دخلت الأزمة بين الجزائر والرباط منعرجا جديدا بعد قرار الرئاسة الجزائرية إعادة النظر في العلاقات مع المغرب وتكثيف المراقبة على الحدود المشتركة، في خطوة تعكس حسب متابعين توتّرا جديدا واستمرارا للعداء بين البلدين.
تتّجه الجزائر نحو تصعيد حدة التوتر مع المغرب بعد اتهامات غير مبررة بدعمه حركتي “ماك” و”رشاد” المتهمتين كذلك بإشعال حرائق الغابات التي أودت بحياة العشرات وبالتورط في مقتل “جمال بن سماعين”.
وقالت الرئاسة الجزائرية في بيان الأربعاء إنها قررت “إعادة النظر” في علاقاتها مع الرباط، معتبرة أن هذه الخطوة التي ستزيد من تأزيم وضع العلاقات بين البلدين راجعة إلى “الأفعال العدائية المتكررة من طرف المغرب”، كما أعلنت “تكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية”.
والحدود بين الجزائر والمغرب مغلقة رسمياً منذ السادس عشر من أغسطس سنة 1994.
وأكد صبري الحو، الخبير في القانون الدولي والهجرة ونزاع الصحراء، أن “الاتهام المباشر دون دليل وإعلان إعادة تقييم العلاقات يؤشران على كون هذه العلاقات متوترة أصلا”.
وأوضح الحو، أن “الدعوة إلى تشديد مراقبة الحدود المغلقة أصلا والموصدة بجدار وأكوام وأسلاك وعسكر تعني حضّ الجيش الجزائري على التحرش بالجيش المغربي وعلى الاحتكاك معه”.
وتعاظمت مؤشرات التصعيد في الفترة الأخيرة بين الطرفين، حيث رفضت الجزائر يد المصالحة التي مدها العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش نهاية يوليو الماضي، فضلا عن عدم قبول المساعدة الإنسانية التي عرضتها المملكة المغربية للمساهمة في إخماد الحرائق.
صبري الحو: الجزائر تبحث عن سبب من أجل حرب مع المغرب
وأصدر العاهل المغربي تعليماته لوزيري الداخلية والشؤون الخارجية من أجل التعبير لنظيريهما الجزائريين عن استعداد المغرب لمساعدة الجزائر في مكافحة حرائق الغابات، وذلك من خلال تعبئة طائرتين من طراز كنادير لإخماد الحرائق والمشاركة في هذه العملية، بمجرد الحصول على موافقة السلطات الجزائرية. لكن هذه الموافقة لم تحصل، في خلط لا مسؤول بين الإنساني والسياسي.
ويأتي قرار الجزائر “مراجعة” العلاقات مع المغرب بعد انقضاء أسابيع قليلة على مبادرة المصالحة التي تقدّم بها الملك محمد السادس إلى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وحثه فيها على تغليب منطق الحكمة وتجاوز الخلافات، معتبرا أنه “من غير المنطق بقاء الحدود مع الجزائر مغلقة” ودعاه إلى “العمل سويا، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية التي بناها الشعبان المغربي والجزائري عبر سنوات من الكفاح المشترك”.
ويرى مراقبون أن النظام الجزائري استغل حرائق تيزي وزو ومذكرة السفير المغربي لدى الأمم المتحدة عمر هلال، المتعلقة بموضوع تقرير مصير القبائل شمال الجزائر، كي تكون الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبايل (ماك) مدخلا لزيادة تأزيم العلاقات مع المملكة المغربية، وذلك لحسابات سياسية داخلية بالدرجة الأولى متعلقة برد الاعتبار للنظام العسكري المدافع بشراسة عن جبهة البوليساريو الانفصالية، نتيجة الهزائم المتتالية التي مُني بها دبلوماسيا وسياسيا على كافة الأصعدة.
ويوجد تطابق بين الأحزاب السياسية والنظام الجزائري بشأن محاولة إقحام المغرب في الحرائق التي نشبت في غابات تيزي وزو، حيث اتهم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الأكثر تمثيلية في البرلمان، أبوالفضل بعجي، الأربعاء المغرب بالوقوف مع إسرائيل على خط واحد في “معاداة الجزائر والتآمر على أمنها واستقرارها”.
وقال السياسي الجزائري أبوالفضل بعجي في ندوة صحافية بخصوص حرائق الغابات إنها “مفتعلة من أطراف تابعة لتنظيمات إرهابية حاقدة على الجزائر، منها تنظيم ‘ماك’ الإرهابي، بهدف إحداث فتنة في البلاد. لذلك فإن حزبنا يدعو إلى التحلي باليقظة وعدم الانسياق وراء المناورات والدسائس التي تحاك ضد بلادنا”.
ويبدو أن النظام الجزائري قد اختار الاستمرار في سياسة العداء تجاه المغرب وليس هناك مجال للمصالحة التي دعت إليها المملكة في عدد من المناسبات.
وأوضح بلاغ الرئاسة الجزائرية أنه “تقرر تكثيف المصالح الأمنية لجهودها من أجل إلقاء القبض على باقي المتورطين في الجريمتين، وكل المنتمين إلى الحركتين الإرهابيتين اللتين تهددان الأمن العام والوحدة الوطنية، إلى غاية استئصالهما جذريا”.
وفي سياق اتهام الجزائر للمغرب بالضلوع في إشعال الحرائق التي أتت على منطقة القبائل شدد الحو على أن “النظام يبحث عن سبب يركب عليه من أجل حرب مع المغرب”، مشيرا إلى أن “الجزائر تريد إقامة علاقة بين تصريحات عمر هلال المدعمة لتقرير المصير في القبائل وبين اتهام حركتي ‘ماك’ و”رشاد” بضلوعهما في عملية إشعال النيران للإقرار بمسؤولية المغرب أو بأنه على علاقة بذلك”.
واعتبر خبراء أمنيون أن ما أسماه النظام الجزائري “تكثيف المراقبة على الحدود الغربية مع المغرب” يدخل في حرب استنزاف نفسية تمارسها القيادة الجزائرية ضد المغرب، لعدة أسباب من بينها نجاح مناورات “الأسد الأفريقي 2021”، والتي أجري جزء منها في منطقة المحبس المغربية، والتي اعتبرتها بعض الدوائر الجزائرية تهديدا لترسانتها العسكرية.
وأفاد صبري الحو بأن “الجيش الجزائري يبحث عن سبب للدخول في حرب مع المغرب”، مؤكدا أن “الحزم والصرامة اللذين أظهرهما المغرب في تعامله مع حماية وصيانة سيادته على كل الأصعدة يؤكدان أنه لن يتوانى ولن يرضخ لأي مساس بهذه السيادة وأنه سيعمل على حماية ممتلكات مواطنيه”.