العلاقات الجزائرية – الفرنسية تدخل أتون أزمة صامتة

بليدي

دخلت العلاقات الجزائرية – الفرنسية مرحلة فتور لافت في ظل المستجدات المتتابعة مما يرشحها إلى المزيد من التأزيم، فبعد الحديث عن رفض باريس تسليم المطلوب الأول للسلطات الجزائرية، زعيم ومؤسس التيار البربري الانفصالي، جاء قرار عدم تجديد الجزائر لعقد تسيير قطاع المياه لمجمع فرنسي ليلقي بثقله على أزمة صامتة كرستها الزيارة المؤجلة لرئيس وزراء فرنسا إلى أجل غير مسمى.

تداولت تقارير محلية رفضا فرنسيا للطلب الجزائري المتعلق بتسليمها زعيم ومؤسس حركة استقلال القبائل (ماك) فرحات مهني المتواجد على أراضيها منذ مغادرته الجزائر مطلع الألفية الجارية، وهو ما اعتبر مؤشرا قويا على عدم استعداد باريس للتعاون مع الجزائر في هذا المجال رغم العلاقات الاستراتجية التي تربط البلدين.

وأصدرت الجزائر مذكرة توقيف دولية في حق مؤسس وزعيم حركة “ماك” الانفصالية فرحات مهني على خلفية قيادته لتنظيم يهدد وحدة واستقرار البلاد، ويهدد السلامة الوطنية، بعد معلومات توصلت إليها من خلال عملية التحقيق الجارية مع عناصر من التنظيم تم توقيفهم خلال الأسابيع الأخيرة، بعد موجة الحرائق التي طالت ولاية تيزي وزو، والجريمة التي راح ضحيتها الناشط والمتطوع جمال بن إسماعيل.

ونقلت تلك التقارير عن موقع “لوفيغارو نيوز” رفض السلطات الفرنسية تسليم الانفصالي فرحات مهني لنظيرتها الجزائرية استنادا إلى ما أسماه بـ”مصدر مسؤول”، وهو ما لم يتم نفيه أو تأكيده بشكل رسمي من طرف السلطات الفرنسية، إلا أنه اعتبر تمهيدا لعدم تعاون الفرنسيين مع نظرائهم الجزائريين، مما يفاقم حالة الفتور التي تخيم على العلاقات بين الجانبين، لاسيما وأن المصدر أكد على أن “فرنسا ترفض الطلب الجزائري شكلا ومضمونا”.

وفيما أبدى فرحات مهني في تدوينة له على حسابه الرسمي بفيسبوك أنه “مستعد لتسليم نفسه للسلطات الجزائرية، إذا أثبتت دليلا واحدا على تورطه في الحرائق أو الجريمة التي وقعت في ولاية تيزي وزو “، فإن النائب العام لمحكمة عبان رمضان بالعاصمة سيد أحمد مراد أعلن مؤخرا عن إصدار مذكرة توقيف دولية في حق زعيم “ماك” بعد ثبوت تورطه في الأحداث المذكورة.

وصنفت السلطات الجزائرية الحركة المذكورة كتنظيم إرهابي رفقة حركة رشاد الإسلامية خلال الأسابيع الأخيرة، وفتحت حملة توقيفات واسعة في صفوف أنصارهما ومناضليهما في إطار ما أسماه المجلس الأعلى للأمن (هيئة استشارية) بـ”استئصال جذور التنظيمين الإرهابيين”، غير أن تواجد النواة الأساسية لهما في عواصم أوروبية جعل خيار السلطة يصطدم بحكومات تلك الدول وعلى رأسها فرنسا، عكس سلطات إسبانيا التي دخلت في خط تعاون مع نظيرتها الجزائرية وقامت بتسليمها الدركي الفار محمد عبدالله.

تقارير إعلامية نقلت رفض فرنسا تسليم الانفصالي فرحات مهني للجزائر ما اعتبر تمهيدا لعدم تعاون الفرنسيين مع الجزائر

وامتعنت السلطة الجزائرية عن تجديد عقد مجمع “سويز” الفرنسي لتسيير قطاع المياه والتطهير، وكلفت فريقا من شركة “سيال” للاضطلاع بالمهمة بقيادة كل من إلياس ميهوبي وأمين حمادن، لتنتهي بذلك هيمنة الفرنسيين على واحد من أهم القطاعات الحساسة في البلاد، خاصة في ظل أزمة الماء الصالح للشرب التي تعاني منها خلال هذه الصائفة، وظهور اتهامات للمجمع بتوظيف الخدمة لتأليب الشارع على السلطة العمومية.

وجاءت الخطوة بالموازاة مع دخول العلاقات الجزائرية – الفرنسية نفقا مسدودا خلال الأشهر الأخيرة بسبب خلافات ظهرت بين الطرفين حول عدد من الملفات، مما أدى بالطرف الجزائري إلى إرجاء زيارة وفد إليها رفقة رئيس الوزراء الفرنسي على خلفية عدم ارتقائه إلى المستوى البروتوكولي الجاري في مثل هذه الحالات.

وكان رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستاكس يعتزم القيام بزيارة رسمية إلى الجزائر خلال شهر أبريل الماضي، غير أن الزيارة تأجلت إلى أجل غير مسمى بسبب ما سمي بـ”انزعاج الجزائر من مستوى التمثيل والحضور الرسمي في الوفد، الذي كان يود لقاء مسؤولين كبار في الدولة”.

ودخلت العلاقات بين الطرفين في حالة فتور يسير إلى المزيد من البرودة في ظل التطورات المستجدة على مستوى عدم تعاون باريس في قضية المطلوب الأول للقضاء الجزائري، وعدم تجديد الجزائر لعقد التسيير لمجمع “سويز”، رغم مرور خمسة عشر عاما على إدراته لقطاع تسيير وتطهير المياه في الجزائر.

وتتواجد نحو أربعمئة شركة فرنسية على التراب الجزائري في إطار عقود استغلال وتسيير واستثمار، ولا يستبعد أن تتأثر بتدهور العلاقات السياسية بين البلدين في الآونة الأخيرة، خاصة في ظل التقارب الجزائري مع تركيا والصين وبشكل أقل مع روسيا، وهي العواصم التي تريد زحزحة الهيمنة الفرنسية على ما تراه إحدى أكبر الأسواق الاقتصادية والتجارية في القارة السمراء.

ولم تشفع الانطباعات الإيجابية التي يبديها من حين لآخر الرئيسان عبدالمجيد تبون وإيمانويل ماكرون عن بعضهما البعض، لعلاقات البلدين من دخول نفق مسدود، لاسيما وأنه وجد في خطاب شعبي معاد للفرنسيين في الجزائر غذاء له، كما تدعم بتوجهات في هرم السلطة تسير نحو التقارب مع تركيا والصين وروسيا، وهو ما تجلى في قوافل صحية متتابعة من بكين وموسكو لتوفير حاجة الجزائر من اللقاح والمستلزمات الطبية، عكس باريس التي لم تبد أي تعاون في هذا المجال.

ويبدو أن التغريدة التي نشرها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول إرسال بلاده لـ”طائرتي إطفاء نيران إلى القبائل” بدل الجزائر رسالة حملت إشارات مقلقة للسلطات الجزائرية، خاصة وأنها تزامنت مع ذروة خطاب إثني وعرقي هدد بفتنة أهلية، كما تماهت مع المشروع الانفصالي الذي تتبناه حركة “ماك”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: