الأزمة الاقتصادية والحسابات السياسية ترغمان الجزائر على التطبيع مع الفاسدين

بليدي

أرغمت الأزمة الاقتصادية الحادة والإكراهات السياسية، السلطات الجزائرية على التطبيع مع الفاسدين، حيث تتجه الجزائر إلى تخفيف التدابير المتعلقة بمحاربة الفساد، وسط مخاوف من تحول الإجراءات المتعلقة بالمسار إلى حماية للمتورطين في ممارسات الفساد.

الجزائر – تتجه الجزائر إلى تخفيف التدابير المتعلقة بمحاربة الفساد، في خطوة تستهدف استقطاب الأموال المنهوبة والمهربة، والسماح للمسؤولين الحكوميين والمنتخبين المحليين باتخاذ المبادرة الذاتية والمحلية، للنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، لاسيما في ظل شح الموارد المالية وتحول العملية إلى تصفية حسابات سياسية بين الجماعات النافذة.

واتخذت السلطة الجزائرية جملة من التدابير العملية للنأي بمساعي محاربة الفساد عن تصفية الحسابات السياسية، تجسدت في تعليمات أصدرها الرئيس عبدالمجيد تبون، للسلط القضائية والأمنية، من أجل أخذ الموافقة القبلية من السلطة المركزية لمباشرة أي تحقيق في هذا الشأن، وأبعد آلية الرسائل المجهولة من مبررات فتح أي تحقيق.

ويتجه برنامج الحكومة المنتظر عرضه على البرلمان الأسبوع المقبل، إلى إيجاد ما وصفه المشروع بـ”تسوية ودية” بين الحكومة ورجال المال والأعمال المتهمين في قضايا الفساد.

ويبدو أن الحكومة الجزائرية الواقعة تحت إكراهات مالية واقتصادية حادة، تهدد بانفجار اجتماعي غير محسوب، تريد استقطاب مختلف المصادر المالية، حتى ولو كانت مثيرة للجدل من أجل مواجهة التحديات القائمة، خاصة في ظل التراجع الرهيب للقدرة الشرائية خلال الأسابيع الأخيرة، وتراكم فصول الأزمة على كاهل الجزائريين.

ومع ذلك تبقى خطوة السلطة مريبة، في رأي الشارع الجزائري والطبقة السياسية المعارضة، على اعتبار أن الفساد المالي هو أحد العوامل التي فجرت الاحتجاجات الشعبية وفي فبراير 2019، وأدت إلى إسقاط جناح الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، من السلطة في نفس العام، ولم تحقق السلطة الجديدة بقيادة تبون، تعهداتها بتطهير البلاد من الظاهرة واسترجاع أموال الخزينة العامة.

وباستثناء مبلغ يقدر بنحو 850 مليون دولار، في شكل أموال وعقارات وممتلكات حجزتها الدولة، حسب القضاء الجزائري، فإن السلطة تتجه إلى الفشل في تحقيق المطلب الذي رفعه الحراك الشعبي، لمعاقبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة، والتي قدرها الرئيس تبون نفسه بـ”المليارات”.

الرئيس الجزائري أكد أن الرسائل المجهولة لا يمكن اعتمادها كمبرر لفتح أي تحقيق أمني أو قضائي وأفضت إلى تصفية حسابات

وكان كتاب صدر في فرنسا العام 2015، قد تحدث عن تحويل خمسين مليار دولار من الجزائر إلى فرنسا خلال خمسة عشر عاما من حكم الرئيس بوتفليقة (2000- 2015)، بينما تتحدث مصادر مالية عن استنزاف الخزينة العمومية بنحو 200 مليار دولار في شكل وثائق مضخمة، بينما لم تصدر أي بيانات رسمية من طرف الحكومة حول حجم الأموال المنهوبة، أو الوجهات التي توطنت فيها، رغم أن تبون كان قد صرح خلال حملته الانتخابية بأنه “يعرف أين هي الأموال المنهوبة”.

وتعتبر حقبة الرئيس بوتفليقة، خاصة خلال الخمسة عشر عاما الأولى، أزهى مرحلة مالية واقتصادية للبلاد، حيث حققت البلاد مداخيل تقدر بـ1200 مليار دولار، غير أن الفساد وسوء التسيير، فوت على الجزائر فرصة تحقيق نهضة شاملة، ولم تحقق للجزائريين حلمهم في حياة مرفهة.

وكان الرئيس تبون قد أمر بإبعاد آلية الرسائل المجهولة لفتح المصالح المختصة ملفات تحقيق، وشدد على أن “النصوص والتشريعات تكفل الحماية للمبلغين عن الفساد، وأن الراغبين في ذلك لديهم كل الإمكانيات العملية بما فيها مختلف وسائل الإعلام”.

وأكد في أحد تصريحاته للإعلام المحلي، بأن “الرسائل المجهولة لا يمكن اعتمادها كمبرر لفتح أي تحقيق أمني أو قضائي، فهي أفضت في الكثير من الحالات إلى تصفية حسابات سياسية وحتى شخصية، استنزفت جهود المختصين وعطلت المبادرات”.

كما أُلزمت مصالح الأمن والدرك المكلفة بالتحقيق في أخطاء التسيير بالحصول على الموافقة القبلية لوزير الداخلية والجماعات المحلية قبل مباشرة تحقيقاتها، وفق ما جاء في تعليمة صادرة عن الرئيس عبدالمجيد تبون، ووزعت على مصالح وزارة الداخلية على قطاعات الأمن الوطني (الشرطة) والأمن الداخلي (المخابرات) والدرك والقضاء.

Thumbnail

وتوجد آليات جديدة ينتظر الكشف عنها في برنامج الحكومة، لتسوية ودية بين السلطة ورجال المال والأعمال المحبوسين بتهم الفساد، من أجل إرجاع الأموال والممتلكات والعقارات المنهوبة لخزينة الدولة، مقابل الحصول على حريتهم أو تخفيف الأحكام الصادرة في حقهم.

ويؤكد ذلك على بوادر تطبيع بين السلطة ورموز الفساد، على اعتبار أن عقوبات السجن حتى ولو كانت قاسية لا يمكن أن تحقق مردودا للدولة، لاسيما في ظل التعقيدات التي تنطوي عليها عملية استعادة الأموال المهربة إلى الخارج، وأن حاجة الحكومة لمصادر مالية أخرى لسدّ الفجوات المتنامية، تدفع إلى إمكانية استقطاب المعنيين إلى خارطة طريق ترضي الطرفين.

وذكرت تعليمة تبون، “انتظار تكييف الأحكام القانونية ذات الصلة من واقعنا الاقتصادي لاسيما رفع التجريم عن فعل التسيير، فإنه يكلف وزير العدل ومسؤولي المصالح الأمنية كلاّ في ما يعنيه بعدم المبادرة بأي تحريات أو متابعات قضائية ضد المسؤولين المحليين دون الأخذ برأي وزير الداخلية والجماعات المحلية”.

وبررت ذلك بكون “العديد من المشاريع تظل اليوم عالقة في ما يتعذر استغلال أخرى رغم استكمال إنجازها بسبب عوامل عدة مرتبطة أساسا بإجراءات المطابقة أو رخص الاستغلال التي ينص عليها القانون، بسبب تباطؤ معالجة الملفات الذي يعود غالبا إلى نقص التحفيز الذي يبديه المسؤولون المحليون نتيجة الخوف من الوقوع تحت طائلة المتابعات القضائية”.

غير أن توجه السلطة يثير مخاوف طمس معالم الفساد الذي نخر البلاد طيلة السنوات الفارطة، كما يفتح المجال أمام ظهور ممارسات مستنسخة، في ظل الحماية التي توفرها الإجراءات المنتظرة، خاصة وأن القضاء يحصي المئات من الملفات لمنتخبين في المجالس البلدية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: