انتخابات المغرب: استحقاقات الداخل وعواقب الخارج!

يوسف الفرج

كشفت نتائج انتخابات المغرب عن مفاجأة تمثّلت بهبوط حزب «العدالة والتنمية» (الإسلامي الاتجاه) إلى مرتبة متدنية في نتائج التصويت الشعبي على مقاعد مجلس النواب حيث حل في المركز الثامن بنيله 12 مقعدا فقط، مقارنة بفوزه السابق في انتخابات عام 2016 بـ125 مقعدا (ما يعادل 31٪ من الأصوات) والذي أهّله حينها لتشكيل الحكومة، مع ائتلاف حزبيّ، فيما تدفعه هذه النتائج، اليوم، إلى هامش لا يستطيع التأثير على البرلمان، ناهيك عن ابتعاده المذهل عن السلطة التنفيذية التي كان يشغل مركزها الأساسي.
إضافة إلى هذه النتيجة المدوّية فقد أدّت الانتخابات إلى فوز خصوم «العدالة والتنمية» السياسيين، وعلى رأسهم حزب «التجمع الوطني للأحرار» (الذي كان أحد أعضاء ائتلاف حكومة «العدالة والتنمية» السابقة) الذي نجح بالحصول على 97 مقعدا (بعد فرز 96٪ من الأصوات) وحزب «الأصالة والمعاصرة» الذي فاز بـ82 مقعدا، وحزب «الاستقلال» بـ78 مقعدا، والحزبان الأولان يعتبران قريبين من المؤسسة الملكية، فيما يعتبر «الاستقلال» من أقدم الأحزاب المغربية التي نشأت ضمن حركة النضال ضد الاستعمار وحافظت على طابع وطني محافظ.
اعتبر الحزب نفسه مستهدفا بقانون الانتخابات الأخير الذي أقر في مارس الماضي وألغى عتبة الحد الأدنى من الأصوات المطلوب من أي حزب الحصول عليها للظفر بمقعد انتخابي، واعتمد قاسما انتخابيا جديدا في توزيع المقاعد النيابية، والذي رأى قادته أنه صمّم لتحجيمه بشكل يمنع تكرار تجربة انتخابات 2016 و2011، غير أن هذا لا يفسّر أبدا هذا التراجع الهائل للحزب والذي يكشف تآكلا واضحا في شعبيته.
تمكّن حزب «العدالة والتنمية» رغم الإشكاليات الاقتصادية والإدارية، والإعاقات الواضحة للعملية الديمقراطية، من تقديم أداء اقتصادي جيد في مجالات السياحة، ودعم قطاعات تصنيع السيارات وأجزاء الطائرات. وإذا كان متوقعا، مع ذلك، أن يدفع «العدالة والتنمية» ثمنا لتداعيات أزمة وباء كورونا التي ضربت قطاعات سياحية واقتصادية وأثارت سخطا شعبيا، فلماذا نجا شريكه في الائتلاف الحكومي، «التجمع الوطني للأحرار» بل وفاز بأعلى نسبة عدد مقاعد برلمانية؟
هناك أيضا قضيّة التطبيع مع إسرائيل، والتي لم تؤثّر في جمهور الحزب، الإسلامي الاتجاه، فقط بل كذلك في قواعده التنظيمية التي عارض كثير منها، على ما يبدو، هذا التوجّه التطبيعي، والأمر نفسه ينطبق على إقرار الحزب، والحكومة التي يقودها، لقانون تقنين القنّب (الحشيش) وهي قرارات تخصم من الرأسمال الرمزيّ لهذا الحزب لدى حاضنته الاجتماعية، وهو أمر قد لا ينطبق على حزبي «التجمع» و«الأصالة والمعاصرة» الليبراليي التوجه.
إحدى الإشكاليات الكبرى التي لم ينجح «العدالة والتنمية» على عكس ما يوحي اسمه، في التخفيف من أثرها هو ارتفاع معدلات الفقر، وازدياد تركز الثروة في المجتمع، فحسب إحصاءات اقتصادية رسمية فإن 10٪ من المغاربة الأعلى ثراء يملكون ثروة تساوي 11 مرة ما يملكه 10٪ من المغاربة الأكثر فقرا. لكن المفارقة الانتخابية تكمن هنا في أن عزيز أخنوش، قائد حزب «التجمع» الفائز، هو أحد كبار أثرياء البلد، والتصويت له، يمكن اعتباره مكافأة لنمط التنمية غير المتوازنة، والتي تزيد الفقراء فقرا.
يضاف إلى كل ذلك عامل آخر وهو ارتفاع أسهم الاتجاه الإقليمي المعادي للإسلاميين في المنظومة العربية، ويرى محللون، أن تجربة «المخزن» المغربي معهم كانت الأكثر دهاء في التعامل مع صعودهم بالتناظر مع موجة الربيع العربي، عبر تمكينهم في الحكم، وإظهار بعض إخفاقاتهم، وتعريضهم لامتحانات كبرى، كالتطبيع وتقنين المخدرات، واستغلال خلافاتهم الداخلية، وتمرير القوانين المؤدية لعرقلة انتخابهم مجددا، وصولا إلى النتيجة التي نراها اليوم.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: