ترحيب إسباني بدعوة العاهل المغربي يمهد لتسوية الخلافات

ماموني

تفاعلت إسبانيا والاتحاد الأوروبي بشكل إيجابي مع رغبة العاهل المغربي الملك محمد السادس في تعزيز العلاقات مع دول الجوار عبر توجيه دعوة إلى ترسيخ الروابط مع المملكة بعد مرور ثلاثة أشهر على اندلاع الأزمة السياسية والدبلوماسية بين الطرفين.

لاقت دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس من أجل تعزيز العلاقات مع دول الجوار وترسيخ الروابط مع المملكة ترحيبا إسبانيا وأوروبيا، كما يعتبرها مراقبون خطوة من شأنها أن تمهّد لتسوية الخلافات الدبلوماسية القائمة بين الرباط ومدريد.

وقال رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إنه يود “شكر العاهل المغربي على تصريحاته”.

وأضاف خلال مؤتمر صحافي بالعاصمة مدريد “المغرب كان وسيظل حليفا استراتيجيا بالنسبة إلى إسبانيا والاتحاد الأوروبي، وإنه انطلاقا من الثقة والاحترام والتعاون بمقدورنا بناء علاقة أكثر تماسكاً من تلك التي جمعتنا إلى الآن”.

وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال خلال المؤتمر “نعرب عن ترحيبنا بما قاله العاهل المغربي”، مضيفا أن “المغرب شريك لإسبانيا، وأيضا للاتحاد الأوروبي”.

أورسولا فون دير لاين: لا بدّ من ترسيخ العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي

وكان الملك محمد السادس أعرب في خطاب مساء الجمعة عن الأمل في “إقامة علاقات قوية وبناءة ومتوازنة خاصة مع دول الجوار”، متحدثا عن إسبانيا وفرنسا على وجه الخصوص.

وأكد هشام معتضد الأكاديمي والمحلل السياسي أن الترحيب الكبير الذي لقيه خطاب العاهل المغربي بمناسبة الذكرى الثامنة والستين لثورة الملك والشعب، من قبل القادة الأوروبيين عامة ومن طرف الحكومة الإسبانية خاصة، يترجم العمل الكبير الذي قام به المغرب منذ بداية الأزمة مع بعض من شركائه الأوروبيين من أجل تجاوزها، حيث كادت تعصف بأعمدة الثقة وعلاقات التعاون الاستراتيجي بين المغرب وأوروبا.

ولفت إلى أن “الوضوح والهدوء والمسؤولية التي أشار إليها الملك محمد السادس لوصف تدبير فترة هذه الأزمة مع بعض من شركائه الأوروبيين، تبرهن على وعي المغرب الكامل بوجوب تجاوز الوضعية القائمة، وذلك في إطار الثوابت التقليدية ومصالح البلدان من أجل تحديد المنصة الصلبة التي ستُقام عليها الانطلاقة الجديدة للعلاقات بين المغرب وشركائه المعنيين”.

وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين السبت أن “المغرب والاتحاد الأوروبي شريكان استراتيجيان ومن المهم الحفاظ على هذه العلاقة وترسيخها”.

وردا على سؤال يتعلق بإعلان الملك محمد السادس تجاوز الأزمة الدبلوماسية مع إسبانيا، أكدت فون دير لاين على “ضرورة إقامة علاقات جيدة مع المغرب بالنسبة إلى إسبانيا والاتحاد الأوروبي أيضا”.

وكان العاهل المغربي قد أكد الجمعة أن المغرب يتطلع بكل صدق وتفاؤل إلى مواصلة العمل مع الحكومة الإسبانية ومع رئيسها بيدرو سانشيز من أجل تدشين “مرحلة جديدة وغير مسبوقة” في العلاقات بين البلدين الجارين.

وشدد الملك محمد السادس في خطاب ثورة الملك والشعب في العشرين من أغسطس الجاري على أن هذه العلاقات يجب أن تقوم على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل والوفاء بالالتزامات.

وأوضح العاهل المغربي الذي تابع شخصيا وبشكل مباشر سير الحوار وتطور المفاوضات أنه “لم يكن هدفنا الخروج من هذه الأزمة فقط، وإنما أن نجعل منها فرصة لإعادة النظر في الأسس والمحددات التي تحكم هذه العلاقات”.

هشام معتضد: توجّه المملكة يبرهن على حزمها في إعادة بناء العلاقات

ويرى مراقبون أن المنطلق في تفاعل الجانب الأوروبي مع دعوة المغرب إلى علاقات بناءة مع دول الجوار هو الخطاب الرسمي للملك محمد السادس، باعتباره مؤشرا جديا على أن هناك مسارا تفاوضيا سيؤدي بالضرورة إلى التقليص من حدة الأزمة التي استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر، وأن الترحيب بدعوة المغرب هو نوع من القبول بشروط تجاوز مسببات الأزمة.

وأكد الملك محمد السادس “أنه نفس الالتزام الذي تقوم عليه علاقات الشراكة والتضامن بين المغرب وفرنسا”، موضحا أن هذه العلاقات تتسم بروابط متينة من الصداقة والتقدير المتبادل مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وشدد هشام معتضد على أن هدف المسؤولين المغاربة في مفاوضاتهم مع نظرائهم الإسبان ليس فقط الخروج من الأزمة، بل تقييم روح العلاقة ومبادئها احترامًا للذاكرة والإرث المشتركين.

واعتبر أن “هذا التوجه الذي تريده الرباط يبرهن حزم المغرب على إعادة بناء العلاقات على أساس رؤية واضحة المعالم تستمد مرجعيتها من أسس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل”، مضيفا “هذا المتغير الذي جاء به خطاب العاهل المغربي يعد خارطة طريق جديدة وفرصة سانحة لبداية وضع لبِنَات لإعادة بناء العلاقات المغربية – الإسبانية وفق توجه المرحلة مع الأخذ بعين الاعتبار موازين القوى الجديدة التي تؤطر الديناميكية الجيوسياسية على المستوى الإقليمي ومنطقة تماس القارة الأفريقية والاتحاد الأوروبي”.

واندلعت الأزمة الحادة بين المغرب وإسبانيا بعد إدخال زعيم جبهة بوليساريو إبراهيم غالي إلى مستشفى في إسبانيا نهاية أبريل الماضي بشكل سري ووثائق مزورة وهوية منتحلة، حيث دعت السلطات المغربية إلى تحقيق شفّاف في ظروف استقباله، بينما تشدد مدريد على أنه تمت استضافته “لأسباب إنسانية”.

واعتبر الأكاديمي هشام معتضد أن الأزمة غير المسبوقة التي هزت بشكل قوي الثقة المتبادلة بين الرباط وجارتها الشمالية مدريد سمحت للمغرب بإعادة النظر في العديد من الأسس والمحددات التي حكمت علاقاته بالجارة إسبانيا، ومكنته من تشخيص الإطار الجيوستراتيجي الذي تطورت فيه ديناميكية المتغيرات مع الحكومة الإسبانية وسعيه لتدشين مرحلة جديدة مع مؤسساتها قائمة على الفهم المشترك لمصالح البلدين.

العاهل المغربي أكد أن المملكة تتطلع بكل صدق وتفاؤل إلى مواصلة العمل مع الحكومة الإسبانية ومع رئيسها بيدرو سانشيز من أجل تدشين “مرحلة جديدة وغير مسبوقة” في العلاقات بين البلدين الجارين

وفي مايو الماضي استفاد نحو عشرة آلاف مهاجر أفريقي، غالبيتهم مراهقون وشبان يحملون الجنسية المغربية، من تخفيف السلطات المغربية للضوابط الحدودية وعبروا نحو مدينة سبتة الصغيرة، وهي تشكل إلى جانب مليلية جيبين إسبانيين يقعان عند سواحل المملكة المطلة على البحر الأبيض المتوسط، ما يجعلهما نقطتي جذب للمهاجرين بين أوروبا وأفريقيا.

وكانت بروكسل قد أعلنت دعمها الثابت لمدريد إبّان تطورات مايو، مؤكدة أنّ الأزمة ليست بين إسبانيا والمغرب وإنّما بين الاتحاد الأوروبي بمجمله والمملكة.

وأعيد معظم المهاجرين الذين دخلوا سبتة في مايو إلى المغرب بعد فترة وجيزة، لكن السلطات المحلية كشفت أن نحو 2500 منهم ما زالوا هناك بينهم ألف قاصر.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: