استفزت الطريقة التي رد بها المغرب على قرار الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، والذي قابله هدوء رسمي وسخرية وتهكم على مواقع التواصل الاجتماعي، الجزائر ما دفعها إلى الإعلان عن استغنائها عن خط أنبوب الغاز المغاربي – الأوروبي الذي يمر من الجزائر عبر المغرب نحو إسبانيا.
وفي معرض سخرية ناشطين جزائريين ومغاربة من قرار قطع الجزائر علاقاتها مع المغرب على خلفية اتهامات بلا حد أدنى من الأدلة وزع ناشطون صورة لـ”ردّ” تصوروا أنه يستحق هذه المناسبة.
وجاء الرد، الذي نسخ صورة من شعار وزارة الخارجية المغربية وصمم ليبدو شبيها بالأصل، في شكل سلسلة طويلة من حرف الهاء “هههههههه” للسخرية من القرار.
ولم يشر وزير الخارجية رمطان لعمامرة خلال المؤتمر الذي أعلن فيه عن قطع العلاقات إلى خط الغاز رغم أنه تحدث بإسهاب عن دوافع الخطوة وما سيترتب عليها، ما يؤكد أن القرار اتخذ كرد فعل على البرود المغربي.
إدريس الفينة: شركة سوناطراك تعرف جيدا أن أنبوبا واحدا يشكل تهديدا لمصالحها
وأكد وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب الخميس أن جميع إمدادات الغاز الطبيعي الجزائري نحو إسبانيا ومنها نحو أوروبا ستتم عبر أنبوب “ميدغاز” العابر للبحر المتوسط.
وتزود الجزائر إسبانيا بجميع إمداداتها من الغاز عبر أنبوبي غاز، الأول أنبوب “المغرب العربي – أوروبا” وصولا إلى جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية منذ عام 1996.
أما الخط الثاني المعروف بـ”ميدغاز” فيمر مباشرة من بلدة بني صاف الساحلية غربي الجزائر إلى ألميريا جنوبي إسبانيا، وجرى تدشينه عام 2011، بطاقة نقل تقدر بـ8 مليارات متر مكعب سنويا.
وقال الخبير المغربي في القانون الدولي صبري الحو إن الجزائر تعتقد أنه بهذه الخطوة ستقوم بإنهاك ميزانية المغرب الذي تقدر أرباحه من مرور الخط عبر أراضيه بنحو 50 مليون دولار.
وأضاف الحو، “لهذا قامت الجزائر مؤخرا بمد خط وربطه مع الأنبوب القديم لدعم قدراته، والغاية هي الوصول قبل نهاية أكتوبر 2021 إلى القدرة على تلبية حاجيات إسبانيا من الغاز بعيدا عن أنبوب المغرب العربي الذي يمر عبر المغرب”.
واستنتج صبري الحو، في تصريح لـه، أن “النية كانت مبيتة منذ مدة والتربص بيّن وظاهر”.
واتفق خبراء في العلاقات الدولية على أن اليد الممدودة والردود الحكيمة ودبلوماسية المملكة المغربية استفزت أصحاب القرار الجزائري الذين لا يدخرون جهدا في الإضرار بمصالح المغرب، مؤكدين أن القرار سياسي ولن يخدم الجزائر في الضغط على المغرب.
وشدد الخبير الاقتصادي المغربي إدريس الفينة على أن القرار الجزائري موجّه فقط إلى الاستهلاك الداخلي لإظهار أن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية أحادي الجانب مع المغرب ولن يكن دون تبعات اقتصادية وأن المغرب يستفيد من الجزائر اقتصاديا ومرتبط بها. وذكَر أن “المغرب يتزود بالغاز من عدة دول، منها أساسا الولايات المتحدة وإسبانيا والنرويج”.
وتعليقا على القرار أكدت المديرة العامة للمكتب المغربي للهيدروكاربورات والمعادن أمينة بن خضرة، في تصريح لموقع “ماروك لوجور”، أن المغرب يدعم مواصلة عمل الأنبوب الذي ينقل الغاز من الجزائر نحو إسبانيا عبر التراب المغربي.
وأضافت أن المغرب أعرب عن موقفه من مسألة مواصلة العمل بأنبوب الغاز في محادثات خاصة وفي تصريحات علنية، مؤكدة أنه يمثل أداة للتعاون الإقليمي.
ومن المنتظر أن ينتهي الاتفاق الثلاثي بين الجزائر والرباط ومدريد في الحادي والثلاثين من أكتوبر المقبل، ويضمن الأنبوب وصول الغاز من الجزائر إلى إسبانيا والبرتغال عبر المغرب، ويسمى “أنبوب غاز المغرب العربي”.
ولمّحت وسائل إعلام جزائرية سابقا إلى أن الجزائر تتجه لفرض شروط تعاقدية جديدة على المغرب لتسويق كميات من الغاز تبلغ 1 مليار متر مكعب سنوياً، بالنظر إلى إمكانية تلبية حاجيات إسبانيا والبرتغال من الغاز عبر خط أنابيب “ميدغاز”، معتبرة أن الرباط ستفقد ميزة حقوق العبور وستكون ملزمة بالشراء وفق شروط جديدة تفرضها الجزائر وبمنطق السوق التي ارتفعت أسعارها بنسبة 640 في المئة.
وعلى مستوى الإجراءات التي قد يلجأ إليها المغرب أكد إدريس الفينة أنه بعد القرار يجب العودة إلى الاتفاق الذي يجمع شركة سوناطراك والأطراف المغربية، وهو الاتفاق الذي تؤطره التشريعات الدولية، موضحا أنه إذا كان هناك أدنى خرق لبنود هذا الاتفاق فمن حق المغرب -أو الأطراف المعنية- المطالبة بتعويضات لجبر الأضرار التي ستلحقه.
واعتبر الفينة أن هذا القرار ليس في صالح الجزائر، إذ أن شركة سوناطراك تعرف جيدا أن أنبوبا واحدا يشكل تهديدا لمصالحها، والإبقاء على الأنبوب الرابط مع المغرب أمر ضروري لسوناطراك ولو كان ذلك من باب الاحتياط واستباق حالة تعرض الأنبوب الذي يمر من الجزائر نحو إسبانيا مباشرة لأي حادث طارئ.
في المقابل يعتقد صبري الحو أن الجزائر تناور كي لا يضغط المغرب لمراجعة أسعار المرور لأنه ابتداء من مارس القادم ستصبح البنية التحتية مِلكا للمغرب، ومن ثم فإن حقوق المرور ستكون محل مراجعة لإضافة سعر البنية التحتية.