الناخبون والمقاطعون لا يراهنون على حكومة مغربية قوية

حنان الفاتحي

يتأمل المغاربة منذ أسابيع الحماس منقطع النظير بين الأحزاب في بلادهم وتنافس المرشحين على الفوز بعضوية البرلمان في الانتخابات التي ستجرى في الثامن من سبتمبر، إلا أن الحماس بين المتنافسين لا ينعكس كاملا على الشارع الذي فقد الثقة بوعود الأحزاب وهي تكرر نفس الوجوه.

عندما لوح عبدالإله بن كيران بيده في تعبير عن نصر حزبه العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية عام 2011، كان المغرب مقبلا على تغيرات سياسية جوهرية، فقد أقر الدستور الجديد الذي فتح آفاقا أمام التعددية وبمشاركة سياسية لجيل مغربي تواق إلى التغيير.

تخطى المغرب ما فشلت فيه دول قريبة منه، بعد أن اجتاحت فوضى الربيع العربي المنطقة آنذاك.

لكن بن كيران نفسه لم يتقدم إلا في خطوات قريبة في حكومة واجهت النقد الشعبي والسياسي لأنها لم تقدم ما يذكر بالتوازي مع طموحات العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي كان أكبر الداعمين للتغيير والدفع بمشاريع اقتصادية كبرى تستقطب المزيد من الشباب الباحث عن فرصة للعمل وتغيير حياته.

وعندما فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التالية عام 2016، فشل بن كيران في تشكيل الحكومة، بعد أشهر من التفاوض مع الأحزاب الأخرى.

نبيل بن عبدالله: حكومة العثماني كرست العزوف السياسي وفقدان الثقة

وكان التعويل على حزب العدالة والتنمية بوصفه نوعا من الحل الحكومي لمغرب جديد لم يكن في محله، خصوصا لجيل مغربي يريد صناعة المستقبل عبر التغيير السياسي.

ولم يكن أمام العاهل المغربي غير أن يعيد تكليف سعدالدين العثماني القيادي في حزب العدالة والتنمية والذي سبق وأن شغل منصب وزير الخارجية، لتشكيل الحكومة وفق الاستحقاقات الانتخابية، بعد فشل بن كيران في تشكيل الحكومة.

ومنذ عام 2016 يقود العثماني حكومة ائتلافية من عدة أحزاب، لكنها لا تمثل الطموح المغربي التواق إلى البلاد التي تعد أفضل شريك لأوروبا.

وعلى بعد أيام قليلة من الاقتراع لاختيار الحزب الذي سيقود الحكومة المغربية الجديدة تتسابق الأحزاب في إقناع الناخبين ببرامجها الانتخابية.وضمن 31 حزبا تشارك في الانتخابات التشريعية والبلدية المقررة في الثامن من سبتمبر الجاري، فإن 12 حزبا فقط وتحالف انتخابي هي من قدمت برامجها الانتخابية.

صراع انتخابي

هذه الأحزاب هي: العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي)، والأصالة والمعاصرة (أكبر أحزاب المعارضة)، والتجمع الوطني للأحرار (عضو الائتلاف الحكومي)، والاستقلال (معارض)، والحركة الشعبية (عضو الائتلاف الحكومي).

وكذلك الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (عضو الائتلاف الحكومي)، والاتحاد الدستوري (عضو الائتلاف الحكومي)، والتقدم والاشتراكية (معارض)، والاشتراكي الموحد (معارض)، إضافة إلى حزبين غير ممثلين في البرلمان وهما: النهضة والفضيلة، وجبهة القوى الديمقراطية.

وأيضا تحالف فدرالية اليسار الذي يضم حزبين يساريين هما: الطليعة، والمؤتمر الوطني الاتحادي.

مصطفى مسكين: بعض الأحزاب انتهجت ممارسات غير أخلاقية واستخدمت المال

وتُجرى انتخابات المجالس البلدية وفق نمطين، هما النظام اللائحي في الدوائر التي يسكنها أكثر من خمسين ألف نسمة، أما الأقل سكانا فيطبق فيها الاقتراع الفردي.

وبلغ عدد الناخبين 17 مليونا و983 ألفا و490 (من أصل نحو 36 مليون نسمة)، وفق بيانات رسمية.

ويقابل هذا العدد المشارك من الأحزاب بفتور شعبي ومخاوف من عزوف انتخابي.

وفيما يعرب مواطنون عن ثقتهم في تأثير الانتخابات المقبلة على التنمية وتحسين الخدمات، يرى آخرون أنها ستكون “مكانك سر” دون محصلة فارقة.

وتشتد المنافسة على تصدر نتائج الانتخابات التشريعية بين حزبي العدالة والتنمية برئاسة سعدالدين العثماني والتجمع الوطني للأحرار، بقيادة وزير الفلاحة عزيز أخنوش.

كما يبرز في المشهد السياسي كقوة انتخابية، كلٌ من حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال (معارضان).

وتبدو الانتقادات هي السمة البارزة من الشارع المغربي لمشاريع الأحزاب، فالغالبية يذكرون بتجربة حزب العدالة والتنمية الإسلامي التي لم تحقق شيئا على مدار دورتين انتخابيتين.

وتكرر تصريحات قادة الأحزاب في الحملة الانتخابية نفس الوعود التي لم تتحقق من قبل.

وقال نبيل بن عبدالله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية المغربي (معارضة برلمانية)، إن المغرب في حاجة إلى حكومة قوية، معتبرا الحكومة الحالية التي يرأسها العثماني “من أضعف الحكومات التي عرفها المغرب منذ الاستقلال”، واتهمها “بتكريس العزوف السياسي وفقدان الثقة، بسبب الصراعات بين مكوناتها”.

وعبر بن عبدالله عن تفهمه لغضب الشباب المغربي وانتظاراتهم، خصوصا الخريجين منهم من حاملي الشهادات العليا أو المتوسطة، الذين لا يتوفرون على منصب شغل، لكنه قال إن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، داعيا إلى توفير العيش الكريم للشباب.

وقال نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال (معارضة برلمانية)، إن حزبه يقترح اعتماد مقاربة جديدة تقوم على ثلاث ركائز للخروج من “الأزمة” الحالية في المغرب.

تصويت أم مقاطعة

Thumbnail

أوضح في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء أن حزب الاستقلال يقترح اعتماد ثلاث ركائز، تتمثل الأولى في وضع برنامج إنقاذ للقطاعات المتضررة من الجائحة وإنقاذ المقاولات الصغيرة والصغيرة جدا المهددة بالإفلاس.

وتتمثل الركيزة الثانية في إنقاذ الشباب من البطالة وتقوية القدرة الشرائية للمواطنين، مشددا على ضرورة العمل على تحسين الدخل، وضبط تطور الأسعار في هذا المجال.

ويتعهد الحزب في ركيزته الثالثة بالعمل على تقوية الاستثمارات العمومية خاصة فتح المجال للاستثمار والمشاريع التي من شأنها خلق فرص الشغل، وتمكين الشباب من فرص الشغل وتكوينهم ليتمكنوا من ولوج سوق الشغل في أحسن الظروف.

برامج الأحزاب الانتخابية

● العدالة والتنمية: أعلن عن ثلاثة برامج انتخابية ترتكز على تعزيز الموقع السياسي والاستراتيجي والإشعاعي للمغرب في محيطه الإقليمي والجهوي والدولي، وتحسين المناخ الديمقراطي والسياسي والحقوقي، وتعزيز كرامة المواطن وتثمين الرأسمال البشري.

التجمع الوطني للأحرار: رفع شعار “تستاهل أحسن” من أجل إحداث مدخول الكرامة لفائدة المسنين وتوفير التأمين الصحي المجاني على المرض لفائدة المعوزين وفتح باب الحق في المعاش لكل العاملين. ووعد بتوفير مليون فرصة عمل.

الأصالة والمعاصرة: وعد بتحقيق معدل نمو اقتصادي سنوي بنسبة تبلغ 6 في المئة بحلول سنة 2026، وخلق 175 ألف فرصة عمل، وإطلاق مخطط وطني لتأهيل التعليم على مدى خمس سنوات، بمعدل 9000 قسم جديد في السنة.

الاستقلال: رفع شعار “الإنصاف الآن” وراهن على تحقيق 13 هدفا رئيسيا قابلا للتحقق فضلا عن ثمانية مواثيق تهم مختلف فئات المجتمع. وتقليص نسبة البطالة بشكل عام إلى أقل من 9 في المئة، وبطالة الشباب إلى أقل من 20 في المئة. وتفعيل الحماية الاجتماعية الشاملة، والإنصاف على أرض الواقع.

ولا يربط غالبية المحللين المغاربة المنافسة المتصاعدة بين الأحزاب مع ما يقابلها من مشاركة واسعة من الناخبين بعد تجربتين انتخابيتين فاز بهما حزب العدالة والتنمية من دون أن يستطيع الإيفاد بوعوده الانتخابية.

وقال مصطفى مسكين أستاذ الإعلام بمعهد أكاديمي في الرباط إن ‎المنافسة كبيرة بين الأحزاب، لكنها لن تنعكس بالضرورة على حجم المشاركة السياسية للناخبين.

وأضاف “هناك صراع كبير بين الأحزاب، بعضها لجأت إلى انتهاج ممارسات غير أخلاقية، أبرزها استخدام المال السياسي في الانتخابات”.

ورجح عزوف الناخبين عن المشاركة، لاسيما مع تنامي ظاهرة فقدان الثقة في الأحزاب السياسية.

ومؤخرا، تبادلت عدة أحزاب مغربية اتهامات باستخدام المال السياسي للتأثير على إرادة الناخبين في البلاد.

وعاب الناقد السينمائي إدريس القري غياب الأبعاد الثقافية والفنية في البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية.

وقال القري “استجابة الأحزاب لمطالب ترشيح الفنانين في الانتخابات متأخرة ولم تجلب وجوها قادرة على إحداث تغيير حقيقي، بل لأغراض انتخابية ومصالح ضيقة”.

وأجمعت تصريحات مواطنين مغاربة لوسائل الإعلام المحلية ومراسلي الوكالات الأجنبية، على أن قطاعات واسعة من الناخبين تتعامل بفتور شديد وعدم اكتراث مع الانتخابات المقبلة.

وعزوا ذلك إلى ما وصفوه بـ”الوعود الكاذبة” لمرشحي الأحزاب، مشيرين إلى أن نفس الوجوه تتقدم لهذه الانتخابات دون جديد.

وطالبوا بإعادة ثقة المواطنين في العملية الانتخابية وعدم السماح باتساع الهوة بين الناخبين والسياسيين المرشحين في الانتخابات.

إلا أن الناخب محمد ايسور (71 عاما) قال في تصريح لمراسل وكالة الأناضول التركية إن “الانتخابات المقبلة ستشكل تغييرا بالمغرب، خاصة في ظل تراكم تجربة البلاد في تنظيم الانتخابات”.

وأضاف “هناك منافسة شريفة بين الأحزاب السياسية، والنخبة الفائزة في الانتخابات المقبلة، ستعطي المغرب دفعة قوية في ظل التحديات الحرجة”.

وتوقع أن تشهد الانتخابات ارتفاعا ملحوظا في نسبة المشاركة، لاسيما في ظل ارتفاع أعداد المرشحين في التشريعية والبلدية، داعيا الأحزاب إلى بذل الجهود لجذب الناخبين إلى صناديق الاقتراع.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: