أكثر من 17 مليون مغربي يصوتون اليوم في الانتخابات التشريعية وناشط يتساءل: هل نحتاج إلى 31 حزبا أغلبها لا أثر له في المجتمع؟

بنعبو

تجري، اليوم الأربعاء، في كافة أقاليم المغرب الانتخابات التشريعية والجهوية البلدية، التي سيدلي فيها أكثر من 17 مليون مواطن بأصواتهم، حيث تتنافس 1704 قوائم على اختيار أعضاء مجلس النواب (الغرفة الأولى) البالغ عددهم 395 عضواً، ينتخبون لولاية تستمر خمس سنوات.
وقال الباحث الأكاديمي والناشط السياسي، محمد الدرويش، إننا «نعيش منذ ما يقارب الأسبوعين على إيقاع الحملات الانتخابية التي يخوضها 31 حزباً سياسياً، من أجل الظفر بمقاعد في الجماعات الترابية (البلديات) ومجلس النواب. ومن المنتظر أن يشارك في عمليات التصويت هذه 17 مليوناً وزيادة من المسجلين، علماً أن ما يقارب 8 ملايين غير مسجلين، ولم تستطع كل الأحزاب السياسية مجتمعة، ولا المجتمع المدني، ولا الأسر، ولا الهيئات الأخرى، إقناع هؤلاء بعمليات التسجيل».
وأضاف في نداء أطلقه بالمناسبة أنه «خلال مدة الحملات الانتخابية هاته، والتي تابعناها جميعاً كل من موقعه وقناعاته وانتماءاته من عدمها، وطبقته الاجتماعية؛ متابعة جعلتنا نستخلص الدروس، والعبر، والنتائج، والتوقعات، ونسجل معها مجموعة من الملاحظات؛ متابعة استمعنا خلالها لبعض الأصوات التي تدعو إلى مقاطعة الانتخابات لأنه لا جدوى ولا خير يرجى منها».
وأكد صاحب النداء، من موقع الفاعل السياسي والاجتماعي والجامعي والثقافي والجمعوي أنه يتوجه إلى الرأي العام ليتقاسم معه مجموعة من الخلاصات، أولها أن هذه الحملات الانتخابية يخوضها 31 حزباً سياسياً «أغلب هاته الهيئات الحزبية لم نتعرف عليها قبلاً، ولم نر لها أثراً يذكر، محلياً، وجهوياً، ووطنياً، ودولياً».
وتساءل: «هل نحتاج في مغرب اليوم إلى هذا العدد الهائل من الأحزاب، أغلبها لا أثر له في المجتمع؛ منها من يتحول لدكاكين انتخابية للبيع والشراء؛ لا تنظيمات لها شبابية ولا نسائية ولا قطاعية وأحياناً لا فروع محلية ولا جهوية!».
وأشار الباحث إلى أننا «سجلنا جميعاً ما واكب هاته الحملات الانتخابية في مجموعة من المواقع – رغم قلتها – من أفعال وكلام ناب وتصرفات لا مسؤولة من شخصيات مفروض فيها أن تكون نموذجاً للفعل السياسي المتزن، وصاحبة خطاب عاقل يجر الاحترام والتقدير، ويشجع على العمل السياسي النبيل». وحسب الدرويش، فقد تم الوقوف «على مظاهر مشينة تضرب الديمقراطية في الصميم وتسيء للمغرب المعاصر» كما تم «رصد عدم تكافؤ الفرص في الحملات الانتخابية مجالياً، ومادياً وتكنولوجياً وبشرياً».

استغلال الأطفال والأسر الفقيرة

وتحدث الفاعل السياسي والجمعوي عن «عمليات تسخير الأطفال الأبرياء، واستغلال الوضعيات الاجتماعية الهشة والفقيرة لمجموعة من الأسر في هاته الحملات الانتخابية».
كما تطرق إلى «اللجوء للعنف الجسدي واللفظي بين بعض منتسبي بعض الأحزاب في مجموعة من المناطق» مستغرباً تشابه أغلب البرامج الانتخابية لمجموعة من الأحزاب، الشيء الذي يخلط أوراق الناخبين والناخبات».
وفي مقابل ما سجله من ملاحظات، أكد الدرويش أنه تم تسجيل «حملات انتخابية لدى مجموعة قليلة من الأحزاب السياسية بنظافة ومسؤولية ورصانة وعقلانية في استحضار تام لأخلاقيات المنافسة الشريفة» إضافة إلى اعتمادها «على مناضليها ومناضلاتها في حملاتها الانتخابية، مع ما يرافق ذلك من نظافة اليد ونبل الأخلاق والمصداقية في القول والفعل».
ووفق النداء، فقد تم تسجيل «بإيجاب قدرة بعض الأحزاب السياسية على التأقلم مع مقتضيات الاستعمال التكنولوجي والقيام بحملات نظيفة تحترم زمن كوفيد وما يستلزمه من احتراز في التجمع وتوزيع المنشورات والتواصل مع المواطنات والمواطنين».
وشدد الدرويش على المشاركة بكثافة في التصويت، واختيار «من ترونه كفؤاً، ونظيف اليد، وقادراً على تحقيق الحد الأدنى – على الأقل – من المسؤولية الملقاة على عاتقه محلياً، أو جهوياً، أو وطنياً أو دولياً».
وأكد أن يكون الاختيار «قائماً على البرنامج الانتخابي، ثم الحزب السياسي، فالشخص المرشح، و»أن لا يكون تصويتك نتيجة بيع وشراء، فمن اشتراك قادر على بيعك».
وطلب الدرويش من المغاربة، أثناء التصويت استحضار «تاريخ هذا الحزب، وحاضره، ومستقبله ومناضلاته مناضليه» مشيراً إلى ضرورة «أن يكون اختيارنا جميعاً قائماً على منطق تجاوز ما عشناه مدة عشر سنوات من صراعات، وتنابز، وسب، وقذف، ومظاهر تشمئز لها الأنظار والعقول، وتناقضات في الأقوال والأفعال». كما لفت إلى أن اختيار التصويت يجب أن يكون «مساهماً في جواز تحالف حكومة اجتماعية بامتياز، قادرة على ضمان الاستقرار الاجتماعي، والانبعاث الاقتصادي، وخلق الآمال في الغد الأفضل، والمساهمة في صناعة أسس المغرب القوي في محيطه المتوسطي والمغاربي والإفريقي والدولي».
وتابع صاحب النداء، بالتأكيد على «أن نكون راغبين في القطع مع البلطجة واللامسؤولية، والانتهازية؛ مساهمين في التأسيس للعهد المتجدد، والقادرة حكومته، ومجالسه المنتخبة على الانخراط في الأوراش الكبرى التي أعلن عنها المغرب من خلال مجموعة من البرامج والمشاريع ومقتضيات النموذج التنموي الجديد».

دعوات للمشاركة المكثفة

لكل ذلك، شدد الفاعل السياسي في ندائه على أنه يدعو «المواطن والمواطنة إلى المشاركة المكثفة في عمليات التصويت، مع استخدام العقل والمنطق والمعطيات الصحيحة في كل ذلك؛ فعدم مشاركتك هو ترخيص لمن قد يكونوا مفسدين أو انتهازيين أو مصلحيين أو لمن قد تكون لهم أهداف أخرى من عدم مشاركتك في العملية الانتخابية، بل إن عدم مشاركتك فيها هو إضعاف لأصحاب النوايا الحسنة من المناضلين المخلصين الوطنيين الصادقين… فتكون أنت أول ضحية – مدة خمس سنوات وست سنوات – اختيارك أو عدم مشاركتك». وأفادت المعطيات الرسمية أن عدد قوائم الترشيح المقدمة برسم انتخاب أعضاء «مجالس الجهات» التي تضم في المجموع 678 مقعداً، بلغ 1123 قائمة. في حين ناهز عدد الترشيحات المقدمة لانتخاب أعضاء مجالس البلديات والمقاطعات، 157 ألفاً و569 تصريحاً بالترشيح. وبخصوص المواطنين المسجلين الذين سيدلون بأصواتهم فقد بلغ عددهم 17 مليوناً و509 آلاف و127 شخصاً؛ يتوزعون، حسب النوع الاجتماعي على 54 في المئة من الذكور مقابل 46 في المئة من الإناث. وينتمي 54 في المئة من الناخبين إلى المدن مقابل 46 في المئة في الأرياف.
وتجري انتخابات هذه السنة في سياق استثنائي جراء انتشار جائحة كورونا، وما يفرضه ذلك من إجراءات احترازية تركت بصمتها بشكل واضح على سير الحملة الانتخابية، حيث وجدت الأحزاب السياسية نفسها، مضطرة إلى اللجوء إلى وسائل الاتصال الحديثة من قبيل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي للتعريف بنفسها وببرامجها. هذه البرامج تمحورت بالأساس حول سبل الخروج من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها جائحة كورونا، وكذلك تحقيق تحول هيكلي، قائم بشكل خاص على التوصيات الوجيهة الواردة في التقرير الخاص بالنموذج التنموي الجديد الذي رسم معالم التجديد الاقتصادي المنشود من طرف المواطنين المغاربة. ويعد التشغيل، خصوصاً في صفوف الشباب، وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وصون كرامة الأشخاص المسنين والمعوزين، فضلاً عن تقوية الصناعة الوطنية وجاذبية المملكة، من بين أبرز الإجراءات المعلنة من طرف الأحزاب السياسية برسم الموعد الانتخابي، بهدف إرساء أسس اقتصاد أكثر قوة وتضامناً.
كما تعهدت الأحزاب بالنهوض بقطاعي الصحة والتعليم وتعميم التغطية الاجتماعية واتخاذ إجراءات من شأنها تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين. وتتطلع الهيئات السياسية المغربية إلى انخراط واسع للمواطنين، وخاصة فئة الشباب، في عملية التصويت وتعزيز الثقة لديهم في المشاركة في الانتخابات. وتجرى الاستحقاقات التشريعية والمحلية والجهوية في ظل مستجدات جديدة عرفتها المنظومة القانونية المحددة للعملية الانتخابية، من بينها على الخصوص «القاسم الانتخابي» الجديد، الذي يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المسجلين في الدائرة الانتخابية المعنية عوض عدد المصوتين، وإلغاء «العتبة» وتوسيع حالات التنافي في ما يتعلق بجمع العضوية بين مجلس النواب مع رئاسة جهة، ومع رئاسة مجلس بلدي أو إقليمي، ومع رئاسة مجلس كل بلدية يتجاوز عدد سكانها 300 ألف نسمة، فضلاً عن تعزيز تمثيلية النساء.
وفي سبيل إنجاح رهان هاته الاستحقاقات الانتخابية وضمان مرورها في جو تطبعه المساواة بين المترشحين، بعيداً عن كل ما من شأنه أن ينال من مصداقية الانتخابات والتنافس النزيه، جرى الحرص على توفير الضمانات القانونية والإجرائية اللازمة لتخليق العملية الانتخابية وجعلها مدخلاً لتكريس الممارسة الديمقراطية.
كما ستراقب هذه الانتخابات مجموعة من المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية. فقد قامت اللجنة الخاصة لاعتماد ملاحظي الانتخابات باعتماد أكثر من 4500 ملاحظة وملاحظا يمثلون 44 منظمة غير حكومية وطنية. وسيتوزع هؤلاء الملاحظون والملاحظات، الذين يمثلون أيضاً المجلس الوطني لحقوق الإنسان، على كافة أقاليم المملكة. كما جرى اعتماد 19 منظمة وهيئة دولية، يمثلها أكثر من 100 ملاحظ وملاحظة.
ويظل نجاح هذه الاستحقاقات رهيناً أيضاً بمشاركة المواطن من خلال الإدلاء بصوته وفقاً لقناعاته السياسية من أجل إفراز مؤسسات منتخبة قوية تضطلع بمهامها على النحو الأكمل سواء على المستوى الوطني أو المحلي أو الجهوي. فهذه المؤسسات أصبحت لها أدوار متقدمة جداً في التشريع ومراقبة العمل الحكومي، وكذا في تنزيل المشاريع التنموية على المستويين المحلي والجهوي؛ وفق ما ورد في تقرير لوكالة الأنباء المغربية.
في سياق متصل، أفادت «المندوبية السامية للتخطيط» (هيئة رسمية مكلفة بالتعداد السكاني والمســــوح الاجتماعية والاقتصادية) بأن عدد السكان الذين هم في سن التصويت يبلغ ما يقرب من 25,226 مليــــون مغربي (مقابل 23,211 مليوناً عام 2016) وهو ما يمثل 69.5 في المئة من إجمالي سكان المغرب.
وأوضحت في مذكرة بمناسبة الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية أن النساء يشكلن أكثر من النصف بقليل. كما كشفت أن ما يقرب من 3,002 مليون شخص هم ناخبون لأول مرة سنة 2021، وتتكون هذه الفئة من الشباب بحوالي 11,9 في المئــــة من المجتمع والذين بلغوا سن التصويت.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: