توالي ردود الفعل على قرار الحكومة الجزائرية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع البلد المغاربي الجار
الطويل
توالت ردود الفعل في المغرب على قرار الحكومة الجزائرية، أول أمس، قطع علاقاتها مع البلد المغاربي الجار، واختلفت ما بين التحليل السياسي والتدوينات الساخرة؛ لكنها أجمعت في الأخير على أن الخاسر من ذلك القرار هو الوحدة المغاربية والتقارب ما بين الشعبين الشقيقين اللذين تربطهما أواصر الدم والأخوة والثقافة والنضال المشترك ضد المستعمر الفرنسي.
وفي تصريح صحفي اعتبر الأكاديمي المغربي الدكتور إدريس لكريني، مدير “مجموعة الدراسات الدولية وتحليل الأزمات”، أن إقدام السلطات الجزائرية على قطع علاقاتها مع المغرب “يمثل مجازفة خطيرة، على اعتبار أولاً أن الأمر لا يجد له مبرراً موضوعياً، بالنظر إلى المواقف المغربية التي طرحت على أعلى مستوى، منذ عدة سنوات وخصوصاً من خلال خطابات العاهل المغربي، آخرها مبادرة اليد الممدودة لفتح الحدود وإرساء حوار يقطع مع مختلف الخلافات القائمة بين البلدين، والانكباب على القضايا الحقيقية للشعبين في أفق إرساء تعاون اقتصادي متين ودعم البناء المغاربي، مع التأكيد على أن المغرب لا يمكنه أي يسيء إلى الجزائر بأي شكل من الأشكال”.
وأضاف أن القرار الجزائري الجديد “يتناقض مع الشعوب المغاربية المتطلعة إلى التواصل وتعزيز المشترك والاستفادة من المقومات والإمكانيات المتاحة، لمواجهة تحديات مشتركة”.
كما أنه وفق المتحدث نفسه “يكرّس الفرقة والخلافات بما يتناقض مع التحديات المطروحة في المنطقة على المستويات الأمنية وعلى ومستوى تنامي التهافت الإقليمي والدولي على المنطقة، خصوصاً ما يجري في ليبيا وتونس، ومن ثم لا يمكن فهم القرار إلا في سياق ما يسمى “الإدارة بالأزمات” أو محاولة التنفيس على الضغوط التي تواجه القائمين على صناعة القرار في الجزائر، وخصوصاً من حيث تنامي معضلات اجتماعية ووجود إشكالات اقتصادية حقيقية، ووجود ارتباكات على مستوى تدبير جائحة كورونا، بالصورة التي اعتاد عليها الفاعل السياسي الجزائري بمحاولة تصريف الأزمات نحو الخارج”.
واستطرد الأكاديمي المغربي قائلاً إن “هذا الأمر ليس جديداً، فقد ظهر في كثير من المحطات السابقة، عندما كان يتم الترويج للمغرب وكأنه عدو حقيقي للجزائر، في حين أن العدو الحقيقي للجزائريين هو مَن يتخذ قرارات ضد مصالحهم، العدو الحقيقي للجزائريين هو الفقر والإرهاب والإشكالات العابرة للحدود وتفشي المخاطر في أبعادها الصحية والاقتصادية والاجتماعية. أما المغرب فهذا البلد الجار، فقد سبق أن أعطى إشارات واضحة من أعلى مستوى بأنه لن يكون أبداً ضد مصالح الجزائر، وعياً منه بأن استقرار المغرب لن يكون إلا باستقرار الجزائر والعكس صحيح”.
واعتبر أن “إرساء قرارات غير محسوبة، يمثل مغامرة وإساءة لشعوب المنطقة؛ ولا يمكن كسب رهانات المستقبل بمثل هذه القرارات التي تضع جانباً مصالح الشعوب المغاربية، وترهن مستقبل الأجيال القادمة بمزيد من التوتر والخلافات”.
وأعرب عن اعتقاده بأن “التاريخ سيسجل يوماً أن المغرب كان يمد يده باستمرار، في حين أن الطرف الآخر كان دائماً يشتغل بمنطق الأزمات ومنطق الصراعات وإرباك الأوضاع في المنطقة المغاربية وإرجاع الأمور إلى البداية”.
أما الباحث والمفكر الدكتور إدريس الكنبوري فلاحظ أن المبررات التي ذكرها وزير الخارجية الجزائري غير منطقية. فقد برر قطع العلاقات الدبلوماسية بحرب الرمال 1963 وهي مرت عليها حوالي ستين سنة. وذكر أيضاً قضية التجسس بيغاسوس وقد مضى عليها شهور، مما يعني أنه لا توجد مبررات معقولة سوى إغلاق أي باب أمام المصالحة ولمداراة الحرج الذي أصيب به النظام الجزائري نتيجة الدعوات الملكية المتكررة للمصالحة وفتح الحدود.
وتابع في حديثه قائلاً: “أعتقد أن طبيعة أي نظام عسكري هي إيجاد عدو خارجي قريب، فإذا لم يوجد هذا العدو صنعوه صنعاً. وهذا حال النظام الجزائري الحالي الذي ما يزال يتصرف بعقلية الحرب الباردة وظروف الستينات”.
وأكد أن المقاربة المغربية كانت واضحة في التفريق بين قضية الصحراء وموضوع فتح الحدود والمصالحة، انطلاقاً من مبدأ عدم الخلط بينهما، وهو ما يرفضه النظام الجزائري، وفق المتحدث نفسه، مضيفاً أن “موقف المغرب هو أن ملف الصحراء بيد الأمم المتحدة، ولو تأملنا الموقف لوجدنا أن فيه نوعاً من تبرئة النظام الجزائري من التورط في نزاع الصحراء، بحيث تكون العلاقات بين البلدين طبيعية، لكن مع النزول عند الشرعية الدولية، بينما نلاحظ أن الدولة الجزائرية برفضها المصالحة تعلن بأنها جزء من النزاع”.
عمل غير ودي
وصرح الأكاديمي والمحلل السياسي محمد بودن قائلاً إن قرار السلطات الجزائرية بقطع العلاقات مع المغرب عمل غير ودي تجاه إرادة الشعوب المغاربية التي ظلت تطمح لتحقيق الحلم المغاربي، وبالرغم من أن القرار الجزائري لا يمثل مستجداً بفعل تدهور العلاقات بين البلدين منذ سنوات، إلا أنه يمثل إكراهاً كبيراً أمام العمل الجماعي في المنطقة.
وتابع: “قرار السلطات الجزائرية بقطع العلاقات مع المغرب يعاكس منطق التاريخ المشترك والدين واللغة وغيرها من القواسم المشتركة، ويجرّ المنطقة إلى الخلف، بل يؤكد أن مروحة الإشارات الجزائرية معطلة ولا تلتقط الإشارات لا في الداخل ولا من الخارج، فضلاً عن كونها غير قادرة على تطوير معالم سياسية خارجية مثمرة”.
ولاحظ أن قطع العلاقات يمثل الوجه السلبي للعلاقات الدولية، مؤكداً أن “الجزائر عملت بشكل منهجي على تدهور العلاقات بين البلدين وعلى عدم اعتبار مبادئ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”.
وشدد على أن المغرب تمسك منذ سنوات برغبته في الحوار مع الجزائر، وكان سباقاً لدعوتها إلى حوار بجدول أعمال مفتوح، لكن الجزائر ظلت مترددة في الرد، ولم تقدر هذا الجهد، بل فضلت خيار جمود العلاقات المغربية الجزائرية في أدنى مستوى لها، وهذا واضح على مستوى أرقام التبادل التجاري بين الدول المغاربية وعدم وجود معبر إنساني يؤمن اللقاءات العائلية بين مواطني الحدود الشرقية للمغرب والغربية للجزائر.
ومضى بودن قائلاً إن “المغرب أقام الحجة على السلطات الجزائرية في أكثر من مرة عبر سياسة اليد الممدودة وعرض المساعدة على الجزائر لمواجهة الحرائق الأخيرة، لكن الجزائر لم ترغب في مسار يمكنه أن يؤدي إلى أفق تصالحي بين البلدين”.
وفي تقديره، فإن “بصيرة الدبلوماسية الجزائرية غيبت الفرص التي كان بالإمكان تحقيقها بالنقاش والتشاور حول القضايا العالقة، وفصل الآثار السياسية لواقع العلاقات عن الآثار الإنسانية والاقتصادية وتحمل الأعباء الأمنية بشكل منسق”.
وأضاف أن “السلطات الجزائرية لم تكن جادة ومستعدة لمباشرة الحوار الذي يلزمه قدر كبير من الواقعية والمساعي البناءة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، فبعدما كانت الجزائر تؤكد أنها لا علاقة لها بملف الصحراء المغربية، لم تكتف بإصدار مواقفها بل تجاوزت ذلك للمس بمشاعر الشعب المغربي الذي يتبنى ملف الصحراء كمسألة وجودية عبر جعل دبلوماسيتها وإعلامها في خدمة ما يضر بأسبقيات المغرب وقضيته الأولى”.
وفي الآونة الأخيرة، يتابع المتحدث نفسه، ابتكرت منطقاً جديداً في مجال الدبلوماسية عبر محاسبة المغرب على خياراته ومؤاخذة المغرب على تصريحات وزير خارجية دولة إسرائيل رغم أنها تشترك مع إسرائيل العضوية في الأمم المتحدة وفي منظمات إقليمية أخرى.
كما أن الجزائر لم تلجأ لقطع العلاقات مع فرنسا التي تحتضن الحركة من أجل تقرير مصير القبائل (الماك) ولا مع بريطانيا التي تستقبل قيادات من حركة رشاد ولا التشيك التي تستقبل عدداً من أبناء منطقة القبائل وجاءت بذرائع انفعالية وعبثية لقطع العلاقات مع بلد جار.
وقال إن السلطات في الجزائر لا ترغب في الاعتراف بالخطأ التاريخي الذي اقترفته في حق 350 ألف مواطن مغربي و45 ألف عائلة مغربية تم تشريدها وطردها من الجزائر في عيد الأضحى سنة 1975.
وختم محمد بودن حديثه بالقول: “المغرب يتطور في محيطه، حقيقة لا جدال فيها، ولذلك فالجزائر ليس لها اليوم أن تتهم المغرب أو تزعم بتدخله في سيادتها، لأن الحدود مغلقة والعلاقات تم قطعها من جانب واحد. المغرب بدون شك سيلعب دوره كاملاً مع الشعب الجزائري وسينظر للمستقبل طالما أن الواقع لا يسمح بابتعاد المغرب عن جيوبوليتيك المنطقة”.
علاقات شبه مقطوعة
وفي تصريح مصوّر، قال البرلماني السابق عادل بنحمزة، القيادي في حزب “الاستقلال” المعارض، إن القرار الجزائري ليس جديداً، باعتبار أن العلاقات بين البلدين شبه مقطوعة منذ 1994، ليس هناك أي تعاون بين البلدين، بإصرار من القيادة الجزائرية نفسها. ولاحظ أن هذا القرار يوضح أن النظام الجزائري محرج من المبادرات المغربية ومن اليد الممدودة، وهو بهذا القرار يسعى إلى قطع كل إمكانية لإعادة بناء علاقات طبيعية بين البلدين.
وأردف أن “المغرب متضرر من الجزائر منذ 1975، فهناك ميليشيات مسلحة توجه أسلحتها إلى المغرب انطلاقاً من الأراضي الجزائرية، ومع ذلك ظل المغرب متشبثاً باليد الممدودة.
وأعرب عن اعتقاده بأن قرار قطع العلاقات مع المغرب “مسألة جزائرية داخلية”، مشيراً إلى أن “النظام الجزائري ما زال غارقاً في سرديات الحرب الباردة، وما زال يحتاج إلى عدو خارجي، وليس له من عدو مثالي أكثر من المغرب”، واستدرك بالقول إن “هذا الأمر لا يمكن أن ينطلي على الشعب الجزائري، فهو يتابع ويعرف الحقيقة. وبالتالي أعتقد أن هذا القرار هو عنوان أزمة في الجزائر”.
وختم تصريحه بالقول: “المغرب له توجه استراتيجي، إذ يعتبر أن المنطقة ينبغي أن تواجه تحديات بشكل مشترك، ويجب أن يكون هناك اتحاد مغاربي لهذا الغرض، ولكن القيادة الجزائرية غائبة عن هذا التوجه ولا يمكن أن تبني فكراً استراتيجياً أو تتجه نحو المستقبل”.
وغصت شبكات التواصل الاجتماعي الافتراضية بتعليقات في الموضوع، حيث كتب الباحث والمؤرخ أحمد الشرقاوي: “حكام الجزائر يلجأون إلى أي حلول لتصدير أزماتهم الداخلية المتعددة والمزمنة، وإيجاد متنفس لها خارج البلاد”.
ويرى الأديب والناقد فؤاد زويريق أن “قطع العلاقات مع المغرب هو قرار يهم النظام الجزائري وحده ولا يهم الشعب، شعبان جاران ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما، ومهما كان وسيكون سيبقى شريان الدم والحب والقرابة والأخوة… يربط بينهما إلى الأبد، ومن يقول غير ذلك فليقرأ التاريخ جيداً”.
وكتب القاص والروائي مصطفى لغتيري تدوينة جاء فيها: “الجزائر تقطع علاقاتها مع المغرب. الأسباب حسب الجزائر تطبيع المغرب مع إسرائيل. مصر والبحرين والإمارات والأردن وتركيا وفلسطين نفسها لها علاقات مع إسرائيل ولم تقطع الجزائر علاقتها معها”.
وأضاف بخصوص المبرر الثاني “دعم حركتي الماك ورشاد. فرنسا تأوي حكومة الماك وإنجلترا تأوي أعضاء من حركة رشاد ولم تقطع الجزائر علاقاتها معهما”.
أما بخصوص المبرر الثالث “المغرب يدعو إلى تقرير مصير منطقة القبائل. الجزائر تأوي البوليزاريو وتسلحها من أجل فصل الصحراء عن المغرب منذ أكثر من 40 سنة”.
وخلص إلى القول: “قطع العلاقات أمر مؤسف، لكنه تحصيل حاصل لعلاقات متدهورة أصلاً”.
في السياق نفسه، سجّل الناقد والإعلامي محمد بوخزار أن الجزائر احتجّت، لأن مندوب المغرب وزّع تصحيحاً في إطار حق الرد، على اتهامات “العمامرة” التي اعتبرت خارجة عن سياق الاجتماع وجدول أعماله. وأضاف قائلاً: ينسي “السي رمطان” أن بلاده تشتم المغرب، منذ نصف قرن، تنعته بالقوة الاستعمارية المحتلة، ومعاداة حق الشعوب في استقلالها. أية اتهامات أثقل من هذه، مع ذلك لم يهدد المغرب بقطع العلاقات!
وأعرب الباحث محمد التهامي الحراق عن أسفه الكبير أن تقابل سياسة اليد الممدودة من لدن المغرب بإعلان الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية. وكتب: “سيحاسب التاريخ بقوة هذه القرارات غير المستبصرة، المفرقة للشعوب، والجانية على الأجيال، والناسفة لطموحات التكتل الوحدوي المغاربي، وما يحمله من أحلام تنموية واعدة للمنطقة”.
ودوّن الأكاديمي المغربي عبد الجليل هنوش العبارة التالية: “عندما ترد اللاحكمة على الحكمة فاعلم أنك في العالم العربي!”.
وسجّل الإعلامي التونسي منصف السليمي المقيم في ألمانيا المفارقة التالية: في 1994.08.24 وقع حادث تفجير “أطلس أسني” في مدينة مراكش الذي تسبب في أزمة وإغلاق الحدود الجزائرية مع المغرب… بعد 27 عاماً تعلن الجزائر، في نفس التاريخ، قطع العلاقات الدبلوماسية.
وتساءلت الإعلامية المغربية بشرى مازيه: “هل دولة الجزائر لديها فعلاً علاقات دبلوماسية مع المغرب حتى تقطعها؟”. وكتب الفنان المطرب نعمان لحلو: “يعلنون الآن عن قطع العلاقات مع المغرب. هي أصلاً غير موجودة. وتحية للشعوب”.
عاجل.. آلاف المغاربة يبكون!
وتحت عنوان “غير ضاحكين” (للهزل فقط)، كتب الإعلامي يونس الشيخ: “عاجل… آلاف المغاربة يصرخون ويبكون أَلَماً، بسبب قطع الجزائر علاقاتها مع المغرب!”.
وإذا كانت مقاومة الاستعمار الفرنسي للبلدين قد وحدتهما، فإن فترة ما بعد الاستقلال شهدت توتراً للعلاقات بقي متواصلاً لعقود، رغم فترات الهدوء التي لم تكن تدوم طويلاً، فبعد استقلال الجزائر في 1962، طالب المغرب بضم أقاليم يعتبرها جزءاً من أراضيه، خاصة تندوف وبشار، ما أدى إلى حرب الرمال في أكتوبر 1963، فتدخلت أطراف عربية وإفريقية لإيقافها.
وحين قام المغرب بضمّ الأقاليم الصحراوية الجنوبية، من خلال ما أسماه “المسيرة الخضراء” عام 1975، التي أدت إلى جلاء الاستعمار الإسباني، أعلنت جبهة “البوليساريو” الحرب على المغرب، مدعومة من طرف الجزائر التي قام رئيسها آنذاك الهواري بومدين بطرد المئات من المغاربة المقيمين في البلاد تحت ما أسماه “المسيرة الكحلا” (السوداء).
وشهدت مدينة مراكش عام 1989 تأسيس “اتحاد المغرب العربي” بحضور قادة البلدان المغاربية الخمسة، لكن بنوده بقيت حبراً على ورق.
وخلال الهجوم الإرهابي الذي كان أحد فنادق مدينة مراكش مسرحاً له 1994، اتهمت الرباط الجزائر المخابرات الجزائرية بالضلوع في الهجوم، حيث فرض التأشيرة على القادمين من الجزائر. فكان ردّ هذه الأخيرة مماثلاً بإغلاق الحدود البرية بين البلدين.