محمد حاجب.. ظاهرة منفلتة تثير قلق الأميركيين

ماموني

يشغل المغربي محمد حاجب الجميع هذه الفترة عبر الفيديوهات التي ينشرها ومحتواها التحريضي الذي جعل الكثيرين يسترجعون سيرته ويرصدون درجة العنف الذي تنطوي عليه. أحدث هؤلاء الخبير في مجال الإرهاب باتريك دنليفي الذي حذر، مؤخراً، من استخدام المتطرفين لشبكات التواصل الاجتماعي لبثّ خطاب التطرف والكراهية داخل المجتمعات الأوروبية مستغلين قيم الحرية.

وبانتقال ملف حاجب من حالة محلية مغربية إلى ظاهرة تثير القلق على مستوى العالم، تحوّل الرجل إلى موضوع لحلقات النقاش والبحث. فقد خصّص المنبر السياسي الأميركي “نيوز لوك” حلقة بعنوان “الإرهابيون في المجتمعات الديمقراطية” ليتناول من خلالها حالة حاجب ذاته. وقد وصف دنليفي مقدم البرنامج الخطر الذي يمثله بعض المتورطين في نشر الأفكار المتطرفة، ليس فقط داخل مجتمعاتهم الأصلية ولكن داخل المجتمعات الغربية، مشيراً إلى الاستراتيجيات التي من المجدي اعتمادها لمواجهة أفكار متطرفة تعشش في رؤوس عدد من المتشددين ويعملون على نشرها مستغلين الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان والحريات العامة.

كما عبّر دنليفي عن غضبه من تحوّل أوروبا إلى حاضنة المتطرفين مثل حاجب الذي هاجر إلى ألمانيا بذريعة تعرضه إلى القمع في بلده، لكننا نراه اليوم “يبثّ سمومه ضد بلاده” على حد وصفه.

من هو حاجب؟

الفيديو الذي نشره حاجب مطلع سبتمبر الجاري، من مقر إقامته في ألمانيا، لا يختلف عن غيره من مقاطع الفيديوهات التي يبثها والتي تفيض كلها بلغة جد متطرفة تنهل من قاموس الفكر الجهادي

لا يختلف الفيديو الذي نشره حاجب مطلع سبتمبر الجاري، عن غيره من مقاطع الفيديوهات التي كان ينشرها في الفترات السابقة، والتي تفيض بلغة جد متطرفة تنهل من قاموس الفكر الجهادي، والفيديو المكون من 47 دقيقة مشحون بالتحريض والهجوم على مؤسسات سيادية مغربية منها المخابرات المغربية وإعلاميون وشخصيات سامية.

حاجب الذي تم اعتقاله من طرف السلطات المغربية بعد عودته من باكستان، في مطار الدار البيضاء قادماً من فرانكفورت في فبراير 2010، وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات، لا يخفي تحريضه لعناصر الخلايا الإرهابية التي يتم تفكيكها في المغرب بضرورة المواجهة المسلحة مع السلطات الخاصة أثناء عمليات اعتقالهم، ففي رسائله يذكّر بحتمية مواجهة “العدو” وعدم الاستسلام أثناء الاعتقال، مكفّرا الأمنيين المغاربة ومخرجاً إياهم من الملة والدين.

يقيم حاجب الذي ولد في العام 1983 بتطوان، اليوم في ديسبورغ الألمانية في شمال الراين، وكان والده مدرساً للغة العربية ويساري الانتماء ومعتقلاً سابقاً. هاجر إلى ألمانيا في العام 2000 وحصل على جنسيتها، قبل أن يصبح عضواً في جماعة ”الدعوة والتبليغ“ المتشددة. ومن ألمانيا انطلق إلى باكستان مروراً بإسطنبول في العام 2009. وحط في مشهد الإيرانية. واعتقل في بنجكور قرب الحدود الأفغانية، على يد الجيش الباكستاني.

الدول الأوروبية التي تحتضن مقيمين متطرفين على أراضيها، تعرضت بالفعل إلى العديد من الهجمات الإرهابية، لكنها لم تحسم مواقفها منهم بمنع أنشطتهم. فهؤلاء يتلاعبون بالقوانين ويلوون عنق الديمقراطية

سيأتي وقت يعبّر فيه رئيس النيابة العامة وممثل سلطة الادعاء بولاية “يوتاه” الأميركية النائب شون رييس، عن قلقه من السماح بنشر خطاب إرهابي ولرؤية مثل هذا الخطاب المتطرف المليء بالكراهية مسموحا به على الإنترنت ضد حليف استراتيجي تاريخي وقيّم للولايات المتحدة، وحينها سيرد عليه حاجب بلهجة تهديد واضحة وكأنه ناطق باسم البلد الذي يحتضنه قائلاً “إذا لم تسحبوا تعليقكم، فإن دعوى بالقذف ستطالكم”.

دعا حاجب المغاربة الراغبين في الانتحار، في مقطع فيديو نُشر على قناته على يوتيوب في مطلع شهر مارس الماضي إلى القيام بذلك “بشرف” و”بشكل مفيد” عن طريق تنفيذ عمليات إرهابية في المغرب، متسائلا بخبث ”هل أنتم خائفون من الموت أم ماذا؟“، محرضا على “الدوس على رقاب الخونة ورؤساء الدول لسماع صيحاتهم ونباحهم”، وهي تصريحات خطرة ومحرضة على القتل والعنف والإرهاب تستوجب بالمنطق القانوني والأمني التحقيق والبحث في الخطابات الأخرى لصاحبها.

بدعوته تلك ارتكب حاجب جريمة كبرى يعاقب عليها الشرع والقانون، حسب الشيخ محمد الفيزازي، أحد شيوخ السلفية الجهادية سابقا، عندما حرض السجناء من أتباعه وأصدقائه على الصعود إلى سطح السجن المدني بسلا سنة 2011، والاعتداء على الموظفين وآمر السجناء بالانتحار، وبهذا يكون في عرف القانونين العام والدولي “مجرما سياسيا” لأن عداءه ومعارضته للنظام جعلته يرتكب جرائم يعاقب عليها الشرع والقانون ليصير حقيقة “مجرما سياسيا”.

حكم عليه في الماضي بسبع سنوات سجنا نتيجة تبنيه أيديولوجية تنظيم القاعدة المتطرفة وإثارة الشغب داخل سجن سلا. وقد دأب على اختلاق الروايات والسيناريوهات التي يفتري بواسطتها على الأشخاص والمؤسسات المغربية، ولم تسلم الناشطة الحقوقية كريمة ندير من افتراءاته حيث قصفها بوابل من التشهير والسب والقذف والعنف اللفظي والترهيب، وهو ما اعتبرته الناشطة تعبيرا عن سلوك متطرف وحقد متأصل، محتفظة لنفسها بالحق في اتخاذ جميع الإجراءات إزاء ما مارسه هذا الشخص من تشهير في حقها وهو ما تجرّمه بشكل واضح القوانين المحلية والدولية.

ولم يتوان عن استغلال قضية المعتقل رشيد الغريبي العروسي، المنتسب للتيار السلفي والمحكوم على خلفية تفجيرات الدار البيضاء سنة 2003 لضرب المغرب، وهو ما دفع زوجة العروسي، بعد اطّلاعها على منشوره في مايو الماضي، إلى القول إن أسرة العروسي “لم تعط التفويض لأيّ شخص للكلام عنه”، مطالبة حاجب بأن يترك أسرتها بعيدا عن حساباته.

رفض التيار السلفي

لقاء في ألمانيا وليس في أفغانستان

شن حاجب هجوماً عنيفاً ضد كل من خالفه الرأي وطريقة التعامل مع الدولة بمن فيهم شيوخ سلفيون مثل بوشتى الشارف وحسن الخطاب ومحمد الفيزازي، وكان الهدف من إنشائه قناة على منصة يوتيوب هو تكفير غير الملتزمين بما يراه هو، وبالتالي تسويغ قتلهم وجعله فعلا مشروعًا، وكذلك لمهاجمة المغرب والمغاربة، واتهام السلطات المغربية بممارسة التعذيب ضده. ولهذا فكل خطابات محمد حاجب لم ترق إلى التيار السلفي بالمغرب، حيث هاجمه المعتقل الإسلامي السابق بوشتى الشارف مخاطبا إياه “أنت إرهابي ومعتقل جبان سابق في باكستان”، كما أن بوشتى الشارف فضح محمد حاجب عندما أكد أنه قام برسم وشم على جسده باستخدام الحناء والغاسول للتظاهر بتعرضه للتعذيب من جانب السلطات المغربية، مؤكدا على العلاقات التي حاجب بتنظيم القاعدة.

وأكد عبدالرزاق سوماح الأمير الرابع سابقا لما يسمى “حركة المجاهدين بالمغرب”، وأيضا بوشتى الشارف، أن كل ما صرّح به حاجب حول تعرضه للتعذيب مجرد كذب وبهتان، موضحا أن بعض المعتقلين مثله، يفبركون ملفات التعذيب من أجل الخروج من السجن.

اعترافات العديد من المعتقلين السابقين تسحب البساط من تحت أقدام حاجب، وتفضح استعداده لادعاء أمور يبدو أن وراءها أجندات تهدف إلى الإساءة إلى رموز المملكة المغربية وتهديد استقرار مؤسساتها، وهنا يشهد السلفي عبدالرزاق سوماح بأن “السلفيين يستحلّون الكذب على الدولة، لأنهم يظنون أنه سيخلق لها الكثير من المشاكل، لكن ذلك أصبح ملفّات غير مربحة بعدما تجاوزها الزمن، وبعد أن طوت المملكة المغربية بشكل نهائي سنوات الجمر والرصاص من خلال مشروع هيئة الإنصاف والمصالحة”.

والشيء الذي يدحض أيضا تلك الافتراءات التي ما فتئ يرددها حاجب إعادة انتخاب المغرب يوم الثاني والعشرين من أكتوبر الماضي، في مدينة جنيف السويسرية، عضوا في اللجنة الفرعية للأمم المتحدة للوقاية من التعذيب، وهو اعتراف أممي بالتزام المغرب بترسيخ دولة القانون، واحترام كافة حقوق الإنسان غير القابلة للتجزئة وحمايتها، وهذا ما ترجمته الالتفاتة الإنسانية لمؤسسات المغرب مع معتقلي السلفية الجهادية، عندما تمكّن العروسي من زيارة ابنته التي أجرت عملية جراحية، بعد أن سمحت له المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بهذه الزيارة، وقضاء ثلاثة أيام مع أهله.

صمت الأجهزة الأمنية الألمانية

Thumbnail

ورغم أن النيابة العامة المغربية كانت قد أصدرت أمرًا بالقبض الدولي على حاجب في ملفات تتعلق بأنشطة إرهابية ومتطرفة إلا أن الأنتربول ألغى قرار تتبعه، بعد أن قدم إجراءات الطعن في فبراير الماضي، ما يشير إلى استراتيجية المتطرفين في استغلال القوانين داخل المجتمعات الغربية والديمقراطية للتملص من العقاب.

ويلفت النظر هذا الاستسهال في ترك المتطرفين يبثون هذا النوع من الخطاب المبرمج الذي يقوم بعملية غسل للعقول لتابعيهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد طالب المغرب السلطات الألمانية بمتابعة حاجب بتهمة التحريض على أفعال “إرهابية” ودعوة الشعب المغربي إليها، لكن القضاء الألماني اعتبر أنه لم يقم إلا بحقه في معارضة سلمية.

الدول الأوروبية التي تحتضن مقيمين متطرفين على أراضيها، تعرضت بالفعل إلى العديد من الهجمات الإرهابية، لكنها لم تحسم مواقفها منهم بمنع أنشطتهم. فهؤلاء يتلاعبون بالقوانين ويلوون عنق الديمقراطية مسخرين حرية التعبير لصالح نشر الفكر العنيف والكراهية والعقائد الدينية الراديكالية. وقد أثّر فكر حاجب وأمثاله في السابق في عدد مهم من الإرهابيين مثل الانتحاري البريطاني ريتشارد كولفين ريد والمواطنين الأميركيين خوزيه باديلا وجون ووكر ليند المدانين لصلاتهم مع تنظيم القاعدة.

ووسط هذا كله يُستغرب أن تصمت هذه الدول وتحديداً ألمانيا التي يقيم علي أراضيها حاجب دون أن تحرّك قوى الأمن فيها ساكناً لمنع حاجب وأمثاله من التسبب في كوارث قد يندم عليها الجميع بعد وقوعها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: