العدالة والتنمية من الحكم إلى المعارضة: مَن مازال يسمعه

ماموني

خرج حزب العدالة والتنمية الإسلامي من الحكم وسيعود حزبا هامشيا لا يقدر على إقناع الناس في المستقبل بمنحه فرصة المشاركة في الحكم بعد أن قاد الحكومة مدة عشر سنوات وفشل في الإيفاء بوعوده، ما يجعل تفكيره في العودة إلى الحكم بمثابة حلم ولو غيّر قياداته كلها.

في المستقبل سيكون الحزب أصغر من أن يشاغب برلمانيا، وإذا دافع عن موضوع أو هاجم التحالف الحكومي الجديد سيرد عليه الناس: إننا شاهدناكم تحكمون على مدى عقد كامل، لماذا لم تفعلوا ولم تصلحوا ولم تغيروا؟

ويقول مراقبون محليون إن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يخدم حزب العدالة والتنمية هو اطلاعه على ملفات الدولة بحكم استمراره في الحكم عشرة أعوام، مما يمنحه فرصة الخوض في الجدل من باب “العارف”. لكن ذلك لن ينقذه من غضب الشارع الذي تحمّله طويلا قبل أن يعيده إلى نقطة الصفر.

شريفة لموير: على الحزب الاعتراف بالفشل في تدبير الشأن العام

وخلفت النتائج التي حصل عليها العدالة والتنمية في الانتخابات صدمة حقيقية داخل الحزب عكستها مواقف وتصريحات قيادته بعد الإعلان عن النتائج، كان أبرزها استقالة الأمين العام للحزب وأعضاء الأمانة العامة بشكل جماعي بعدما تقلص عدد مقاعد الحزب تحت قبة البرلمان إلى 13 مقعدا وفي الجماعات المحلية والجهوية أضحى العدد 785 فقط، كأضعف نتيجة له منذ أول مشاركة له في الانتخابات عام 1997 التي نال فيها 9 مقاعد في مجلس النواب.

وبعدما اعتبر الحزب المهزوم النتائج المعلنة “غير مفهومة وغير منطقية” اختار أن يكون في المعارضة خلال المرحلة المقبلة.

وأكدت شريفة لموير، الباحثة المغربية في العلوم السياسية، أن قرار الاستقالة الجماعية الذي اتخذته الأمانة العامة إشارة إيجابية في إطار تحمّل المسؤولية، لكن البحث عن مبررات للهزيمة -مثل تأثير المال في نتائج الانتخابات- نقطة سلبية في تاريخ الحزب، لذلك من الضروري بالموازاة مع هذا القرار الاعتراف بالفشل في تدبير الشأن العام طيلة ولايتين.

وقالت لموير في تصريح لـه إن “تقهقر العدالة والتنمية من حزب يقود الحكومة إلى مجموعة نيابية محدودة لم يكن متوقعا، خاصة أن الحزب ظل محافظًا على قاعدته الانتخابية”.

وحسب إحصائيات رسمية تصدر حزب التجمع الوطني للأحرار الترتيب بـ102 مقعد، تلاه حزب الأصالة والمعاصرة الذي تحصل على 86 مقعدا، وحزب الاستقلال الذي ظفر بـ81 مقعدا، ثم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي جاء في المرتبة الرابعة بـ35 مقعدا، في حين تذيل العدالة والتنمية خارطة الأحزاب في الرتبة الثامنة بـ13 مقعدا.

وأكد محمد ياوحي، أستاذ الاقتصاد في جامعة محمد الخامس بالرباط، أن العدالة والتنمية لا يتوفر الآن على فريق برلماني من أجل التواجد بصفة مؤثرة داخل مجلس النواب، وهي انتكاسة كبرى لحزب سيّر الحكومة مدة ولايتين متتاليتين.

ولفت محمد ياوحي، إلى أن حزب العدالة و التنمية احترق سياسيا وشعبيا ولن ينجح في إنتاج خطاب معارض ومتماسك ومقنع داخل البرلمان، بعدما استنفد كل ما عنده باتخاذه قرارات مجحفة في حق المغاربة كقانون التقاعد والتوظيف بالتعاقد وزيادة الضرائب والفشل الذريع في توفير السكن اللائق وفرصِ الشغل.

محمد ياوحي: المغاربة قطعوا مع مشروع العدالة والتنمية المبني على الخداع

وبنبرة ممزوجة باللوم قالت القيادية والبرلمانية السابقة في العدالة والتنمية أمينة ماء العينين إن “استعمال المال وعدم تسليم المحاضر سببان من بين جملة من الأسباب الأخرى التي وإن كانت صحيحة لا يمكن أن تبرر بأي شكل من الأشكال هذا الاندحار المُحزن لحزب تسلمته القيادة الحالية كبيرا قويا متماسكا وتُسَلِّمه اليوم ضعيفا منكسرا”.

وكان فوز التجمع الوطني للأحرار متوقعا بحصوله على 102 مقعد برلماني، نظرا لما أبان عنه الحزب من تنظيم وجدية في التواصل. وقال عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، في مؤتمر صحافي بمقر حزبه في الرباط الخميس إن تصدر حزبه الانتخابات انتصار للديمقراطية، وإن “الخيط الناظم لمشروع الأحرار هو تقديم البديل الذي يتوق إليه المغاربة، وإننا لم نأت يوما لمواجهة تيار سياسي أو حزب معين”.

وتعتبر هزيمة العدالة والتنمية على يد الأحرار ردا سياسيا وشعبيا غير مباشر على تصريحات بنكيران الأخيرة التي هاجم فيها الأحرار وكل من اقتنع بمشروع هذا الحزب، إلى جانب شكاوى غير مبررة لقيادات الحزب الإسلامي من استهداف تنظيمهم من طرف السلطة والأحرار معا.

واعتبر حزب العدالة والتنمية أن النتائج المعلن عنها في انتخابات الأربعاء الثامن من سبتمبر “غير مفهومة وغير منطقية، ولا تعكس حقيقة الخارطة السياسية ولا موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي وحصيلته في تدبير الشأن العام المحلي والحكومي”.

وقالت لموير إن “حديث العدالة والتنمية عن تلاعب وتأثير للمال هو آخر ورقة يلوّح بها الحزب محاولًا حفْظ ماء وجهه وكسب تعاطف المواطنين، وهو ما يسيء إليه أكثر مما يجلب له التعاطف”.

واعتبر ياوحي، من جهته، أن المغاربة قطعوا بشكل نهائي مع مشروع العدالة والتنمية المبني على الخداع والتضليل وابتزاز المجتمع والدولة، بعد عقد كامل من الفشل ومن مصادرة حقوق جميع الطبقات الاجتماعية والإجهاز على مكاسب الطبقة المتوسطة والطبقة العاملة وما ترتب على ذلك من انهيار لقدرة المغاربة الشرائية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: