الانتخابات فرصة لتغيير المشهد السياسي في المغرب

ماموني

الانتخابات المحلية والتشريعية في المغرب خلال سبتمبر المقبل، أكثر من مجرد سباق على أغلبية المقاعد بمجلس النواب والمجالس المحلية، بل هي مؤشر حقيقي لوعي الشعب بأهمية معاقبة الأحزاب التي تخلت عن وعودها.

وعلى المستوى الحزبي هي معيار بالنسبة إلى حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية. فالأول يريد الخروج من شرنقة المعارضة والمرور نحو المشاركة في الحكومة المقبلة، مع ترجمة الأفكار التي تبناها منذ مجيء الأمين العام الحالي. والثاني يريد المحافظة على حضوره داخل البرلمان، بعد أن مني بهزيمة كبيرة على مستوى الانتخابات المهنية التي أجريت مؤخرا، ولم لا تدبير قطاعات وزارية دون ترؤس الحكومة.

المشهد السياسي المقبل لن يكون مختلفا بشكل كبير عن السابق إلا في تغيير ترتيب بعض الأحزاب

كانت هناك خطوة نحو تحالف استباقي بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، لكن يبدو أن هذه الخطوة لن يكتب لها الذهاب بعيدا فالأجندة السياسية مرتبطة في الأصل بالاستحقاقات الانتخابية، إضافة إلى أن الحزبين الغريمين لمدة تزيد عن العشر سنوات لن يستطيعا دمج إمكانياتهما البشرية واللوجستية لتحقيق ذلك التحالف قبل وبعد الانتخابات التشريعية والمحلية إلا في نطاق ضيق لن يؤثر على الخارطة الانتخابية وما ستفرزه من قوى سياسية ستكون لها الكلمة في المشهد السياسي ما بعد سبتمبر المقبل.

أمام نزول شعبية الحزبين المتنافسين، الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، هناك قوى سياسية منها التجمع الوطني للأحرار والاستقلال، تتابع ما سمي الحوار بين الحزبين الذي سيشمل جميع القضايا الخلافية والتي تتضمن وجهات نظر متباينة بين الطرفين باعتبارها مخلفات الماضي، والواقع أن الوقت الانتخابي لن يسعف أي عملية حوار بين الحزبين الغريمين، بل إن الحزبين يتنافسان على المرتبتين الثانية والثالثة.

التصدع الذي يشهده العدالة والتنمية داخليا وانتخابيا يمكن اعتباره أحد مؤشرات تراجعه خلال الاستحقاقات المقبلة وتقلص أمله في ولاية ثالثة، إلى جانب فشل الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الذراع النقابية للحزب الحاكم خلال الانتخابات النقابية الأخيرة، فيما جاء ثامنا بـ49 مقعدا في انتخابات الغرف المهنية، وأيضا توطيد قانون القاسم الانتخابي الذي أُقِرَّ من طرف البرلمان المغربي في أبريل الماضي، باحتساب النتائج على أساس المسجلين وليس المصوتين.

طموح حزب التجمع الوطني للأحرار كبير في إبعاد العدالة والتنمية عن الولاية الثالثة، فتصدره نتائج الانتخابات المهنية والتعبئة الانتخابية والتواصلية الجيدة، يعطيان دفعة قوية لهذا الحزب الذي يصنف كممثل للطبقة الاقتصادية فيما يؤكد رئيسه عزيز أخنوش أنه سيدافع عن الطبقات المستضعفة ويحقق نسبة نمو مهمة ويقلل من نسب البطالة. لاحظ أن هذه الوعود تبقى حبرا على ورق إلا إذا كانت هناك إرادة سياسية في الوفاء ولو بجزء منها.

ظروف وصول حزب العدالة والتنمية المغربي ذو المرجعية الإسلامية إلى رئاسة الحكومة مُستفيدا مما اصطلح عليه بـ”الربيع العربي”، اختلفت بشكل جذري حاليا، فالمشهد السياسي المغربي يبني قواعده الجديدة بعيدا عن شروط تلك المرحلة وتأثيراتها، فالأحزاب التي تصدرت الانتخابات المهنية مثلا من المفترض أن تكون لها الكلمة في الانتخابات المقبلة.

حزب الأحرار كان ذكيا عندما تفادى بناء حملته الانتخابية على الجانب الديني وفضل عدم السقوط في شرك الصراع الأيديولوجي مع العدالة والتنمية، كما حدث مع الأصالة والمعاصرة الذي تبنى المواجهة المفتوحة والحادة مع الحزب الحاكم دون أن ينجح في الحد من نفوذ العدالة والتنمية انتخابيا، رغم أن هذا الأخير يصر على  الاستنجاد بعنصر المظلومية في حملاته الانتخابية بالأساس كاستراتيجية تكسير خصومه.

مؤشر حقيقي لوعي الشعب

حزب الأصالة والمعاصرة يطمح للوصول إلى 198 مقعدا في مجلس النواب، النسبة التي يجب توفرها لتشكيل الأغلبية، لكن المهمة ليست سهلة أبدا فالأحرار والاستقلال حققا تراكما سياسيا لسنوات طويلة ما سيجعل منهما كابحا لكل من العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة معتمدين على كفاءات وأعيان.

هناك توجه للدولة في دعم الأحزاب السياسية لكي تلعب دورا مهما في توطيد الديمقراطية ودولة المؤسسات، وهذا ما أكد عليه العاهل المغربي في العشرين من أغسطس الجاري، عندما ربط بين صد هجوم أعداء المملكة ودور الأحزاب في الانتخابات كمقياس لترسيخ استقرار البلد.

تواجد العدالة والتنمية في السلطة لعشر سنوات أنهكه سياسيا وأثر على تواجده اجتماعيا، ولهذا يراهن على العزوف الانتخابي لجذب شريحة المصوتين غير المُسيَّسين، وهو في حاجة إلى بناء تحالفات قبلية لضمان عدم نزوله إلى مرتبة دُنيا، وسيصبح من الصعب رؤية كيف تعكس العلاقات بين الأحزاب السياسية الرئيسية ومصالحها نتائج الانتخابات المقبلة.

إن لم يتمتع حزب الأصالة والمعاصرة بقاعدة دعم واسعة، واختار بدلا من ذلك اجتذاب مجموعة متنوعة من الفئات الاجتماعية، سيكون لحزب الاستقلال وماكينته الانتخابية القول الفصل في الاستحقاقات المقبلة. فسكان المناطق القروية يميلون إلى التصويت لهذا الحزب إلى جانب بعض المدن الكبرى في الجنوب، ولهذا تتعهد الأحزاب السياسية المنافسة له كالتجمع الوطني للأحرار بجلب المنافع وبالتالي كسب التأييد الساحق من الناخبين.

المشهد السياسي المقبل لن يكون مختلفا بشكل كبير عن السابق إلا في تغيير ترتيب بعض الأحزاب. فقد أجرى المغرب انتخابات دورية منذ ستينات القرن الماضي وراكم تجربة في هذا المجال تتسم بتحالفات متغيرة لا تخضع في الغالب إلى منطق الأرقام أو الأفكار والبرامج والأيديولوجيات، فقد نجد حزبا يملك عددا كبيرا من المقاعد ورغم ذلك لا يحظى بفرصة المشاركة في الحكومة، فيما يساهم حزب صغير في الحكم.

مع فرص تحقيق مكاسب سياسية للأحزاب المشاركة في النزال الانتخابي، تميل الأحزاب إلى تمثيل المصالح والقيم الفردية لتنظيمها، بدلا من تمثيل القيم التعددية داخل الحكومة. وهي المشكلة الأهم التي يجب الحسم فيها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: