السلطة الجزائرية تراهن على المعارضة لدمج القبائل في المسار الانتخابي

بليدي

يسعى صنّاع القرار السياسي في الجزائر للمراهنة على أحزاب المعارضة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بهدف إعادة استقطاب منطقة القبائل وإقحامها في المشهد السياسي بالبلاد، تجنبا لتعميق القطيعة بين الطرفين التي يمكن أن تغذيها أطراف انفصالية.

تراهن السلطة الجزائرية على عودة أحزاب البديل الديمقراطي المعارض إلى المسار الانتخابي، لإعادة إدماج منطقة القبائل في الخارطة السياسية للبلاد، وتلافي السيناريوهات التي عززت القطيعة بين المنطقة والسلطة الممثلة للمجموعة الوطنية، الأمر الذي قدم خدمة مجانية للأفكار الانفصالية التي تريد إحداث شرخ داخل جسد الدولة.

وأعلنت الأحزاب الراديكالية التي قاطعت الاستحقاقات الانتخابية الماضية عن مشاركتها في الانتخابات المحلية المقررة نهاية شهر نوفمبر المقبل، بما فيها أعرق أحزاب المعارضة السياسية في البلاد جبهة القوى الاشتراكية، المحسوبة على التيار البربري، وصاحبة النفوذ الشعبي القوي في المنطقة.

وفي انتظار الحزب البربري الثاني التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، ينتظر التحاق حزب العمال اليساري بالمسار المذكور، لتكون بذلك أول انتخابات دون مقاطعة حزبية منذ تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة في أفريل 2019.

وشكلت مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية السابقة في ربوع البلاد عموما، وفي منطقة القبائل تحديدا، أين لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها سقف الواحد في المئة، صداعا سياسيا قويا في رأس السلطة، حيث وجدت نفسها مرفوضة كليا في أكبر الجهات حساسية وتأثيرا على الوحدة الوطنية، الأمر الذي فاقم من أزمة الشرعية الشعبية وفتح المجال للاستثمار السياسي من طرف التيار البربري الانفصالي.

يوسف أوشيش يبرر موقف حزبه، جبهة القوى الاشتراكية، الداعي للمشاركة في الانتخابات المحلية بالرغبة في عدم ترك المجال أمام السلطة للتلاعب وتوجيه الاهتمامات والانشغالات اليومية للمواطنين

وبرر القيادي في جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش موقف حزبه الداعي للمشاركة في الانتخابات المحلية بالرغبة في “عدم ترك المجال أمام السلطة للتلاعب وتوجيه الاهتمامات والانشغالات اليومية للمواطنين، والعمل على عزل الأحزاب المؤثرة والفاعلة عن وعائها الشعبي”.

وكانت القواعد النضالية للحزب هي صاحبة قرار مقاطعة التشريعيات الأخيرة، بعدما انتقل المئات منهم إلى المقر المركزي للحزب، من أجل الضغط على الهيئات المركزية لرفض الانتخابات المذكورة، الأمر الذي سيطرح الموقف المذكور مجددا الآن، خاصة وأن القرار اتخذ بمعزل عن التشاور مع المؤسسات المحلية للحزب، عكس حزب العمال الذي فتح مشاورات قاعدية لبلورة القرار النهائي.

ويبدو أن الطبقة السياسية المعارضة التي استفادت من موجة العزوف ومقاطعة الاستحقاقات الأخيرة هي الآن أمام تحد حقيقي لكسر الموجة المذكورة وإثبات مدى تأثيرها ولو نسبيا في نفور غالبية الجزائريين من المحطات الانتخابية التي نظمتها السلطة منذ العام 2019.

وجرت التقاليد الانتخابية في الجزائر، على أن نسبة المشاركة تكون أكثر في البلديات والمحافظات مقارنة بالبرلمان والرئاسة أو الدستور، نظرا لتفاعل المواطنين مع المؤسسات المحلية التي يحتك بها في حياته اليومية.

ومع ذلك، فإن الغموض يبقى قائما في منطقة القبائل إذا كانت ستستمر في قطيعتها مع السلطة، أم أن دخول الأحزاب الفاعلة في المنطقة سيسمح باستقطاب القواعد الشعبية وانتخاب مجالس بلدية وولائية، وينتهي بذلك مسلسل المقاطعة الذي أرق السلطة طويلا.

وينتظر أن تؤدي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي خلفتها موجة الحرائق الأخيرة إلى تركة نفسية وسياسية لدى السكان، على اعتبار أن الاهتمام ينصب حاليا حول مخططات إعمار المنطقة، بدل التفكير في المستقبل السياسي للبلديات والمحافظات التي تكبدت خسائر كبيرة بدأت معالمها تتجلى في تموين الأسواق بالمنتوجات التي كانت تشتهر بها كالزيوت والدواجن والبيض.

ورغم تخصيص الحكومة لأغلفة مالية ضخمة من أجل تعويض المتضررين، إلا أن المخاوف تبقى قائمة من وتيرة تسيير الأزمة، انطلاقا من تجارب سابقة كما حدث في زلزال بومرداس 2003 حيث قضى المتضررون عقودا كاملة دون سكن، وهو عامل لا يشجع السكان على الانخراط في المسار الانتخابي، رغم أن المؤسسات المذكورة تلعب دورا أساسيا في التنمية المحلية نتيجة الرقابة الشعبية عكس المناطق الأخرى من ربوع البلاد.

وساهمت القطيعة الكبيرة في المنطقة للمسارات التي اختارتها السلطة الجديدة بالبلاد في تعزيز الطرح الانفصالي المستفيد من حالة الشحن الإثني والعرقي الذي تديره بعض الدوائر، حيث يجري استغلالها لإثبات وجاهة مقاربتها خاصة أمام الرأي العام الخارجي.

الغموض يبقى قائما في منطقة القبائل إذا كانت ستستمر في قطيعتها مع السلطة أم أن دخول الأحزاب سينهي الأزمة

ويرى متابعون للشأن الجزائري أن تهميش السلطة للأحزاب والفعاليات الأهلية طيلة السنوات الماضية ساهم في تقوية التيار البربري الراديكالي وهيمنته على المنطقة، وأن إقرار تلك القوى بالمشاركة في الانتخابات المذكورة هو فرصة لدمج المنطقة في المنظومة الوطنية ولو بشكل نسبي.

وهيمنت الأحزاب المحسوبة على التيار البربري على المجالس المحلية في مختلف الاستحقاقات الماضية، الأمر الذي يترجم العلاقة الوثيقة بينها وبين السكان، لكن دخول أوراق أخرى على الخط قد يعيد خلط الحسابات ويعقد من عملية إعادة الدمج السياسي.

ويرى ناشطون محليون أن المجالس المقبلة حتى في حالة إجراء الانتخابات في ظروف عادية، لن يكون بإمكانها التكفل بالآثار الوخيمة التي خلفتها موجة الحرائق، وأن المنطقة باتت بحاجة إلى مشروع إعمار حقيقي تتكفل به السلطات المركزية، لمساعدة السكان على العودة من جديد إلى الحياة العادية والشروع في إزالة المخلفات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: