الجزائر أمام تحدي جلب زعيم حركة “ماك” الانفصالية من باريس

بليدي

شرع الأمن الجزائري في توقيف عناصر ينتمون إلى حركة “ماك” (تنظيم استقلال القبائل)، التي تم تصنيفها كحركة إرهابية إلى جانب حركة “رشاد”. كما أصدر مذكرة توقيف دولية في حق زعيم الـ”ماك” المؤسس فرحات مهني، المقيم على التراب الفرنسي، وهو ما يترجم نية السلطة في استئصال جذور التنظيمين، بسبب الأخطار التي يشكلانها على الأمن القومي، بحسب ما صدر عن هيئة المجلس الأعلى للأمن في اجتماعها الأخير.

وكشفت مصادر متطابقة عن توقيف الأمن الجزائري لرئيسة المؤتمر العالمي للأمازيغية قميرة نايت سيد، بمقر إقامتها في محافظة تيزي وزو، وإحالتها إلى القضاء الذي أمر بإيداعها السجن المؤقت، بعدما وجّه لها عدة تهم، أهمها علاقتها مع حركة “ماك” الانفصالية.

كما ذكرت تقارير محلية، عن توقيف سليمان بوحفص، في تونس، وينتظر تسليمه إلى السلطات الجزائرية لاحقا، كونه مطلوبا من طرف القضاء الجزائري بسبب انتمائه للحركة المذكورة التي وجهت لها ولحركة “رشاد” الإسلامية تهم مرتبطة بموجة الحرائق التي عاشتها البلاد خلال الأسابيع الأخيرة، والوقوف وراء الجريمة البشعة التي طالت الناشط والمتطوع جمال بن إسماعيل في بلدة الأربعاء ناث إيراثن في محافظة تيزي وزو.

وكان النائب العام لقضاء العاصمة سيد أحمد مراد قد كشف عن إصدار العدالة الجزائرية لمذكرة توقيف دولية في حق زعيم ومؤسس التنظيم الانفصالي فرحات مهني المقيم في فرنسا، إلى جانب عناصر قيادية أخرى تقيم في عواصم أوروبية، وهو ما يعكس نية السلطة في اجتثاث ما تصفهما بـ”التنظيمين الإرهابيين” الخطيرين والمهددين لأمن البلاد واستقرارها.

وظهرت حركة استقلال القبائل في مطلع الألفية، بعد ما عرف بـ”الربيع الأسود” على يد المناضل السابق في الحركات البربرية فرحات مهني، وذلك غداة سقوط نحو 130 قتيلا في صفوف شباب المنطقة، إثر مواجهات دامت للعديد من الأسابيع خلال العام 2001.

فرحات مهني تريد السلطات الجزائرية أن تمسح فيه فشلها في أزمة الحرائق

وكانت حركة “العروش” الأمازيغية هي التي تؤطر الاحتجاجات، قبل أن يعلن عن تأسيس “ماك” ويكشف عن نضاله من أجل استقلال منطقة القبائل التي حصرها في محافظات البويرة وبجاية وتيزي وزو، إلى جانب أجزاء من محافظات بومرداس وبرج بوعريرج وسطيف.

وظل الزعيم المؤسس يعتبر أن “الجزائر استعمار للقبائل يتوجب التحرر منه، وأنه لا جدوى من البقاء تحت سلطتها”. كما أقام علاقات مع دوائر أهلية وشبه رسمية في العديد من العواصم، فضلا عن ربطه لاتصالات مع إسرائيل، حيث زار تل أبيب في العديد من المرات.

وتتوجه أنظار المتابعين إلى مدى قدرة السلطات الجزائرية على جلب المطلوب الأول لديها وإحالته على القضاء، كونه يقيم على التراب الفرنسي، لاسيما وأن باريس لم تبد أيّ تعاون إيجابي مع الجزائر في قضية تسليم المطلوبين، حيث لا زالت تتلكأ في تسليم الناشط المعارض المطلوب بشدة للسلطة الجزائرية أمير بوخرص والمكنى بـ”أمير دي زاد”.

ونقلت تقارير محلية عن رئيس النقابة الوطنية للقضاة يسعد مبروك قوله إن “عملية تسليم الانفصالي فرحات مهني، وكل المشتبه فيهم من حركتي ماك ورشاد الإرهابيتين المطلوبين لدى الجهات القضائية يتطلب تحركا دبلوماسيا وقضائيا عالي المستوى ومرتبطا بثقل الملفات والأدلة التي تقدمها الجزائر”.

ولم يستبعد المتحدث أن تواجه طلبات التسليم صعوبات لدى الدول التي لا تملك الجزائر معها اتفاقيات التعاون في مجال تسليم الهاربين، ولأن الطلب غالبا ما يرتبط بحسابات سياسية واقتصادية”، في إشارة إلى النصوص والمواثيق الدولية التي تعالج حالات ما يعرف بالناشطين السياسيين المعارضين.

وكانت الجزائر قد استلمت مؤخرا ضابط الصف الفار من جهاز الدرك إلى اسبانيا العام 2018، وفق اتفاق غير معلن بين سلطات البلدين، تجاوز الإجراءات القضائية التي باشرها الرقيب الأول محمد عبدالله بعد توقيه من طرف الأمن المحلي في مدينة برشلونة.

ولا يستبعد أن تستلم الجزائر وجوها أخرى من فارين ومقيمين فوق التراب الإسباني، لاسيما بعد توقيف ناشط ثان محسوب على حركة رشاد، يتخذ من العمل الخيري غطاء لنشاطه المعارض لسلطات بلاده من التراب الإسباني.

وذكر نقيب القضاة يسعد مبروك بأن “تسليم المطلوبين لدى القضاء الجزائري سيخضع للعديد من العوامل أبرزها الاتفاقيات القضائية فيما يخص تسليم واستلام المطلوبين من العدالة وهذا بالنسبة إلى الدول التي لدينا معها اتفاقيات، أما التي لا تملك الجزائر معها اتفاقيات في هذا الخصوص فإنها ستخضع للقنوات الدبلوماسية، وكذا اتفاقية روما لمكافحة الجريمة المنظمة.

ولفت المتحدث إلى ضرورة “تكييف الجريمة فمن أجل تحقيق التجاوب من طرف الدول التي تأوي هؤلاء، يستوجب أن تكون الجرائم الموجهة إليهم مكيفة ومصنفة لدى تلك الدول كجريمة منصوص عليها في قانونها وتخضع للعقوبة”.

وعن زعيم ومؤسس حركة “ماك”، ذكر مبروك أن “التنظيم مصنف محليا ضمن التنظيمات الإرهابية، لكن لمفهوم الإرهاب مفاهيم متباينة بين الدول، فهناك من يصنفه كنشاط أو سلوك سياسي، وبالتالي لن تقبل تسليم المطلوبين بجرائم سياسية، وهنا سيقع التنازع وتطول الإجراءات، خاصة في حال وجود جنسية للبلد الحامي، أو في حال تنازل فرحات مهني عن الجنسية الجزائرية”.

وفيما شدد يسعد مبروك على ضرورة الأدلة الدامغة وتقديم الضمانات الكافية للمحاكمة العادلة، فإن المحامي عبدالرحمن صالح أبدى تفاؤلا في تصريح لموقع “شهاب برس” المحلي، بشأن تسليم باريس فرحات مهني للسلطات الجزائرية، وبرر ذلك بـ”اتفاقية تبادل وتسليم المطلوبين بين الطرفين”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: