استشعرت الجزائر ضعف جهازها الدبلوماسي أمام طموحاتها في لعب أدوار خارجية والتوسط في عدد من الملفات المعقدة وفي مقدمتها الملف الليبي وملف سد النهضة الإثيوبي وهو ما يبدو أنه دفعها إلى إعادة النظر في أداء دبلوماسيتها.
وأعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن استحداث مناصب المبعوثين الخاصين في الهيكل الدبلوماسي لوزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية، كما كشف عن تعيين عدد من الوجوه المخضرمة في تلك المناصب للاضطلاع بمختلف الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام الجزائري.
ويتعلق الأمر بكل من عمار بلاني، أحمد بن يمينة، بوجمعة ديلمي، طاوس حداداي جلولي، عبدالكريم حرشاوي، نورالدين عوام وليلي زروقي، وهي الوجوه التي شغلت مناصب دبلوماسية ومارست مسؤوليات عليا في الدولة، يراد استثمار خبراتها وكفاءاتها في دفع العمل الدبلوماسي الجزائري وتفعيله.
وينتظر أن يوجه هؤلاء الدبلوماسيون إلى مختلف الملفات الإقليمية والدولية، على غرار المغرب العربي ونزاع الصحراء، والساحل والقارة الأفريقية والاتحاد الأفريقي، والشرق الأوسط والجامعة العربية، والعلاقات مع أوروبا وأميركا والأمن الدولي والإرهاب والجريمة العابرة للحدود والجالية الوطنية في الخارج والتعاون الاقتصادي والحضور الجزائري في المحافل الدولية.
كما ينتظر أن يجري الرئيس تبون حركة دبلوماسية واسعة ستشمل أكثر من 70 منصبا لرؤساء المراكز الدبلوماسية والقنصلية، في إطار خطة لإعادة الانتشار الدبلوماسي، وتصعيد جيل جديد في العمل الدبلوماسي، بالموازاة مع استعادة الوجوه المخضرمة.
الرئيس الجزائري يستحدث مناصب المبعوثين الخاصين في الهيكل الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية
ويرتقب أن تدعو وزارة الخارجية موظفيها السامين في مختلف الأسلاك الدبلوماسية إلى لقاء موسع في العاصمة من أجل شرح خارطة الطريق الجديدة وإعادة الانتشار الدبلوماسي الجزائري في العالم، إلى جانب تفعيل الدور الجزائري في مختلف الملفات والقضايا الإقليمية والدولية.
وعاشت الدبلوماسية الجزائرية انكفاء لافتا خلال العشرية الأخيرة عمّق مشاكلها الخارجية الأمر الذي سمح بظهور توازنات أخرى في بؤر التوتر الإقليمية، كما هو الشأن في ليبيا ومالي، وذلك بسبب ضغط الأوضاع الداخلية وعدم الاستقرار في هرم السلطة.
وكان الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة قد ساهم في تراجع أداء دبلوماسية بلاده بسبب احتفاظه لنفسه بعدد من الملفات، كالعلاقات الجزائرية الفرنسية والجزائرية المغربية، والحد من تحرك السلك الدبلوماسي في الخارج، إلى جانب غياب قاطرة أمامية تقود السلك الدبلوماسي وعدم الاستفادة من الجالية المهاجرة في الخارج ومن الكفاءات الوطنية المنتشرة في العالم، كما ساهمت وضعيته الصحية التي تجاوزت خمس سنوات في شلل الجهاز الدبلوماسي على غرار الأجهزة والمؤسسات الأخرى.
وبرز خلال الأيام الماضية تنافس جزائري للمغرب في الملف الليبي حيث استضافت الجزائر اجتماع دول جوار ليبيا في محاولة لسحب الملف من الرباط التي تتابعه منذ 2014 وأحرزت فيه العديد من النجاحات التي تحسب لها لعل أهمها توقيع اتفاق الصخيرات.
وأعلنت الجزائر أواخر أغسطس الماضي قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب وهي الخطوة التي لم تحظ بدعم أو تعاطف أيّ دولة باستثناء إيران، رغم خطاب المظلومية والاتهامات الخطيرة التي لا تستند لأيّ أدلة والتي وجهها وزير الخارجية رمطان لعمامرة إلى المغرب.
في المقابل، سجل المغرب خلال السنوات الأخيرة انتصارات دبلوماسية مهمة حيث نجح في استمالة مواقف العديد من الدول الأفريقية والأميركية الجنوبية لصالحه في قضية الصحراء المغربية التي تعد أصل النزاع بين البلدين، ويبقى النجاح الأهم هو اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء وفتح سفارة في الأقاليم الجنوبية للمغرب وهي الخطوة التي تبعتها العديد من الدول الأفريقية والعربية.
وحضرت الاستراتيجية الدبلوماسية الجديدة في مخطط عمل الحكومة، المنتظر عرضه على البرلمان خلال الأيام القليلة القادمة، وذكرت وثيقة المشروع بأن “نشاط بلادنا الدبلوماسي سيتركز خلال السنوات القادمة على الدفاع عن مصالح الأمة والمساهمة في استتباب الأمن والاستقرار الإقليميين، وتعزيز الروابط مع أفريقيا والوطن العربي، وتنمية الشراكة والسلم في العالم، وإعادة نشر الدبلوماسية الاقتصادية في خدمة تنميتنا”.
وأضافت “ستقوم الجزائر بنشاط استباقي ومتعدد الأشكال من أجل تمكين بلادنا من تعزيز مكانتها كفاعل نشيط، بحيث تساهم كما كانت كذلك في الماضي في تسوية الأزمات والتوترات على المستوى الدولي، وتؤثر على مجرى الأحداث الهامة في تاريخ المجتمع الدولي وفي حياة البشرية”.
ولفتت إلى أن “الجزائر بحكم تاريخها ووزنها وموقعها الجغرافي المركزي بين القارة الأفريقية والوطن العربي والبحر الأبيض المتوسط، ستلتزم أكثر من أيّ وقت مضى بترقية مبادرات والقيام بمساع وبذل جهود من أجل المساهمة في تسوية الأزمات والنزاعات في المنطقة على غرار النزاع في الصحراء والأزمة في ليبيا أو عدم استقرار الأوضاع في منطقة الساحل الصحراوي، وكذا عبر القارة الأفريقية، والشرق الأوسط والحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط”.
وكشفت الوثيقة عن خارطة طريق جديدة للجهاز الدبلوماسي من خلال العمل على تسويق والدفاع عن مواقف ومقاربات البلاد في مختلف النزاعات الإقليمية والدولية، كما هو الشأن في الصحراء المغربية والعلاقات مع المغرب، والأزمة الليبية والوضع في الشريط الحدودي الجنوبي.
وقالت إن “الجزائر تعمل على تعزيز حركية مصالحة الشعب الليبي وتنظيم الانتخابات بعيدا عن أيّ وساطة وتدخل أجنبيين، بينما ستضاعف جهودها في الساحل للمساعدة على استتباب الأمن والاستقرار في هذه المنطقة التي تنتمي إليها والتي تجمعها بهذه البلدان روابط تاريخية وسياسية وإنسانية قوية ومصير مشترك أمام تحديات وجودية”.
وأضافت “ستتم إعادة تفعيل النشاط الدبلوماسي الجزائري بتجسيد البعدين العربي والأفريقي بشكل كبير، وتوطيد روابط الأخوة والصداقة مع بلدان هاتين المنطقتين اللتين تُعدّان جزءا من العمق الاستراتيجي والتجذر الحضاري لبلادنا”.