، وإنما أناس ثبت بالوقائع والأدلة المادية، أنهم متورطون ومخططون لأعمال إرهابية تستهدف أمن البلاد”.
واعتبر أن دول إقامة هؤلاء المطلوبين، ملزمة بالتعاون مع الجزائر، في ظل وجود ملفات تحوي الأركان الكاملة للجرائم وإلا ستكون هذه الدول “متواطئة بشكل أو بآخر”.
وإلى جانب الأشخاص المتابعين بقضايا جنائية، تعمل الجزائر على جلب شخصيات سياسية تقلدت مناصب حكومية مرموقة في عهد نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ومنهم وزير الصناعة الأسبق عبد السلام بوالشوارب (يقيم بين لبنان وفرنسا)، ووزير الطاقة الأسبق شكيب خليل (الولايات المتحدة)، وقائد الدرك السابق الجنرال غالي بلقصير (إسبانيا).