تفجر سجال حاد بين أكاديميين وأدباء جزائريين على خلفية هوياتية وعرقية طفت بشكل لافت على السطح عقب الحرائق التي أتت على منطقة القبائل الأمازيغية، فانخرط بذلك قطاع من النخبة في مسار غوغاء الشارع بدل البحث عن حلول للأزمة الراهنة واستشراف المستقبل.
وفجر هذا السجال الروائي والأستاذ أمين الزاوي، الذي تعوّد على استفزاز مكوّنات اجتماعية وعقائدية ولغوية للجزائريين من أصل عربي في إطار ما يسميه بـ”النقد” وممارسة الوظيفة الأساسية للمثقف، وهو ما دفع الكثير من المحسوبين على فئة المثقفين إلى الرد عليه.
وأثار مقال للزاوي، نشر في جريدة “ليبرتي” المحلية الناطقة بالفرنسية والمحسوبة على التيار الفرانكو – أمازيغي، بعنوان “العربي الذي يعرف كل شيء” موجة من الانتقادات الواسعة والحادة التي تعتبر أن هذا المقال “تطاول واستهتار مستمر من طرف الزاوي على المكون العربي في الجزائر”.
وكتب في هذا الشأن الأديب والأستاذ سعيد بوطاجين “أعلمك صديقي، أن هناك من يتحدث عنك بسوء لأنك تكتب عنه بسوء، لكن المجاملات غطت على الحقيقة.. الناس يتساءلون عن أسباب كراهيتك الشديدة للإسلام والعربية والعرب والمعربين والتقاليد في كتاباتك الصحافية والأدبية الساخرة، وعن تحيزك الفادح”.
يبدو أن العلاقة بين النخبة والشعب ليست على ما يرام منذ زمن طويل، فبينما كانت هي تعيش في الأبراج العالية ومتمتعة بمزايا السلطة ظل الجزائريون يواجهون مصيرهم بأيديهم
وأضاف “أنا أيضا معني بهذه الإهانات كمعرب، وكأمازيغي الأصل لا يحب أن يَشتم أو يُشتم أو يهان، ومن عائلة لا تعرف الفرنسية لأنها درست في الكتاتيب، لكنها حاربت الاستعمار وتصدقت على البلد بعدة شهداء دفنوا في مقبرة مستقلة، وهي تشعر بأنك تذلها عندما أشرح لها ما تكتبه”.
وتابع “هناك سياقات تاريخية تدفعنا إلى تحكيم العقل كشبه نخبة، وكأشباه جامعيين منسحبين، أو متواطئين مع الشر الأعظم الذي يهدد الإنسان فينا، ويهدد البسطاء الذين يحبون البلد بأرواحهم المضيئة، بعيدا عن حسابات السياسيين والمثقفين المهزوزين والجامعيين والمنتفعين من الصمت، ومن العنصرية كآلة للهدم والتفرقة”.
وحركت الحرائق مشاعر عنصرية حيث اتهم بعض سكان القبائل السلطةَ بالوقوف خلف الكارثة عقابا لها على معارضتها للنظام، في حين وجهت السلطة الاتهامات لحركة “ماك” الأمازيغية ونشرت اعترافات من قبل موقوفين قالوا إنهم تابعون للحركة وقاموا بعملية إشعال النيران في المنطقة.
وأورد الكاتب والإعلامي عزيز بوباكير، الذي كتب مذكرات الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد، تفاصيل أراد من خلالها كشف “السلوك الانتهازي” للزاوي، عندما افتعل تعرضه لعملية اغتيال خلال تسعينات القرن الماضي من أجل الاستفادة مما أسماه بـ”مزايا برلمان الكتّاب ومدن الملجأ على حساب كتّاب آخرين كانوا فعلا مهددين في حياتهم من طرف الإرهاب”.
وسرد بوباكير في سلسلة مقالات بدأ بنشرها تفاصيل مثيرة عن حياة النخبة الجزائرية التي كانت تبحث عن النجاة والمزايا لما كان الشعب يواجه آلة الموت والذبح على يد الإرهابيين الإسلاميين، لتنتج بذلك فجوة عميقة بين الشعب ونخبته التي صار ينعتها بـ”المحنة” و”النكبة”.
ويبدو أن العلاقة بين النخبة والشعب ليست على ما يرام منذ زمن طويل، فبينما كانت هي تعيش في الأبراج العالية ومتمتعة بمزايا السلطة ظل الجزائريون يواجهون مصيرهم بأيديهم، ولذلك ظل دورها هامشيا أو منعدما أو متأخرا؛ فمن العشرية الدموية إلى عقدي الفساد المالي والسياسي، إلى أزمة الحراك الشعبي، فضلت غالبية النخبة سياسة الترقب والانتظار فقط.
وحتى الحراك الشعبي صنع في مدرجات ملاعب الكرة والمقاهي الشعبية وأسهمت فيه بعض الأغاني والأعمال الفنية، ولم يكن للنخبة أي دور فيه أو في صياغة سيرورته. وحتى من انحاز إلى الشعب التحق متأخرا ومنفردا من أجل أن يفلت من بين أيدي الطلبة ورجال الإعلام في الجامعة والمحافل المختلفة، كما هو الشأن بالنسبة إلى أمين الزاوي الذي ظهر ذات مرة رفقة زوجته الأديبة والأستاذة ربيعة جلطي.
وسرد عزيز بوباكير كيفية افتعال الزاوي محاولة الاغتيال، حيث “قام بوضع حبة بطاطا في كاتم صوت السيارة وأشعل المحرك، ولما اشتد الضغط وقع الانفجار، وسجل على أنه استهداف للرجل من طرف الإرهابيين، وهو ما مكنه من الاستفادة من مزايا برلمان الكتاب ومدن الملجأ على حساب آخرين”.
وتأسس البرلمان المذكور عام 1993 غداة اغتيال الإعلامي والكاتب طاهر جعوط، وبمبادرة من أسماء بارزة في عالم الأدب -على غرار جاك ديريدا وأدونيس وبيير بورديو وبرايتن برايتنباخ وآخرين- وترأسه صاحب “الآيات الشيطانية” سلمان رشدي.
وكانت وظيفة البرلمان حماية الكتاب المهددين وأسس شبكة استقبال لهم، لكنه تفكك في 2003 بعد زيارة أعضاء منه لإسرائيل، بحسب ما رواه عزيز بوباكير في منشوره.
ويعتبر أمين الزاوي من أكبر الأكاديميين المستفزين بنقده للمنظومة الاجتماعية والدينية واللغوية السائدة في البلاد؛ إذ كثيرا ما عبر عن مقته لـ”الإسلام الموروث واللغة العربية الفاشلة والسلوكات الاجتماعية المتخلفة والمدمرة “. وظل يشيد في كتاباته ومحاضراته بالأمازيغية كلغة وتراث وحضارة إنسانية راقية.
وذكر في مناسبات مضت أن “عيد الأضحى يصيب المدن والبنايات والعمارات بالأوساخ والفضلات”، كما أدان في السابق ما أسماه بـ”سلوك الاستقلال الهمجي الذي دمر المعمار الحضاري والمدن الجميلة التي تركها الاستعمار، وعجز الدولة عن تشييد مثيلات لها طيلة العقود الماضية”.
ويبدو أن أمين الزاوي وجد في خضم هذا اللغط الكاتب محمد زتيلي في صفه، بعدما كتب دفاعا عنه “فجأة اكتشفت جماعة من الكتاب ومريديهم، بأن لديهم مشكلة ثقافية عويصة اسمها الزاوي، اكتشاف جماعي في وقت واحد! هل هذا طبيعي؟”، في تلميح إلى حملة منظمة ضد الرجل.