كيف أصبح حزب العدالة و التنمية رقما هامشيا في المشهد السياسي المغربي؟

Belbazi

يواجه حزب العدالة والتنمية، أبرز الأحزاب الإسلامية في المغرب، موجة متنامية من خيبة الأمل في أوساط مؤيديه، بعد أن انتهج سياسات معتدلة، لكنه أخفق في تحقيق قدر أكبر من التأثير على السياسات في البلاد.

فتركيز الحزب قبل عشر سنوات على الإصلاحات السياسية والاقتصادية، ومطالبته بإعادة تقاسم السلطة في الحياة السياسية المقيّدة في المغرب، جعلاه يخفق في تحقيق قدر أكبر من التأثير السياسي، وعرّضاه إلى اتهامات من جانب حركات إسلامية أخرى أكثر تشدداً، بأنه يفّرط في التزاماته الدينية لصالح ترقية مصالحه السياسية.

كان حزب العدالة والتنمية، منذ تأسيسه في العام 1992 ، حزباً سياسياً مسالماً بعيداً كل البعد عن الحركة الدينية التي انبثق من رحمها. لكنّه، وحين نأى بنفسه عن المسائل الدينية والأخلاقية، نفّر بعضاً من قواعده الانتخابية، ما اضطره إلى التنافس مع حركات إسلامية أكثر تشدداً لكسب ولاء الناخبين مجدداً.

كيف خدع حزب العدالة و التنمية الناخبين

  •  مشاركته في كل الانتخابات البرلمانية والمحلية منذ تأسيسه فيالتسعينات. لكّن فشله في تجاوز الخلافات التاريخية وفي إقامة تحالفات مجدية مع قوى المعارضة، مكّن الفريق الحاكم من تجاهل المعارضة ومن تلافي إجراء إصلاحات ديمقراطية مجدية.
  •  
  • تركيز الحزب في برنامجه الانتخابي العام 1997 على المسائل الاقتصادية والقانونية، وبذلك ميَّز نفسه عن معظم الحركات الإسلامية الناشطة في العالم العربي. وعلى الرغم من أن مقاربته البراغماتية هذه لم تُتِح له التأثير على سياسات الحكومة، إلاّ أنها شجّعته كأي حزب فتي على المضي قدماً في إصلاحات داخلية، لعل أهمها تحسين الانضباط والشفافية. 
  •  إلتزم الحزب بالديمقراطية الداخلية. وخير دليل على ذلك الانتخابات المفتوحة لاختيار قيادة جديدة له، والتي تُوِّج على أثرها عبد الإله بنكيران أميناً عاماً في 20 يوليو. فقد أدلى أعضاء الحزب بأصواتهم في خطوة قل نظيرها في معظم الحركات الإسلاميةالعربية
  • سعى حزب العدالة والتنمية جاهداً لإرساء توازن مستدام وعملي بين المطالب البراغماتية المنادية بالمشاركة وتلك التي تمليها المرجعية الإسلامية. وتزداد هذه المهمة صعوبة في ضوء الاستياء الشعبي العارم من العملية السياسية،وأيضاً بسبب تزايد أهمية التيارات الإسلامية الرافضة. أما بالنسبة إلى المرحلة الحالية، فقد انزلق الحزب في نقاشات مستفيضة حول أولوياته، كلفته خسارة بوصلة توجّهه الاستراتيجي».
  •  أظهر هذا الحزب مرونة كبيرة في المراوغة وتقديم التنازلات من أجل البقاء حاضراً في المشهد السياسي كرقم صعب فيالمعادلة السياسية المغربية المعقدة. بل وهناك من ينسب له الفضل في نجاح التجربة، التي بات ينظر إليها كنموذج يحتدى به يتعايش فيها حزب إسلامي محافظ وتقليدي مع ما تبقى منالحزب الشيوعيالمغربي مع أحزاب تقليدية وأخرى يمينية تدعي الليبرالية،وأحزاب بلا هويات إيديولوجية خلقتها السلطة.
  • كل هذا الخليط الذي لا يمكن أن يلتقي في أية تجربة ديموقراطية ذات مصداقية، نجده في المغرب يشكل تحالفا حكومياً تواجهه معارضة هي الأخر مكونة من خليط من حزب اشتراكي وحزب محافظ وأحزاب تدعي الليبرالية والتقدمية والحداثة، وكل هذاالكوكتيلمن الأحزاب الحكومية والمعارضة تتعايش تحت مظلة نظام ملكي  يجمع ما ببين الأصالة والمعاصرة والمحافظة والتقدمية والتقليد والحداثة والقداسة!

