الخبر الأفغاني متعدد الأوجه في الإعلام الغربي

حنان الفاتحي

يغلب الشك وانعدام اليقين على تغطية وسائل الإعلام الغربية للأحداث في أفغانستان، إذ يرافق كل خبر عدد كبير من التحليلات والتفسيرات إلى جانب تحميل أطراف سياسية مسؤولية ما يحدث، فيما لا تجد وسائل أخرى حرجا في الانحياز الواضح والتضليل.

لم تكن التغطية الإخبارية لوقائع سيطرة طالبان على أفغانستان طوال الأيام الماضية بمنأى عن التضليل والدعاية والتكهنات في أفضل الأحوال، حتى من قبل وسائل الإعلام الدولية والرسمية، التي تعاملت مع الخبر الأفغاني من منظور مصالح دولها السياسية.

ووصل الأمر ببعض وسائل الإعلام إلى ارتكاب “سقطة مهنية” وتجاهل جميع المعايير الصحافية في تغريدة واحدة كما فعلت قناة “آر.تي” الروسية الرسمية عندما نشرت صورة لعائلة أفغانية عدلتها عبر برنامج فوتوشوب وأضافت لها فقط أسلحة لدعم تكهناتها بأن الإرهاب يدخل إلى أوروبا مع اللاجئين الأفغانيين.

واضطرت القناة الروسية لحذف التغريدة التي أثارت ضجة واسعة وانتقادات للقناة بعدم المهنية والحياد، لكنها بقيت موثقة بعد مشاركتها على نطاق واسع.

وإثر موجة التنديد والاستنكار على مواقع التواصل الاجتماعي، بررت القناة تصرفها في تغريدة أخرى قالت فيها “نشرنا مؤخرا على حسابنا على تويتر صورة معدلة بالفوتوشوب للاجئين الأفغان الفارين من كابول بأسلحة مثبتة في حقائب الظهر. وبينما كان المقصود منها السخرية، فقد انتهى الأمر إلى التضليل وانعدام الذوق”.

كريستين هرافنسون: وسائل الإعلام الرئيسية حول العالم لم تدرك الأكاذيب التي أطالت الحرب منذ فترة طويلة

غير أن القناة الروسية ليست الوحيدة التي واجهت الاتهامات بالانحياز والتضليل، إذ أن الإعلام الغربي هو الآخر تعرض لانتقادات عديدة في التعاطي مع الشأن الأفغاني، حيث شنّ الصحافي البريطاني جورج مينيوت هجوما بلهجة ساخرة على وسائل الإعلام الغربية، في مقال نشره في صحيفة الغارديان، وقال فيه إن وسائل الإعلام الغربية كان لديها “إصرار محموم” على التأكد من عدم إلقاء اللوم على من أشعلوا هذه الحرب المفتوحة، من دون أن تكون لديهم أهداف واقعية أو خطة خروج، بل من دون اكتراث من قبلهم لأرواح الشعب الأفغاني وحقوقه.

وأشار مينيوت إلى بعض الأمثلة في الصحافة البريطانية؛ فصحيفة التلغراف دعت إلى الابتهاج عندما اجتاحت قوات التحالف كابول. أما صحيفة ذي صن فقد أقالت في افتتاحية تحت عنوان “عار الخونة: خطأ ثم خطأ ثم خطأ، من الحمقى الذين قالوا إن الحلفاء تعرضوا لكارثة”.

وصرح رئيس تحرير موقع ويكيليكس كريستين هرافنسون بأن وسائل الإعلام الغربية “تواطأت” في إخفاء حقيقة الحرب الأفغانية، ما سمح بتعزيز تلك “الكذبة غير العادية طوال هذه المدة”.

وأضاف هرافنسون في تصريحات نقلتها “آر.تي” الحريصة على انتقاد الإعلام الغربي، أن حملة الحرب التي شنتها واشنطن منذ 19 عاما في أفغانستان كانت “كذبة كبيرة” لم يستفد منها سوى المجمع الصناعي العسكري الأميركي ومقاولي القطاع الخاص. ولا يعد الانسحاب الفوضوي الراهن مفاجأة، لكن وسائل الإعلام الرئيسية حول العالم لم تدرك الأكاذيب التي أطالت الحرب منذ فترة طويلة.

وكان موقع ويكيليكس قد نشر مجموعة من الوثائق التي “رسمت جميعها صورة حقيقية لما كان يحدث في أفغانستان قبل 11 عاما”.

ويعد التسريب الذي نشرت خلاله ويكيليكس 91 ألف وثيقة من أكبر التسريبات في تاريخ الجيش الأميركي، حيث تصدرت تلك التسريبات عناوين الصحف في ذلك الوقت، مما أدى في النهاية إلى اعتقال ومحاكمة المبلّغين عن المخالفات، تشيلسي مانينغ، ووضع موقع ويكيليكس ومؤسسه جوليان أسانج في مرمى نيران واشنطن.

وعلى الرغم من كشف تلك الوثائق، إلا أن التصور العام عن الحرب الأفغانية لم يتغير، وأشار هرافنسون إلى أن “الأكاذيب استمرت بشكل مذهل”. وتابع “من المدهش أن يستمر الأمر طوال هذا الوقت”، ثم أصبحت تلك الحرب “حربا منسية”، بعد أن طغت عليها مغامرة عسكرية أميركية أخرى وهي الحرب في العراق.

Thumbnail

واتهم وسائل الإعلام الغربية، التي لم تعر أي اهتمام بالواقع، بأنها “متواطئة في إخفاء هذه الحقائق”، والسماح بتدهور الوضع. وأضاف “هناك الكثير من عمليات المواجهة مع الذات تدور في ذهن المرء، والتي يتعيّن على الصحافيين عادة القيام بها”.

وتابع رئيس تحرير ويكيليكس “إن الحرب الدائرة الآن هي الحرب على الصحافة، والحرب على  أسانج الذي لا يزال يتعيّن عليه قضاء بعض الوقت في السجن في لندن، في محاكمة سياسية لا تتعلق بالقانون”. وتساءل “هل الحقيقة مهمة هناك؟ أشك في ذلك”.

وفيما يلقي هؤلاء باللوم على وسائل الإعلام الغربية في تجاهل الأحداث السابقة التي تسببت بما حدث في أفغانستان، يشير آخرون إلى أن وسائل الإعلام مازالت تعيش حالة من عدم اليقين في تغطية الأخبار، وتميل إلى التكهنات والتحليلات والتنبؤ بالمستقبل أكثر من نقل الأحداث والوقائع، والحديث عن اتفاقيات تحت الطاولة.

وركزت تغطية الإعلام الأميركي بشكل مكثف على صور الفوضى في مطار كابول وتكدس الآلاف حول الطائرات، إلا أنه كان هناك اختلاف واضح بين تغطية المحافظين وتغطية الليبراليين. وانعكس الاستقطاب في الحياة السياسية الأميركية على التغطية الإعلامية للمنصات القريبة من هذا الحزب أو ذاك، وهناك من يدعم فكرة التعاون مع طالبان، وهناك من يرفضها بصورة قاطعة.

وقد هاجمت وسائل الإعلام المحافظة والقريبة من الحزب الجمهوري مثل “فوكس” الإخبارية قرار الرئيس جو بايدن بالانسحاب، بينما حاولت “سي.إن.إن” أن تظهر متوازنة مع توجيه بعض الانتقادات البسيطة لبايدن بسبب فوضى عملية الإجلاء في المطار.

والأمر لم يختلف في وسائل الإعلام العربية التي كانت تغطيتها متناسبة مع المواقف السياسية للدول التي تنتمي إليها، وتدعم تحليلاتها واستنتاجاتها بما يتم تداوله في الإعلام الغربي وعلى منصات التواصل الاجتماعي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: