عبدالواحد الراضي مغربي يسجّل الرقم القياسي كأقدم برلماني في العالم

الماموني

يعتبر أقدم برلماني في العالم بعدما استمرت مهامه في مجلس النواب المغربي لما يقارب 58 سنة، وها هو يعيد الكرة من جديد في الانتخابات التشريعية المقررة في الخريف المقبل، فقد بات من المؤكد أن اسم عبدالواحد الراضي سيكون مدرجا في جدول النواب الجدد، لأن طبيعته الدبلوماسية مع استعداده النفسي وتكوينه الأكاديمي وأصوله الاجتماعية أهلته ليكون رجل دولة لا يضع مصالح حزبه أمام مصالح دولته، أما واقعيته فقد جعلت منه الرجل الحاضر في أوقات صدامات حزبه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي حاليا والذي قاده في العام 2008)، مع السلطة، فكان يقرّب وجهات النظر بين الطرفين كلما تباعدت.

استغرب كثيرون من ترشح الراضي ذي الـ86 سنة في الانتخابات التشريعية المقبلة بدائرة سيدي سليمان للمرة العاشرة، التي دأب على الترشح عنها منذ ستينات القرن الماضي. وتولى مسؤولية رئيس مجلس النواب لولايتين تشريعيتين، وشغل منصب وزير العدل وترأس ”مجلس الشــورى لاتحاد المغرب العربي“، و”اتحـاد مجالس الدول الأعضــاء في منظمة المؤتمـر الإسلامي“، وانتخب رئيسا للاتحاد البرلماني الدولي.

من الأصغر إلى الأكبر

دوافع ترشح الراضي في العام 2021 تبدو كثيرة، فهو يريد الحفاظ على إرث عائلي لتوريثه للأجيال المقبلة، والفوز بمقعد بالبرلمان ليس فقط مسألة شكلية، بل هو مرتبط بثقافة وتركة اجتماعية

البعض يتساءل عن القيمة المضافة لهذا الترشيح وماذا بوسع الرجل أن يقدم للبلاد في هذه السن؟ فيما يتساءل كل من بلغه الخبر؛ ألم يتعب هذا الشيخ من المسؤولية؟ وهل لا يزال يملك القدرة لممارسة تلك المهام بعدما قضى 9 ولايات سابقة؟ ولماذا لم يمرر المشعل للشباب كي يزاولوا عملهم بشكل أفضل وبروح أكثر عطاء، وهم قادرون على ذلك؟ وينتقد آخرون من يصوّت لرجل بلغ من العمر عتيا، ويتساءلون من جديد؛ هل فعلا يفكر في مشاكل واحتياجات جيل اليوم؟

إذا أعدنا مؤشر الزمن للوراء نجد أن الراضي قد تقدم كمرشح لانتخابات العام 1963 باعتباره أصغر البرلمانيين، بدعم مع الزعيم الاشتراكي المهدي بنبركة، كانت وقتها سنه في حدود 26 عاما، فترشح في دائرة سيدي سليمان، شمال غرب المغرب، التي يغلب عليها الطابع الصناعي لتواجد مصانع تلفيف الحوامض وبعض أنوية الصناعة الزراعية.

أما دوافع ترشح الراضي في العام 2021 فتبدو كثيرة، فهو يريد الحفاظ على إرث عائلي لتوريثه للأجيال المقبلة، والفوز بمقعد بالبرلمان ليس فقط مسألة شكلية، بل مرتبطة بثقافة وتركة اجتماعية لأنه الآن من أكبر ملاك الأراضي في سيدي سليمان، حتى لقبه خصومه بـ”عبدالواحد الأراضي”، وما كان يميز بداية عهده بالانتخابات سمعة والده، ثم تعبئة الشباب ومن يعرفون أسرته، لأنه ورغم أن دراسته الابتدائية كانت في سيدي سليمان إلا أنه لم يكن معروفا هناك، إلا أنه كان الوحيد من المترشحين من بين أبناء القبيلة، أما الآخرون فكانوا من خارجها، مما شكل عاملا مساعدا لنجاحه.

آنذاك لم يكن فوزه بالسهولة التي يمكن تصورها، وذلك نتيجة التزوير الذي لم يكن معقولا حسبما ذكر الراضي، حتى خرج الناس في مظاهرة حاشدة بسيدي سليمان للهجوم على القيادة التي كان بها الصندوق المركزي للتصويت. وأمام هذه الوضعية وفوزه الواضح رغم التزوير، جاءت إليه السلطة لتطلب منه إيقاف المتظاهرين لأن ذلك سيؤدي إلى فوضى وأحداث خطيرة. فقال لهم إنه ليس من حرّضهم على التظاهر وعلى كل واحد أن يتحمل مسؤوليته. فكان الحل بعد أن جاء الاتصال من الرباط، لتعود الأمور إلى مجراها الطبيعي ويعلن فوزه. فانقلبت المظاهرة إلى عرس وفرح.

الوسيط الموثوق

Thumbnail

المفارقة في مسيرة هذا الرجل أنه جمع بين الإقطاع والفكر الاشتراكي، فهو ينحدر من أسرة كانت في خدمة سلاطين وملوك المغرب، يساري تشبع بثقافة النضال وببراغماتية السياسيين وهدوء رجال الدولة وثقافة علماء الاجتماع، هو القيادي بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الحزب المعارض الشرس، والنتيجة تعرضه كزملائه للاعتقال في ما اصطلح عليه بسنوات الجمر والرصاص، لكنه كان أيضا قريبا من الملك الحسن الثاني بداية الثمانينات.

اعتقل في أحداث الثالث عشر من يوليو 1963 أثناء اجتماع المجلس الوطني للحزب وهو برلماني ويتمتع بحصانته، بعد أن لمس اختلاط الأمور في تلك الفترة، فزجوا به في معتقل “درب مولاي الشريف”، بتهمة أنه انقلابي ويدخل في محور المتآمرين، في حين لم تكن له علاقة بهذه الأمور، حسبما يقول.

تمكّن الراضي من استثمار وقته وجهده لتنمية تجربة سياسية طويلة، كونه عاشر قادة بصموا الحياة السياسية بالمغرب بطابعهم، سواء داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أو خارجه، مارس السياسة داخل الحزب والبرلمان، ومن موقع رئاسة الجماعة القروية، ومجلس النواب، وصولا إلى مناصب وزارية هامة، كما شهد على أحداث كان لها الوقع الكبير في مسار التاريخ والسياسة بهذا البلد، وحضر أوقاتا حرجة جمعت بين الملك الراحل الحسن الثاني وقادة الاتحاد الاشتراكي وعلى رأسهم المهدي بن بركة وعبدالرحيم بوعبيد.

الخلفية الاجتماعية التي تحول معها الراضي إلى رجل دولة وصاحب رؤية دبلوماسية، لم تأت من فراغ، فقد تتلمذ على يد جهابذة علم الاجتماع الفرنسيين من أمثال جون بار دولو ورومي أرون وجاك بيرك وغابرييل مارسيل وجان بول سارتر

الخلفية الاجتماعية التي تحول معها الراضي إلى رجل دولة وصاحب رؤية دبلوماسية، لم تأت من فراغ، فقد تتلمذ على يد جهابذة علم الاجتماع الفرنسيين من أمثال جون بار دولو، ورومي أرون، وجاك بيرك عالم الاجتماع الذي عاش في المغرب خلال فترة معينة، لأن فرنسا كانت في ذلك الوقت في أوج سمعتها الثقافية. حيث تابع محاضرات وندوات عالم الاجتماع غيفياش، وغابرييل مارسيل فيلسوف اليمين المسيحي وجان بول سارتر فيلسوف اليسار وريمي أرون فيلسوف الليبرالية، وعن تلك الأيام يقول الراضي ”لم نكن نحضر الدروس وحدها، ولكن أيضا مختلف الأنشطة الثقافية التي كانت سائدة“.

يمكنك استخلاص رؤيته بخصوص اهتمام الناشئة بالشأن العام عندما يقول إن التغيير من مرحلة إلى أخرى لا بد وأن يمر عن طريق التربية والتعليم، فقد تخصص الراضي في علم النفس الاجتماعي، وناقش أطروحة بعنوان “التنشئة الاجتماعية للطفل المغربي”، في العام 1969، وعنده أن لكل مجتمع طريقته في تنشئة أبنائه من منطلق مشروعه ومعتقداته ومتطلباته، وأن الهدف من الحفاظ على هذه التقاليد والعادات والقيم هو معرفة كيفية إدماج الطفل في وسطه.

استطاع الراضي كسب ثقة القصر، فأضحى صلة وصل بين حزبه الذي كانت له امتدادات شعبية ودولية كبيرة، والملك القوي الحسن الثاني، فلعب دورا كبيرا آنذاك، وهو يقول معترفا ”إن المهمة لم تكن سهلة“ وأنه لم يختر لعب هذا الدور. جعله إيمانه بمهمته لا يلتفت كثيرا لتأويلات مغرضة تعرض لها من داخل حزبه نظير علاقته مع الحسن الثاني، لكن قيادات كبيرة، ومنها رئيساه في الحزب على التوالي عبدالرحيم بوعبيد وعبدالرحمن اليوسفي، فهمت طبيعة تلك الرابطة والدور المنوط به، وكان عليه أن يتلقى كل ذلك بصبر حتى يتمكن من القيام بمهمته، صبر وتحمل وساهم في حمل تلك المسؤولية لسنوات طويلة حتى وفاة الملك الحسن الثاني.

قُربه من الملك الراحل أهله لرصد البعض من عاداته حين كان يقرأ كثيرا، ويشتغل كثيرا، ويسهر حتى ساعة متأخرة من الليل، يقول الراضي إن الملك الحسن الثاني كان ”كثيرا ما يهاتفني في الواحدة أو الثانية صباحا من أجل النقاش معي في أمر ما، كما كان أحيانا يصاب بالأرق، ولكي يتغلب عليه كان يقوم ويلجأ للسباحة ليلا في المسبح الدافئ بقصره“.

وآخر لقاء جمع الاثنين كان قبل أسبوع واحد قبل وفاة الملك، بمناسبة عيد الشباب، ويتذكر الراضي أنهما تحدثا معا في أحد المواضيع، فإذا بالحسن الثاني يقول له “أنا لم أتحدث في خطابي عن التوظيف، ولكن تحدثت عن التشغيل، وهناك فرق بين التوظيف وبين التشغيل، بحيث يمكن التشغيل في قطاع خاص أو شبه عمومي، أما التوظيف فيكون في الإدارة العمومية”، إذ كان قد بدأ يشاع بعد خطاب الملك، وقتها، أنه ذكر توظيف الجميع.

حكومة التناوب

الراضي يتحدر من أسرة كانت في خدمة سلاطين وملوك المغرب، إلا أنه نشأ يساريا متشبّعا بثقافة النضال وببراغماتية  السياسيين وهدوء رجال الدولة وثقافة علماء الاجتماع

هندسة حكومة التناوب مهمة استغرقت مدة عشر سنوات، فالملك الراحل كان قد وصل إلى قناعة تقول بمشاركة المعارضة في الحكومة وخاصة الاتحاد الاشتراكي، ولكن لم تؤخذ التدابير والقرارات لهذا الأمر إلا بداية التسعينات، حيث عزم على تحقيق ذلك وبدأ في وضع العديد من الإجراءات التي تسهل هذه المشاركة، ويسرد الراضي الوقائع كونه كان شاهدا ومشاركا، حيث كانت المحاولة الأولى في 1992.

كان الملك الراحل عازما على تحقيق ما اصطلح عليه بالتناوب بداية التسعينات، أي مشاركة المعارضة في الحكم، فاستقبل زعماء الكتلة الديمقراطية المكونة من أحزاب الاتحاد الاشتراكي بزعامة بوعبيد، والتقدم والاشتراكية بقيادة علي يعتة وحزب الاستقلال برئاسة محمد بوستة، وقال إنه فهم رسالة طلب ملتمس الرقابة، وطلب اقتراحاتهم.

رؤيته بخصوص اهتمام الناشئة بالشأن العام تبرز في تأكيده على أن التغيير من مرحلة إلى أخرى لا بد وأن يمر عن طريق التربية والتعليم، فقد تخصص الراضي في علم النفس الاجتماعي، وناقش أطروحة بعنوان “التنشئة الاجتماعية للطفل المغربي”

وطبعا كان الملك لا يخفي غضبه حينما طالبوا في المؤتمر الخامس بإصلاحات دستورية، لدرجة أنه قال غاضبا ”هل تعتقدون أنكم تزعجونني حينما تطالبون بإصلاحات دستورية؟“، كذلك عند المطالبة بملتبس الرقابة، وأيضا الأزمة التي شكلها اعتقال الأموي، وكذلك عندما رفضوا الدستور، كان لا يخفي غضبه لكنه في مقابل ذلك كان يجيد الإنصات بشكل كبير.

تجربة الراضي مع القصر ومع الملك الراحل أهلتاه لينقل للأجيال الجديدة خبرات تلك الفترة التي كان فيها الحسن الثاني يعطي تحليلا حول الوضعية في المغرب، في أحاديث خاصة. وكيف كان يحاول أن يفسر رؤيته للأمور، ورأيه بالتناوب وبالديمقراطية، ومؤاخذته على الاتحاد، ويتوقف كذلك عند إيجابياته كحزب، وكان يرى أن بقاءه في المعارضة قد طال وأنه يجب أن يشارك في الحكومة، هذه رؤية الملك الراحل الواقعية وقد خرج الاتحاد الاشتراكي بالفعل من المعارضة إلى تدبير الشأن العام، لكن الحزب غاب عنه التخطيط بعد ترؤسه الحكومة، وبعد مشاركته في حكومات أخرى منها الحكومة التي يترأسها العدالة والتنمية، فالفترة الطويلة التي قضاها في المعارضة لم يستطع فيها بلورة رؤية مستقبلية يحافظ بها على رصيده الاجتماعي والسياسي الذي خلقه وهو في المعارضة.

وكما كانت هناك اعتراضات على فوز الراضي في بداية مشواره السياسي، لم يستقبل عدد من القيادات في الاتحاد الاشتراكي ترشحه بالترحاب والتهليل كما كان سابقا، فقد تسببت تزكيته باستقالة جواد الخني رئيس ”المنتدى المغربي للديمقراطية وحقوق الإنسان“، وعضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي ومنسق اللجنة الإقليمية للانتخابات بسيدي سليمان رفقة المئات من الأعضاء بالحزب، وذلك إثر ما وصفوه بـ”مجموعة من الاختلالات التنظيمية“ بإقليم سيدي سليمان. ويبدو أن الوقت قد حان للتغيير والإتيان بدماء شابة جديدة للساحة السياسية المغربية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: