الإخوان: تعددت الأسباب والخسارة واحدة

ح الاسود

الهزيمة التي مني بها الإخوان في المغرب ليست كبيرة ومدوية فقط، وإنما هي مذلّة ومهينة، وفوق ذلك لا تقبل التشكيك في صحتها، حيث هناك إجماع على النزاهة التي تم فيها استحقاق الثامن من سبتمبر، وعلى أن النتائج كانت منسجمة تماما مع توجهات الشارع الذي لم يعد يشعر بأي تعاطف مع حزب العدالة والتنمية بعد أن جرّبه لمدة عشرة أعوام كانت كافية للتأكيد على أنه حزب غير مؤهّل للحكم ولا للإصلاح، وأن الشعارات التي اعتاد رفعها لا تطعم الجائع ولا تغني الفقير ولا تعالج المريض ولا توفر وظيفة للعاطل عن العمل، وأن المصباح الذي اتخذه شعارا يضيء فعلا، ولكن على الجماعة فقط.

أطاح المصريون بحكم الإخوان بعد ثورة الثلاثين من يونيو، ولكن مجرد وقفة الجيش مع الشعب كانت كافية للانطلاق في الترويج لفكرة أن ما حدث في الثالث من يوليو 2013 كان انقلابا على الرئيس محمد مرسي بعد عام من توليه الحكم، وقد ساعدت الظروف المحيطة آنذاك سواء في المنطقة أو العالم، على محاولة تقديم جماعة الإخوان على أنها ضحية لما سمي بحكم العسكر، ورفض المتعاطفون معها الانتباه إلى حقيقة كانت واضحة للعيان، مفادها أن الشعب المصري هو الذي بادر بإنهاء مهزلة حكم المرشد، فإحساسه العميق بمفهوم الدولة وسيادتها ومدنيتها ورموزها ومؤسساتها ووحدة مجتمعها واستقلالية قرارها وهويتها الثقافية والحضارية، اصطدم بمفاهيم إخوانية مناقضة تماما لذلك، وكان يمكن أن تؤدي بمصر إلى التشتت والانقسام والصراع الأهلي، وتضعها في موقع التبعية لمشروع عابر للحدود بمنطق الجماعة المتقدمة عن المجتمع والتي ترى قوتها في ضعفه ونجاحها في فشله ووحدتها في انقسامه.

بعد عام واحد، وتحديدا في يونيو 2014، فشل الإخوان في ليبيا في الانتخابات البرلمانية، فكان أول ما قاموا به هو الانقلاب على النتائج، والدفع نحو حرب أهلية من خلال منظومة “فجر ليبيا” لتدخل البلاد مرحلة الانقسام السياسي الذي أدى إلى تشكيل حكومة في الشرق مقابل حكومة طرابلس، وفي ديسمبر 2015 جاء اتفاق الصخيرات ليعيد تدوير الجماعة وتمكينها من الحفاظ على مراكز نفوذها في غرب البلاد، وذلك من خلال مجلس الدولة الاستشاري المكون أساسا من نواب تم انتخابهم لعضوية المؤتمر الوطني العام في العام 2012، والذي اكتشف المجتمع الدولي لاحقا أنه تحول إلى حجر عثرة في طريق السلام والمصالحة.

في التاسع عشر من ديسمبر 2018 دشن الشعب السوداني انتفاضته ضد نظام عمر حسن البشير والتي انتهت بإطاحته في الحادي عشر من أبريل 2019 لتكون الصفعة المدوية لتيار الإسلام السياسي في المنطقة، فالنظام الذي حكم البلاد لمدة 30 عاما، وطالما مثل ملجأ وموئلا ومصدر إلهام للإخوان في المنطقة، انهار بشكل تراجيدي وأفقد الجماعة ركنا ركينا كانت تتكئ عليه كلما افتقدت إلى المأوى أو الدعم المالي أو جوازات السفر، وخرج الشعب السوداني إلى الشارع يعبر عن سعادته بنهاية عهد “الكيزان” وبالاتجاه نحو دولة مدنية ديمقراطية علمانية تحترم الحريات العامة والخاصة وتلغي أحكام الردة والتكفير والقوانين القامعة لحق التعبير والاجتهاد والمعطلة لدور المرأة ولحركة المجتمع.

وشهدت السنوات الماضية هزائم منكرة للإخوان في موريتانيا والأردن والكويت والجزائر في الاستحقاقات الانتخابية، وهو ما أكد أن الجماعة فقدت رصيدها الأخلاقي في دغدغة مشاعر الشعوب بشعارات الإصلاح ومكافحة الفساد وهي شعارات سرعان ما أثبتت زيفها، حيث تبين لعموم الناس أن الأحزاب الدينية لا تقل فسادا عن غيرها، بل تتفوق أيضا بانغلاقها على كياناتها المنعزلة عن المجتمع وعلى مصالح أفرادها دون التدبر في ما يتعلق بمصالح الشعب، وهي إلى ذلك مسقطة على فكرة الدولة ومعادية لمبادئ الوطنية.

تعددت الأسباب ولكن خسارة الإخوان واحدة

وفي الخامس والعشرين من يوليو 2021 أدى فشل الإخوان الذريع في تونس في إدارة الشأن العام إلى انتفاضة شعبية ضدهم اتجه الرئيس قيس سعيد إلى الحد من تأثيراتها السلبية على السلم الأهلي باتخاذ تدابير استثنائية من بينها حل الحكومة وتجميد كافة صلاحيات البرلمان الذي كان يرأسه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وقد تم اعتبار ذلك ضربة موجعة للإخوان في تونس ونهاية لمشروعهم الذي دفع بالبلاد إلى مشارف الإفلاس والدولة إلى شفا التفكك والانهيار.

لقد كانت بداية الانهيار الكبير من مصر بفعل وقفة الجيش مع الشعب في 2013، لكن ساحة أخرى كان لها دور محدد في نهاية مشروع الإخوان وهي سوريا، التي تجند الجهاديون من 80 دولة لخوض حرب ضروس داخلها كان الهدف منها إسقاط نظام بشار الأسد وإحلال نظام إخواني بدلا عنه، ولو حدث ما تم التخطيط له فعلا، لامتد نفوذ الجماعة إلى دول أخرى عدة. لقد كانت جميع التيارات الجهادية تصب في مصلحة الإخوان، لكن مجريات الأحداث أطاحت بالمخطط نهائيا، وعندما ثار السودانيون على حكم البشير تبين أن الشعوب يمكن أن تطيح فعلا بمن يزعمون التعبير عن إرادة الله في السماء وتنفيذها على الأرض.

قد يحاول الإخوان تبرير هزائمهم في مصر والسودان بتدخل الجيوش، وخسارتهم في تونس بما يعتبرونه انقلابا دستوريا من الرئيس سعيّد بدعم من المؤسسة العسكرية كذلك، ولكن هزيمتهم المدوية في المغرب لم تكن بتدخل عسكري ولا بقمع من السلطة التي كانوا يديرونها، وإنما جاءت من خلال صندوق الاقتراع وعبر إرادة الشعب الذي أطاح بهم في عقاب جماعي لمرشحيهم، أثبت أن الانتماء العقائدي للإخوان غير موجود بالشكل الذي كانت قوى داخلية وخارجية تدعيه، وأن الجماعة ذاتها جماعة منغلقة على ذاتها وغير قادرة على اختراق المجتمع، وأن الإعلام الموجه وإن كان خدمها بالترويج لشعاراتها المنتقدة لكل ما هو مشروع وطني أو قومي أو ليبرالي أو علماني أو يساري، والواعدة بمقاومة الفساد وتحصين الهوية وتحقيق الإصلاح وتوفير الرفاه للشعوب، والتي لقيت تعاطفا شعبيا في وقت ما، إلا أن التجربة تبقى الامتحان الحقيقي، وهو ما حدث فعلا فجاء بنتيجة مخيبة للآمال، أولا للشعب الذي فوجئ بأن الإخوان غير صالحين للحكم ولا مصلحين للأوضاع، ثم للإخوان أنفسهم الذين تأكدوا من أن الشعوب لم تمنحهم صكا على بياض ولم تعد قابلة للتأثر بخطابهم السياسي ولا ببرنامجهم الاقتصادي ولا بالنموذج الاجتماعي الذي سعوا لتكريسه ولا بغطائهم الديني المصطنع.

لقد تعددت الأسباب ولكن خسارة الإخوان واحدة من مصر إلى السودان ومن تونس إلى المغرب ومن ليبيا إلى الجزائر ومن الكويت إلى سوريا، ومن الأردن إلى موريتانيا، وهو ما يعني أن مشروعهم قد انتهى دون رجعة، وإن عاد إلى الظهور ففي حيز محدود لن يكون ذا تأثير على السير العام لحياة الدول والشعوب والمجتمعات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: