يسعى النظام الجزائري لاستنفاد كل ما يملك من وسائل في التصعيد مع المغرب، وآخرها محاولة توظيف المسجد الكبير بباريس الذي تديره الجزائر لحساب أجندتها السياسية والدينية وتعمل على جعله منبرا لمهاجمة الرباط.
ولا يبدو أن الجزائر ستتوقف عن إجراءاتها التصعيدية ضد المغرب خاصة أن الأخير بدا هادئا وغير مكترث بالضجيج الذي يحدثه الجزائريون من هنا وهناك بعد قطع العلاقات الدبلوماسية من جانب واحد، ووقف اعتماد أنبوب الغاز الذي يمر عبر الأراضي المغربية باتجاه إسبانيا.
ودعا وزير الشؤون الدينية والأوقاف يوسف بلمهدي الأئمة المنتدبين لمسجد باريس الكبير الاثنين الماضي إلى أن يكونوا “منابر خيرية في خدمة الجزائر ضد حملة كراهية تواجه بلادنا”.
وقال مراقبون إن الخطاب الذي ألقاه الوزير الجزائري أمام الأئمة الذين تم اختيارهم للعمل ضمن مساجد موالية للجزائر في فرنسا مثير لكونه يتناقض مع ما تقوله الجزائر بشأن حياد تلك المساجد مثلما يتعارض مع ما تدّعيه من أنها قررت أن تتخصص هذه المساجد في الجانب الديني المباشر فقط، كما أنه يحرج فرنسا التي تخوض حربا لا هوادة فيها ضد توظيف دور العبادة من قِبل جهات خارجية، ما يهدد استقرار البلاد ويضر بعلمانيتها.
ويعتبر بلمهدي جامع باريس “مؤسسة إسلامية رائدة في العالم الغربي تقدم رسالة معتدلة كبيرة”. وأضاف أنها “يمكن أن تكون منابر جيدة للجزائر من خلال إيقاظ الروح الوطنية والاعتدال وكذلك تشجيع الجانب الأخلاقي في الحياة العامة”.
ويتناقض هذا الكلام بشكل حاد مع المواجهة التي يدعو إليها ضد أولئك الذين لا يتفقون مع العقيدة الصادرة من الجزائر، والتي تستخدم الآن سيفا ذا حدين لمواصلة نزاعها مع المغرب الذي فضل، في الوقت الحالي، أن يظل حذرا في وجه الهجمات الجزائرية.
وكشف الوزير عن “انتداب 36 إماما بينهم مرشدة دينية كدفعة أولى إلى مسجد باريس ومساجدنا المتواجدة بفرنسا، في انتظار أن تلتحق بهم الدفعة الثانية التي تضم 19 إماما ومرشدة دينية واحدة يوم الخميس المقبل بهدف تأطير الشأن الديني للجالية الجزائرية في الخارج وعامة الناس ممن يرتادون المساجد، بحيث سيشرفون على التربية الدينية والتعليم القرآني ومرافقة الجالية في هذا الجانب”.
ويعتقد المراقبون أن لجوء الجزائر إلى الخطاب الديني التحريضي لمواجهة المغرب على الأراضي الفرنسية فيه اعتراف بعجز الدبلوماسية الجزائرية عن مجاراة المواقف الدبلوماسية المغربية، وكذلك عجز الإعلام الجزائري عن الدفاع عن المواقف الرسمية خاصة بعد التحدي الكبير الذي أثاره دبلوماسي مغربي بإثارة موضوع استقلال القبائل في الشرق الجزائري كرد على استمرار الجزائر في تحريض البوليساريو ضد وحدة أراضي المغرب.
ومن الواضح أن فكرة استقلال إقليم القبائل قد أثارت غضب السلطات الجزائرية وأفقدتها صوابها، خاصة أن بالون الاختبار المغربي جاء في وقت تعرف فيه منطقة القبائل أزمات اجتماعية واحتجاجات ضد السلطة، فضلا عن وجود حركة انفصالية ناشطة على الأرض من أجل تحقيق مطالبها.
وفشلت السلطات في مواجهة الحركة الانفصالية في منطقة القبائل بالرغم من تكرار الخطاب الذي يربطها بجهات أجنبية، خاصة فرنسا وإسرائيل ولاحقا بالمغرب، في مسعى لبناء حاجز بينها وبين الشارع الجزائري. لكن ذلك لم يفض إلى نتيجة خاصة بعد الاحتجاجات التي تبعت سلسلة الحرائق ومحاولة السلطات تحميل حركة “ماك” مسؤولية ما جرى والسعي لتجريمها.
وظهرت حركة استقلال القبائل (ماك) في مطلع الألفية، بعد ما عرف بـ”الربيع الأسود”، على يد المناضل السابق في الحركات البربرية فرحات مهني، وذلك غداة سقوط نحو 130 قتيلا في صفوف شباب المنطقة إثر مواجهات دامت عدة أسابيع خلال عام 2001.