الأحزاب المغربية تغرق في موجة جديدة من الشعبوية مع اقتراب الانتخابات

ماموني

مع انطلاق حملة الانتخابات البرلمانية والمحلية في المغرب، تحاول الأحزاب استمالة الناخبين بإغراقهم بالوعود التي عجزت عن تحقيقها في السابق، وفيما تريد الأحزاب الكبرى الحفاظ على مواقعها، يتوقع متابعون أن يعاقب الشارع نخبه السياسية في الانتخابات المرتقبة في ظل الفشل في تحسين أوضاعهم الاجتماعية والمعيشية.

انطلقت الخميس في المغرب حملة الانتخابات البرلمانية والمحلية المقررة في الثامن من سبتمبر التي من شأنها أن تفرز حكومة جديدة بعد انقضاء ولاية الائتلاف الحالي بقيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامي.

وتشتد المنافسة على تصدر نتائج الانتخابات التشريعية بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار بقيادة وزير الفلاحة عزيز أخنوش. كما يبرز في المشهد السياسي كقوة انتخابية كلٌ من حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال (معارضان).

وعرضت أحزاب عديدة مثل الحركة الشعبية والعدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة وغيرها من التنظيمات السياسية مع بداية الحملة الانتخابية في برامجها الانتخابية وعودها السابقة والتي عجزت عن تحقيقها في محاولة أخرى لاستمالة الناخبين مثل محاربة الفساد، وتقديم دعم مالي مباشر للفقراء والتخفيض في فواتير الكهرباء في القرى وتحسين ظروف السكن، وتوسيع شبكة المدارس.

وركز البرنامج الانتخابي لحزب الحركة الشعبية المشارك في التحالف الحكومي على ما أسماه بـ“إرساء أسس العدالة الترابية” من أجل النهوض بالعالم القروي وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، والحاجة إلى الدعم المباشر لصغار المزارعين، ومحاربة البطالة وتبسيط حصول الشباب على القروض الصغرى وتشجيع إحداث التعاونيات، والارتقاء بالمنظومة الصحية.

ولكي يتحلل من مسؤولية حزبه عن تحقيق ما وعد به خلال الولاية السابقة وجه محمد أوزين عضو المكتب السياسي للحزب انتقادات شديدة اللهجة للتحالف الحكومي الذي شارك فيه حزبه بقيادة العدالة والتنمية، معتبرا أن حزبه خرج “محبطا” من هذه التجربة.

شريفة لموير: الأحزاب المغربية عجزت عن تطوير أساليب عملها

وعبر الوزير السابق للشباب والرياضة خلال تقديم البرنامج الانتخابي للحزب عن عجز حزبه عن تجسيد رؤيته خلال المشاركة في التحالف الحكومي، مرجعا هذا العجز إلى ما وصفه بـ“البلقنة الحكومية”، وقال “لم نستطع على ضوء البلقنة الحكومية أن ننزل الرؤية الحركية المبنية على الإنصاف المجالي من أجل السعي للمناصفة المجالية”.

ويجمع متابعون على أن جل الأحزاب تكرر وعودا انتخابية لم تقدر على تحقيقها في الولاية السابقة، ففي الوقت الذي وعد حزب الحركة الشعبية ضمن برنامجه الانتخابي بتخصيص منحة بمبلغ 1000 درهم (مئة دولار) لكل أسرة معوزة، شدد حزب العدالة والتنمية على تعميم التعويضات العائلية لفائدة سبعة ملايين طفل في سن التمدرس، وتوسيع الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل لتشمل غير الموظفين سنة 2025، والإصلاح الشامل لسياسات التحفيز الاستثماري، ووضع نظام ضريبي أكثر عدلا وإنصافا.

ولاحظت الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير أن الأحزاب صبت كل اهتمامها على كيفية الاستفادة من التغييرات التي عرفتها القوانين الانتخابية، في حين تفتقد الكفاءات القادرة على طرح مشاريع جديدة تتناسب وطبيعة التحديات المستجدة، مشيرة إلى أن هذا ما جعل البرامج الانتخابية للمحطة الانتخابية الحالية نسخة عن برامج ووعود سابقة لم تنفّذ على أرض الواقع.

وأوضحت لموير في حديثها  أن كل هذا راجع بالأساس إلى موجة الشعبوية التي عرفتها الأحزاب السياسية التي ابتعدت عن تطبيق مقتضيات الدستور من حيث التأطير والتكوين لصالح المواطنين. وفي تقديرها فإن الخلل الذي تعيشه الأحزاب سينعكس على تعاطيها مع مختلف القضايا والمحطات على أرض الواقع.

ووعد حزب التجمع الوطني للأحرار في برنامجه الانتخابي الذي أطلقه الجمعة، بالعديد من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية، بينها إحداث “مدخول الكرامة” لفائدة المسنين، وتوفير الضمان الاجتماعي لكل العاملين، وتوسيع نطاق التغطية الصحية لتشمل الجميع، ومنح إعانات عائلية عن كل طفل، وخلق مليون منصب شغل مباشر، وتشجيع الإنتاج الوطني.

وتقاطع البرنامج الاقتصادي لحزب الأصالة والمعاصرة مع الحركة الشعبية في التركيز على أهمية الزراعة في ضمان الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية، من خلال بلورة ميثاق فلاحي وقروي جديد، إلى جانب الاتجاه نحو صناعة حديثة قادرة على المنافسة دوليا، وصياغة خطة لإنقاذ وإنعاش قطاع السياحة في ظل الجائحة.

وقال خبراء في الاقتصاد إن جل الأحزاب المغربية لا تعطي البرنامج الانتخابي الأهمية القصوى خصوصا في الشق الاقتصادي، حيث أن صياغة مضامينه تستدعي دراسة متأنية للإحصائيات وموارد الدولة وكذلك تصورات واقعية عن طبيعة مكونات الاقتصاد الوطني وإمكانياته، وهو ما يجعل تلك البرامج لا تحظى بفرصة تنفيذها وتظل مجرد وعود فضفاضة بمناسبة الانتخابات.

وربطت لموير بين ما جاءت به البرامج الانتخابية والتشابه في إجراءاتها وواقع المنظومة الحزبية التي تسبب تسييرها بمنطق الحزب الفرد في طرد الكفاءات وعجزها عن مواكبة الزمن الدستوري والمشاريع الكبرى، وبالتالي عجزت عن تغيير وتطوير أساليب عملها بما يساهم في الرفع من مستوى الأداء الحزبي وجودة التشريعات والسياسات العمومية. وبرأيها تميل الأحزاب إبان الحملة الانتخابية إلى الوعود المستنسخة عن محطات سابقة.

وعند تقديمه لبرنامج حزبه قال الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر إن الاتحاد ولد “من رحم مواجهة الفساد، ولم يخلق في المكاتب أو في الدهاليز المظلمة”، مشددا على أن ما طالب به الحزب هيمن على مجمل البرامج الانتخابية لجميع الأحزاب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية لهذه السنة.

المنافسة تشتد على تصدر نتائج الانتخابات التشريعية بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار بقيادة وزير الفلاحة عزيز أخنوش

ورغم تشابه برنامج الاتحاد الاشتراكي في عدد من الإجراءات التي وعد بها مع الأحزاب الأخرى، إلا أنه حاول التميز عن الآخرين بتعهّده بأنه في حالة تصدره للانتخابات سيقوم بـ”مراجعة المناهج والبرامج الدينية، بوصفها أولوية ضرورية ومدخلا تربويا حاسما يستطيع تحسين القدرات الذاتية وتقوية البناء المجتمعي والرفع من مستوى التنمية البشرية”.

وأكد الحزب اليساري المشارك في الحكومة على أنه سيعمل على اعتماد تدابير مواكبة تأخذ بعين الاعتبار مكونات المجتمع المدني المتدخلة في الجانب الديني (التربية الإسلامية، حفظ القرآن)، وتهم مختلف المجالات الاجتماعية المدعمة للوظيفة المدرسية، وخاصة الإعلام، والطفولة والشباب.

ويعيب متابعون على الاتحاد الاشتراكي أنه لم يقم بترجمة وعوده الانتخابية في الجولات الانتخابية السابقة أو من خلال موقعه داخل الحكومة الحالية، مؤكدين أن الاتحاد الاشتراكي يحاول الظهور بصورة المتميز عن الأحزاب الأخرى في بعض الإجراءات التي لا تحظى بالأولوية عند المواطن المغربي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: