بعد أشهر من التصعيد الكلامي بين البلدين، أعلنت الجزائر أول أمس الثلاثاء، قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، مبررة ذلك بـ»الأعمال العدائية» للمملكة، وبسبب «خلافات عميقة بين البلدين»، لكنه استدرك بالقول إن «قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني أن يتضرر المواطنون الجزائريون والمغاربة» لأن «القنصليات تباشر عملها بصفة طبيعية».
يعتبر هذا الحدث علامة فارقة في درجة سوء العلاقات بين البلدين، لكنه ليس حدثا منفصلا فهناك تاريخ من التوتر بين البلدين، يمكن إعادة توثيقه منذ عام 1963 (أي بعد سنة واحدة من استقلال الجزائر)، حيث تحول خلاف حدودي الى مواجهة عسكرية، لكن الحدث الأبرز في تاريخ التوتر كان موقف الجزائر من «قضية الصحراء المغربية »، والبوليساريو، التي كانت سببا في أول قطع للعلاقات بين البلدين عام 1976. احتاج البلدان قرابة 13 عاما ليطبعا العلاقات بينهما مجددا، لكن التقارب، في الحقيقة، يبدو هو الاستثناء في التاريخ المشترك، فقد عادت الجزائر 5 سنوات (أي عام 1994) إلى إغلاق الحدود مجددا، كرد فعل على فرض الرباط تأشيرة دخول على الجزائريين (الأمر الذي تكرر مؤخرا). خلق الدعم العسكري والمالي والسياسي الذي تقدمه الجزائر إلى «بوليساريو»، واعتبار الرباط قضية الصحراء «خطا أحمر»، إلى نشوء نمط معتاد تستدعيه الأجهزة الأمنية للبلدين كلما استعر الخلاف بينهما، ويتمثل باتهام سلطات كل بلد للآخر بالمسؤولية عن أعمال إرهابية، وهو ما فعله المغرب باتهام الجزائر بدعم إرهابيين استهدفوا فندقا في مراكش عام 1994ـ واتهام الجزائر للرباط عام 1999 بإيواء جماعات مسلحة جزائرية.
يلاحظ، مع ذلك، أن المحاولات للتقارب كانت تأتي، في الغالب، من جانب الرباط، وكان أول لقاء قمة بين البلدين عام 2005 حيث زار الملك المغربي محمد السادس الجزائر، كما زار سعد الدين العثماني، وكان وقتها وزيرا للخارجية، الجزائر عام 2012، وتبعتها، في العام نفسه، زيارة مصطفى الخلفي، الناطق باسم الحكومة المغربية، وفي عام 2015، دعا الملك المغربي الرئيس الجزائري حينها، عبد العزيز بوتفليقة، «للارتقاء بالعلاقات إلى مستوى تطلعات الشعبين». تعاملت سلطات الجزائر الخارجة من حرب ثورية شاملة ضد الاستعمار الفرنسي مع قضية الصحراء، في بداية ستينيات القرن الماضي، على أنها انتصار لقضية تحرر شعب، غير أن هذا الارتباط بأيديولوجية ثورية، انقلب مع تحول النظام الجزائري إلى حكم عسكري – أمني إلى قضية يساهم الجنرالات في استمرار اشتعالها لإشغال الجزائريين بقضية خارجية.
رغم وجود غالبية شعبية جزائرية مؤيدة لمواقف سلطات الرباط فيما يتعلق بالصحراء، فإن معارضين كثيرين يعتبرون أن المؤسسة الحاكمة ارتكبت أخطاء كبيرة في هذا الملف، وأن عددا من الجنرالات، يستفيدون من إبقاء النزاع مستمرا بين البلدين، وهو ما يوفر لهم ذخيرة جاهزة أيضا لاتهام الجزائر، أو لصرف أنظار الشعب عن أي أزمات.
لقد تكرست مصالح راسخة للمستثمرين في هذا الصراع، فاستمرار الخلاف هو باب لصرف الثروة على تسليح الجيوش، وإبقاء الجيوش للسيطرة على الشعوب، وليس لحمايتها.