بعد أكبر هزيمة انتخابية في تاريخ المغرب.. هذه هي أسباب التصويت العقابي ضد العدالة والتنمية

مجدوبي

تعرض حزب العدالة والتنمية لهزيمة قاسية في الانتخابات البرلمانية التي شهدها المغرب الأربعاء بفقدانه قرابة 90% من الأصوات وتراجعه من 125 مقعدا في انتخابات 2016 الى 12 مقعدا في الاستحقاقات الأخيرة.

ويبرز عدد من الإعلاميين والسياسيين المغاربة أن حجم الهزيمة السياسية التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية لا يمكن تفسيره فقط بقيام أحزاب أخرى بشراء الأصوات، وهو معطى قائم، ولا بحجم فرضية التزوير الذي قد تكون قد ارتكبته وزارة الداخلية بل بالعقاب السياسي.

ويكتب الباحث الأكاديمي مصطفى اللويزي في شبكات التواصل الاجتماعي “توقعنا هزيمة البيجيدي قبل حدوثها … لكن لا أحد منا توقع أن تكون مدوية و بهذه الكارثية… فحتى الأكثر قساوة كان يرى أن إخوان العثماني سيحتلون المرتبة الرابعة أو الخامسة حتى وجاء في المرتبة الثامنة “.

وتفيد عدد من القراءات والتأويلات بأن العدالة والتنمية عانى من قيام أحزاب أخرى بشراء الأصوات، وكان هدفا لحملة إعلامية دقيقة تستهدفه منذ أكثر من سنة بتجاوزها النقد الى الرغبة في تدمير الحزب، لكن كل هذه العوامل لا يتجاوز تأثيرها في أقصى الحالات 15% على حظوظه ولكن أن يتراجع بـ 90% فهذا أمر يستجوب البحث عن الأسباب الحقيقية.

انهيار حزب بهذه الطريقة ليس بالجديد في الانتخابات التشريعية في عدد من الدول بل يحدث بين الحين والآخر. ومن أبرزها تراجع اتحاد الوسط الديمقراطي الإسباني في انتخابات 1982 من 167 مقعدا وكان يشكل الحكومة إلى 11 مقعدا، وهو تراجع بقرابة 93%، كما حصل سيناريو شبيه مع الحزب الاشتراكي اليوناني “بازوك” بتراجع من 50% من الأصوات سنة 2009 الى 13% سنة 2012.

وتوجد عوامل كثيرة تفسر التراجع الكارثي لحزب العدالة والتنمية من القوة الأولى وتزعم الحكومة إلى القوة الثامنة في الانتخابات البرلمانية وكذلك في الانتخابات البلدية بعدما فقد رئاسة معظم بلديات المدن الكبرى، وعلى رأس هذه العوامل:

الثقة الزائدة في النفس التي تمتع بها الحزب خلال الثلاث سنوات الأخيرة، إذ أصبح يعتقد أنه جزء من الدولة وجزء من الاستقرار ولا يمكن التخلي عنه، الأمر الذي دفعه إلى ارتكاب خطأ فادح وهو عدم الحفاظ على التواصل مع قاعدته الانتخابية والوقوف على مطالبها. وكان العدالة والتنمية يكرر أنه الحزب الذي أنقد المغرب والمؤسسة الملكية من رياح الربيع العربي سنة 2011.

في الوقت ذاته، أقدم على تطبيق ليبرالية متوحشة في ولايته الأولى 2011 – 2016 ثم بشكل أفظع ما بين 2016 – 2021 لم يشهدها المغرب مع حكومات سابقة. إذ ارتفعت مديونية البلاد الى مستوى يعادل تقريبا الإنتاج القومي الخام للمغرب، أي اقتربت من مئة مليار دولار دون نتائج تذكر على حياة المواطنين. وشهد التعليم العمومي تراجعا لصالح الخصوصي وسجلت الصحة تدهورا بينما أصبح التشغيل عملة نادرة. ومما فاقم الوضع هو رهان الحزب الحكومي على ما يعرف بـ “التعاقد”، العمل بعقد مؤقت في قطاعات عمومية مثل حساسة التعليم والصحة الذي عوض عملية التوظيف المفتوح في العمل الذي كان معمولا به، ولم يسبق لأي حكومة بما فيها التقنوقراطية الليبرالية مثل حكومة إدريس جطو ما بين سنتي 2002 و2007 التفكير في العمل بالعقد المؤقت.

ويضاف الى هذا، أنه كان الحزب الوحيد في الائتلاف الحكومي الذي اتخذ على عاتقه مواجهة النقابات ثم سن قوانين تجرم الإضراب وتقتطع من أجور الموظفين، ومواجهة الحركات الحقوقية سواء في المغرب أو الخارج، وأصبح وزير حقوق الإنسان مصطفى الرميد متخصصا في الرد على البيانات الحقوقية وتبرير الاعتقالات.

التخلي عن كل الشعارات السياسية المركزية وتخليق الحياة العامة. فقد رفع العدالة والتنمية مواجهة التطبيع خلال السنوات الماضية، وانتهى بأمينه العام وهو رئيس الحكومة سعد الدين العثماني الى التوقيع خلال ديسمبر الماضي على وثيقة التطبيع مع إسرائيل، واعتبر عدد من وزرائه الذهاب الى إسرائيل إذا دعت الضرورة بالعمل الوطني لصالح الدولة. وشدد الحزب في حملاته الانتخابية على محاربة الفساد، وبمجرد وصوله الى السلطة رفع شعار “عفا الله عما سلف”، بل يتهم وزير الزراعة وهو زعيم حزب الأحرار الفائز بالانتخابات باختلاس مليار و700 مليون دولار من دعم المحروقات، وأبقى عليه في الحكومة دون مسائلة. وكان الحزب يرفع شعار “الملكية البرلمانية” وأصبح يواجه كل من تبنى هذا العار.

تبخيس الحزب لمنصب رئاسة الحكومة، إذ يجمع المراقبون أنه رغم الصلاحيات التي جاء بها دستور 2011، امتنع سعد الدين العثماني عن ممارسة صلاحياته وأصبح يحيل معظم الملفات على المؤسسة الملكية في وقت يطالب الرأي العام من رئاسة الحكومة بتحمل مسؤولياتها.

وبهذا، تجمعت كل هذه العوامل لتجعل القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، وهي قاعدة انتخابية واعية تراهن على البرنامج أكثر من الأشخاص، إما الذهاب للتصويت على أحزاب أخرى مثل الأحزاب الكلاسيكية كالاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية كعقاب ضد العدالة والتنمية، وهذا ما يبدو أن الكثيرين قاموا به، أو الامتناع عن الذهاب الى صناديق الاقتراع. وكل إطلالة على حسابات المغاربة في فيسبوك المنتمين الى سلك الوظيفة مثل قطاع التعليم والصحة والأشغال العمومية تظهر ترحيب معظمهم بخسارة العدالة والتنمية، وهو ما يفسر التصويت العقابي. في الوقت ذاته، أشد المعارضين للنظام رحبوا برحيل العدالة والتنمية رغم إدراكهم أن البديل قد يكون أسوأ.

وبهذا أصبح العدالة والتنمية بعد انتخابات 2021 رقما هامشيا جدا في المشهد السياسي المغربي، ومعه يتم إغلاق قوس القوى السياسية التي قامت بعد الربيع العربي بتوظيف الخطاب الإسلامي السياسي في برامجها وشعاراتها، البعض منها انتهى بالانقلاب مثل حالة مصر وأخرى بصناديق الاقتراع مثل العدالة والتنمية في المغرب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: