ظهر صراع جديد وبشكل مفاجئ داخل حزب جبهة التحرير الجزائرية بين تكتل الأمين العام ومناوئين له يريدون تنحيته من على رأس الحزب، وذلك مع استعداد البلاد لانتخابات محلية مقررة نهاية شهر نوفمبر المقبل، الأمر الذي يشتت صفوفه ويقلل من حظوظه في البقاء كقوة سياسية أولى في البلاد، بعدما استحوذ على الأغلبية في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
ودخلت شخصيات بارزة ونواب في مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) في اتصالات حثيثة من أجل الدفع نحو انعقاد دورة استثنائية للجنة المركزية للحزب تكرس لسحب الثقة من الأمين العام أبوالفضل بعجي بسبب ما يعتبرونه فشلا في معالجة مشاكل الحزب ورأب الصدوع الداخلية وإحداث توافق بين الأجنحة الغاضبة والمقصيّة.
ويرمي خصوم الأمين العام للحزب إلى عقد الدورة المذكورة من أجل تسمية منسق وطني يقوم بتسيير شؤون الحزب مؤقتا إلى غاية عقد المؤتمر الحادي عشر الذي ينتخب خلاله أمين عام جديد قادرا على قيادة القوة السياسية الأولى في البلاد.
واعتبرت دوائر حزبية أن قرار تخفيف الحراسة الأمينة للرجل الأول في حزب جبهة التحرير الوطني مؤشر قوي على بداية العد التنازلي لأيام أبوالفضل بعجي على رأس الحزب، وأن الحزب الذي ارتبط بالسلط المختلفة في الجزائر يكون قد دخل في مرحلة مراجعة جديدة من طرف دوائر القرار الفعلي في السلطة.
وتداولت تقارير محلية أن عضو مجلس الأمة فؤاد سبوتة وزميله أحمد بناي ورئيس المجلس صالح قوجيل عقدوا عدة اجتماعات مغلقة، ولأن المجموعة هي التي رفعت لواء التمرد على أبوالفضل بعجي، فإن مصادر تتحدث عن استقرار الرأي لدى هؤلاء على “فرض قيادة تنسيق جماعية يكون صالح قوجيل على رأسها، وتتولى التحضير للمؤتمر”.
حسين خلدون: حل الأزمة يجب أن يكون بعيدا عن أي استحقاق سياسي
وصعد أبوالفضل بعجي الذي يعدّ من جيل الشباب إلى رأس الحزب خلال دورة اللجنة المركزية المنعقدة خلال صائفة العام الماضي، ومنذ التحاقه بمنصبه شرع في إجراء تعديلات داخل مؤسسات وهياكل الحزب بشكل ثبت العناصر الموالية له، وتخلص من المناوئين، غير أن عدم الإجماع على شخصه استمر داخل صفوف الحزب، واعتبر المناوئون له أنه يفتقد إلى الشخصية القادرة على المسك بزمام الحزب، فعلاوة على أنه القوة السياسية الأولى في البلاد، يضم في صفوفه الحزام البشري الموالي للسلطة والصقور الدائرة في فلكها.
وذكرت التقارير بأن الجناح المتمرد على الأمين العام سبق له أن تقدم لوزارة الداخلية والجماعات المحلية للحصول على رخصة عقد اجتماع الهيئة المذكورة، غير أن الوزارة لم تتفاعل بشكل إيجابي مع الطلب، مما اعتبر عدم وضوح للرؤية حينها لدى السلطة حول الحزب، وأن القرار لم يحسم بعد حول مصير بعجي.
ويسعى “المركزيون” الغاضبون لفرض دورة طارئة من أجل سحب الثقة من بعجي وقد قدموا طلبا في وقت سابق لوزارة الداخلية من أجل منحهم رخصة عقد اجتماع، غير أن الوزارة تجاهلت الطلب ولم ترد عليه رغم إرفاقه بتوقيعات يصر خصوم بعجي أنها بالعدد الكافي.
ولا يستبعد متابعون لشؤون الحزب أن يقدم الأمين العام للحزب استقالته امتثالا للضغوط المتصاعدة على شخصه، خاصة إذا تأكدت لديه معطيات بأنه لم يعد مرغوبا فيه من طرف السلطة، وأن سحب الحراسة الأمنية المرافقة له رسالة تمهيدية لقرب نهايته في قيادة الحزب.
ومع ذلك يبدي أنصاره في مختلف الهيئات المركزية والمحلية تجاهلا لما يدور حول نهاية مرتقبة لبعجي، ويصرون على أن الإصلاحات التي أجراها الرجل أزعجت الكثيرين، لاسيما بعد حفاظ جبهة التحرير الوطني على صدارة القوى السياسية في البلاد غداة الانتخابات التشريعية الأخيرة التي استحوذ فيها على مئة وخمسة مقاعد من مجموع أربعمئة ومقعدين، وأن الاستعداد جار حاليا للحفاظ على نفس المكاسب في الانتخابات المحلية القادمة.
وفي المقابل أشار النائب والقيادي السابق حسين خلدون إلى رغبة تيار داخل الحزب يفضل عدم الذهاب إلى الاستحقاق الانتخابي المذكور، والتفرغ لإصلاح الإخلالات المستشرية في الحزب، على اعتبار أن هذا الخيار سيجنب جبهة التحرير الوطني في الظرف الراهن الزحمة والمناورات التي تستعر داخله كلما حل موعد انتخابي.
وذكر المتحدث بأن “حل أزمة الحزب يجب أن يكون بعيدا عن أي استحقاق سياسي، لأن ذلك يزيد من حدة الصراع الداخلي ويجعل الأطراف تفكر بمنطق الربح والخسارة بعيدا عن مصلحة الحزب والوطن مما ينتج عنه تشتت الصفوف أكثر مما هي عليه اليوم، وأن النأي بالحزب عن الانتخابات المحلية المقبلة هو الموقف السديد في تصوري من أجل التفرغ التام لإعادة بناء الحزب ورد الاعتبار للمناضلين الحقيقيين الذين ابتعدوا عن الحزب لأسباب مختلفة”.