لفهم تجربة الإسلاميين المغاربة مع السلطة لا بد من إدراك طبيعة النظام الملكي في المغرب الذي ظل ينظر دائماً إلى الأحزاب السياسية ذات المصداقية باعتبارها منافسا له في مشروعيته، فحاربها بقوة. بالأمس تمت محاربة الأحزاب اليسارية، لأنها نافست النظام في شعبيته، واليوم تحارب الأحزاب الإسلامية لأنها تنافسه في مشروعيته الدينية. لذلك سعى النظام في المغرب إلى ضبط المشهد السياسي للتحكم فيه.

والنسبة لحزبالعدالة والتنميةفهو نفسه خرج من صلب جماعةالتوحيد والإصلاح، التي كانت شبهمحظورةفي عرف النظام بما أنها لم تحصل على ترخيصها القانوني إلا بعد وصول الحزب إلى رآسة الحكومة، كما صرح بذلك رئيس الحزب والحكومة عبدالإله بنكيران. فالسلطة كانت ومازالت تتوجس من الترخيص لعمل التيارات الإسلامية، فهي تمنع أكبر جماعة إسلامية في المغرب وهيالعدل والإحسانمن تأسيس حزب. وقامت عام 2009 بحل حزبين إسلاميين هماحزب الأمةوالبديل الحضاري“.

لذلك فوجود حزب إسلامي اليوم في المغرب هومحض صدفةيصعب أن تتكرر، والحركة الإسلامية المؤسسة لهذا الحزب، الذي يقوداليوم الحكومة في المغرب، جاءت إلى العمل السياسي من خلال اندماج بعض أعضائها في حزبالحركة الشعبية الدستوريةلمؤسسه عبد الكريم الخطيب، وهو شخص مقرب من القصر، وحزبه انشق عن حزبالحركة الشعبيةالذي أسس بدعم من القصرعام 1958 لمواجهة مد حزبالاستقلالآنذاك.

ولمعرفة كيف تم الترخيص لهذا الحزب في بيئة مازال يٌحضر فيها الترخيص لأحزاب إسلامية، وأيضا لفهم المرونة التي يتحلى بها الحزب وأبان عنها في أكثر من مناسبة من خلال تقديم التنازلات التي تطلبها منها السلطة لا بد من الرجوع إلى قراءة مسار زعمائه. فهذهالمرونةهي جزء من مسار تشكل الحزب في علاقة زعمائه بالسلطة القائمة في المغرب.

فمؤسس الحزب أو بالأحرىعرابهعبد الكريم الخطيب عرف بعلاقاته القوية بل وحتى العائلية مع أعلى دوائر السلطة في المغرب. ومؤخرا اتهمه عميل مخابرات مغربي سابق بأنه كان عميلا لمخابرات الاستعمار الفرنسي. أما زعيم الحزب الحالي ورئيس الحكومة،عبد الإله بنكيران، فعرف عنه، من خلال ما نشرته الصحافة المغربية، تعاونه مع أجهزة الأمن في سنواتالرصاص والجمرفيالمغرب. كما أن أحد قيادات الحزب الذي كان يوصف بأنه منصقوره، وهو مصطفى الرميد، اعترف هو نفسه بأنه كان يعد تقارير سرية عن الحركات الإسلامية في المغرب بطلب من وزير داخلية الملك الراحل الحسنالثاني، إدريس البصري، الذي كان يوصف طيلة ربع قرن الذي رأس فيه وزارة الداخلية برجل النظام القوى وحكم المغرب بيد منحديد.

لذلك فإن فتح باب اللعبة السياسية أمام الإسلاميين عام 1997 تم برعاية وإملاء من السلطة وبتزكية ومباركة منها. وبعد عام من اندماجهم في حزب مقرب من القصر سمحت لهم السلطة آنذاك بتغيير اسم الحزب ليحمل اسمالعدالة والتنمية“. وقبل تلك الفترة لم يكن لجماعةالتوحيد والإصلاحالذي خرج من صلبها أول حزب إسلامي معترف به في المغرب، حضور قوي على الساحة السياسية المغربية، وهي أصلا كانت مجرد تجميع لجماعات إسلامية دعوية صغيرة. حدث ذلك في لحظة تاريخية كان فيها الملك الراحل الحسن الثاني يعد لانتقال المُلك من بعده لتمهيد الطريق لمشروعية خلفه ففتح باب المشاركة الحكومية للمعارضة السابقة ممثلة فيصقرهاآنذاك حزبالاتحاد الاشتراكي، وفتح نافذة صغيرة للحركة الإسلامية لتستأنس مع العمل السياسي ممثلة في جماعةالتوحيد والإصلاح“.

لكن سنة واحدة بعد بداية حكم الملك محمد السادس عام 1999 بدأت تظهر العديد من مظاهر النكوص والتراجع عما أسس له والده. وبعد التفجيرات الإرهابية التي هزت مدينة الدار البيضاء في ماي 2003، تم تحميلالعدالة والتنميةالمسؤولية المعنوية عن تلك الأحداث، وكانت السلطة على وشك أن تحله، وقبل ذلك فرضت عليه في انتخابات 2002 عددا محدوداً من الدوائر للترشح فيها، وفيانتخابات 2007 ربما زورت عليه في الانتخابات التشريعية لذلك العام، وفي نفس السنة تم الزج بقيادات إسلامية في السجن من أحزابالأمةوالبديل الحضاريومنالعدالة والتنميةنفسهكانت الرسالة واضحة تريد أن تخوِّف الناس من الأحزاب ذات التوجه الإسلامي، فالسلطة في المغرب لا تسمح بوجود أحزاب سياسية قوية ومتجذرة في الشارع، وفي نفس الوقت مستقلة في قرارها.

ومن أجل التحكم في الأحزاب اتبع النظام في المغرب استراتيجية تقوم على إضعافها قبل احتوائها. وذلك عبر المزج بين القمع والتخويف من جهة، والاستقطاب والإغراء من جهة أخرى، وهي السياسة التي انتهجهاالمخزن” (السلطة المركزية ممثلة في القصر) بنجاح مع كل أنواع المعارضة، التي شكلت له تهديدا وجوديا مثل الاشتراكيين والشيوعيين بالأمس والإسلاميين اليوم.

وقد أثبتت التجربة كيف أن حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وبعد عقود من الشد والجذب مع الملكية، رضخا في الأخير وشاركا فيالحكومات فتحولا إلى كائنات سياسية ضعيفة وأصبحت الملكية أقوى من ذي قبل. واليوم، يسير حزبالعدالة والتنميةعلى نفس الخطى،بعدما قبل  بالمشاركة  في حكومة شكلية بدون سلطات حقيقية.

فالعلاقة ما بين القصر وبعض الإسلاميين، خاصة منهم المنخرطين في العمل السياسي لم تكن دائما على أحسن ما يرام. بل هناك منالمحللين من يذهب إلى القول بأنه لو لم يسبق للملك الراحل الحسن الثاني أن فتح الباب لإسلامييالعدالة والتنميةللمشاركة في الحياةالسياسية نهاية التسعينات لما كان هذا الباب قد فتح أصلا. ويستدلون في رأيهم على التضييق، الذي عاشه هذا الحزب طيلة وجوده علىالساحة السياسية، وأيضا التضييق الذي تمت ممارسته على حزبين إسلاميين حديثي النشأة هماالبديل الحضاري، والأمة، حيث منع الحزبان إلى يومنا هذا.

وبالأمس القريب، في أول انتخابات تشريعية شارك فيها حزبالعدالة والتنميةعام 2002، اجتمعت وزارة الداخلية مع قيادات الحزب وطلبت منهم رسميا تقليص مشاركتهم في تلك الانتخابات وهو الطلب الذي استجاب له الحزب. وعندما قرر نواب الحزب في نفس السنة اختيار مصطفى الرميد، ليرأس فريقهم البرلماني، وبما أنه كان أحد أشد المعارضين لتمريرقانون الإرهاب، فقد رفعت وزارة الداخليةفيتوضد ترأسه لفريق حزبه داخل البرلمان وهو ما رضخ له الحزب.

وطيلة سنوات العشرية الأولى من القرن الحالي شنت حرب إعلامية شرسة ضد حزبالعدالة والتنمية، قادها الإعلام الرسمي من إذاعة وتلفزيون، ووكالة أنباء رسمية. وعندما اقتربت انتخابات 2007 سيبادر وزير الداخلية السابق وصديق الملك ومستشاره إلى تأسيس حركة منالديمقراطيينلوقف زحف الإسلاميين، وهي الحركة التي ستتحول إلى حزبالأصالة والمعاصرة، الذي يقود اليوم المعارضة الرسمية ضد حكومة الإسلاميين من داخل البرلمان.

وسيستمر التضييق على من باتو يسمون بـإسلاميي القصر، حتى بعد أحداثالربيع العربي، الذي وصل تأثيره إلى المغرب. حيث شكلت السلطة جبهة حزبية من الأحزاب المحسوبة عليها لمواجهة الإسلاميين في انتخابات 2011. ولم ينفذ الحزب بجلده مما كان يدبر له إلا بفضل الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب.

وبدلا من أن يقف الحزب إلى جانب هذا الحراك الذي أعتق رقبته من حبل السلطة الملتف حولها، اتخذ أمينه العام موقفا معادياً منه وأعلن اصطفافه إلى جانب القصر ضد شرائح واسعة من الشعب خرجت تطالب بالتغيير.

ومع ذلك لم يشفع له موقفه هذا في نيل ثقة القصر. فقد أٌقْصِيَّ الإسلاميون بصفة ممنهجة من عضوية اللجنة الملكية، التي كٌلِّفَت بتعديل الدستور، وذلك بالرغم من أن بعض قيادات الحزب نصبوا أنفسهم مدافعين عن مشروع السلطة وتصورها في التعديل. وتكرر هذا الإقصاء من أكثر من مؤسسة يعينها الملك مثلالهيئة العليا للسمعي البصريومنالمجلس الوطني لحقوق الإنسان“.

لقد أسقطت أحداثالربيع العربي، التي عرفتها المنطقة نظرية الشك والريبة، التي كانت تروجها الأنظمة عن إسلامييها، لتخويف الغرب منهم، وتستعملها كفزاعة لتبرير سلطويتها واستبدادها وفسادها، لكن المآل المأساوي الذي عرفته أغلب تجارب الإسلاميين في مصر وتونس وليبيا وسوريا، أعادت من جديد الإسلاميين إلى دائرة الشك والحيطة والحذر منهم. وبالنسبة لإسلاميي المغرب، خاصة حزبالعدالة والتنميةفهو حصد تعاطف جزء كبير من الناخبين معه في انتخابات 2011 عندما رفع شعارمحاربة الفساد، رغم أنه وقف ضد حراك جزء كبير من الشعب خرج يرفع شعارالشعب يريد إسقاط الفساد والاستبداد“.

فحال إسلاميي العدالة و التنمية اليوم في المغرب يكاد يلخصها القول العربي المأثور: “الصيف ضيعت اللبن، ففي عز الحراك الشعبي، الذي حملهم إلى رئاسة الحكومة، قاطعوه وحابوه، وطيلة العشر سنوات على رئاستهم للحكومة كرسها زعيمهم لكسب رضى السلطة على حساب نيل ثقة الشعب، ومن أجل التطبيع مع الفساد وتبريره بدلا من محاربته والتصدي له، بل زادوا في الفساد ما استطاعوا. و الأمس عندما إحتاجوا ثقة الشعب وحمايته لم يجدوها و لن ينفعهم الندم على يوم ضياعها بإرادة منهم.

فإستراتيجية النظام السلطوي في المغرب لإضعاف خصومه ومنافسيه تعتمد على النفسالطويل، بما أن الملكيات تراهن على عامل الوقت العدو اللدود للحكومات.

هذه الإستراتيجية استغرقت في الماضي أربعين سنة لإضعاف واحتواء المعارضات السابقة اليسارية والتقليدية والراديكالية. و لم  يتوقع أن يتطلب الأمر أكثر من عشر سنوات  لاحتواء حزب مثلالعدالة والتنميةأبان عن استعداده النفسي لقبول كل أنواع الاحتواء.

الشيء الذي أفقده قرابة 90% من الأصوات وتراجعه من 125 مقعدا في انتخابات 2016 الى 13 مقعدا في الاستحقاقات الأخيرة.

ويبرز عدد من الإعلاميين والسياسيين المغاربة أن حجم الهزيمة السياسية التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية لا يمكن تفسيره فقط بقيامأحزاب أخرى بشراء الأصوات، وهو معطى قائم، ولا بحجم فرضية التزوير الذي قد تكون قد ارتكبته وزارة الداخلية بل بالعقاب السياسي.

وتفيد عدد من القراءات والتأويلات بأن العدالة والتنمية عانى من قيام أحزاب أخرى بشراء الأصوات، وكان هدفا لحملة إعلامية دقيقة تستهدفه منذ أكثر من سنة بتجاوزها النقد الى الرغبة في تدمير الحزب، لكن كل هذه العوامل لا يتجاوز تأثيرها في أقصى الحالات 15% على حظوظه ولكن أن يتراجع بـ 90% فهذا أمر يستجوب البحث عن الأسباب الحقيقية.

وتوجد عوامل كثيرة تفسر التراجع الكارثي لحزب العدالة والتنمية من القوة الأولى وتزعم الحكومة إلى القوة الثامنة في الانتخابات البرلمانية وكذلك في الانتخابات البلدية بعدما فقد رئاسة معظم بلديات المدن الكبرى، وعلى رأس هذه العوامل:

الثقة الزائدة في النفس التي تمتع بها الحزب خلال الثلاث سنوات الأخيرة، إذ أصبح يعتقد أنه جزء من الدولة وجزء من الاستقرار ولا يمكنالتخلي عنه، الأمر الذي دفعه إلى ارتكاب خطأ فادح وهو عدم الحفاظ على التواصل مع قاعدته الانتخابية والوقوف على مطالبها. وكانالعدالة والتنمية يكرر أنه الحزب الذي أنقد المغرب والمؤسسة الملكية من رياح الربيع العربي سنة 2011.

في الوقت ذاته، أقدم على تطبيق ليبرالية متوحشة في ولايته الأولى 2011 – 2016 ثم بشكل أفظع ما بين 2016 – 2021 لم يشهدها المغربمع حكومات سابقة. إذ ارتفعت مديونية البلاد الى مستوى يعادل تقريبا الإنتاج القومي الخام للمغرب، أي اقتربت من مئة مليار دولار دوننتائج تذكر على حياة المواطنين. وشهد التعليم العمومي تراجعا لصالح الخصوصي وسجلت الصحة تدهورا بينما أصبح التشغيل عملةنادرة. ومما فاقم الوضع هو رهان الحزب الحكومي على ما يعرف بـالتعاقد، العمل بعقد مؤقت في قطاعات عمومية مثل حساسة التعليموالصحة الذي عوض عملية التوظيف المفتوح في العمل الذي كان معمولا به، ولم يسبق لأي حكومة بما فيها التقنوقراطية الليبرالية مثل حكومةإدريس جطو ما بين سنتي 2002 و2007 التفكير في العمل بالعقد المؤقت.

ويضاف الى هذا، أنه كان الحزب الوحيد في الائتلاف الحكومي الذي اتخذ على عاتقه مواجهة النقابات ثم سن قوانين تجرم الإضراب وتقتطع من أجور الموظفين، ومواجهة الحركات الحقوقية سواء في المغرب أو الخارج، وأصبح وزير حقوق الإنسان مصطفى الرميد متخصصا في الرد على البيانات الحقوقية وتبرير الاعتقالات.

التخلي عن كل الشعارات السياسية المركزية وتخليق الحياة العامة. فقد رفع العدالة والتنمية مواجهة التطبيع خلال السنوات الماضية، وانتهىبأمينه العام وهو رئيس الحكومة سعد الدين العثماني الى التوقيع خلال ديسمبر الماضي على وثيقة التطبيع مع إسرائيل، لتحسب عليهم و ليؤكدوا أن الاسلام شيء و السياسة شيء آخر و يؤكدوا أن ممثلي الحزب بعيدين كل البعد عن السياسة ، واعتبر عدد من وزرائه الذهاب الى إسرائيل إذا دعت الضرورة بالعمل الوطني لصالح الدولة. وشدد الحزب في حملاته الانتخابية على محاربة الفساد،وبمجرد وصوله الى السلطة رفع شعارعفا الله عما سلف، بل يتهم وزير الزراعة وهو زعيم حزب الأحرار الفائز بالانتخابات باختلاس مليارو700 مليون دولار من دعم المحروقات، وأبقى عليه في الحكومة دون مسائلة. وكان الحزب يرفع شعارالملكية البرلمانيةوأصبح يواجه كل من تبنى هذا العار.

تبخيس الحزب لمنصب رئاسة الحكومة، إذ يجمع المراقبون أنه رغم الصلاحيات التي جاء بها دستور 2011، امتنع سعد الدين العثماني عن ممارسة صلاحياته وأصبح يحيل معظم الملفات على المؤسسة الملكية في وقت يطالب الرأي العام من رئاسة الحكومة بتحمل مسؤولياتها.

وبهذا، تجمعت كل هذه العوامل لتجعل القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، وهي قاعدة انتخابية واعية تراهن على البرنامج أكثر منالأشخاص، إما الذهاب للتصويت على أحزاب أخرى مثل الأحزاب الكلاسيكية كالاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية كعقاب ضد العدالة والتنمية، وهذا ما يبدو أن الكثيرين قاموا به، أو الامتناع عن الذهاب الى صناديق الاقتراع. وكل إطلالة على حساباتالمغاربة في فيسبوك المنتمين الى سلك الوظيفة مثل قطاع التعليم والصحة والأشغال العمومية تظهر ترحيب معظمهم بخسارة العدالة والتنمية،وهو ما يفسر التصويت العقابي. في الوقت ذاته، أشد المعارضين للنظام رحبوا برحيل العدالة والتنمية رغم إدراكهم أن البديل قد يكون أسوأ.

وبهذا أصبح العدالة والتنمية بعد انتخابات 2021 رقما هامشيا جدا في المشهد السياسي المغربي، ومعه يتم إغلاق قوس القوى السياسيةالتي قامت بعد الربيع العربي بتوظيف الخطاب الإسلامي السياسي في برامجها وشعاراتها، البعض منها انتهى بالانقلاب مثل حالة مصروأخرى بصناديق الاقتراع مثل العدالة والتنمية في المغرب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: