“الخوف من القادم” يجسد فصول الأزمة المتراكمة في الجزائر

البليدي

تتعاقب فصول الأزمة في الجزائر بشكل مقلق للغاية، فصارت تحجب بعضها بعضا، ولم يعد للجزائريين إلا التوجس من القادم، فخلال أشهر قليلة توارت عليهم أزمات متعددة، بداية من الموجة الفتاكة لفايروس كورونا، إلى بوادر مواجهات عرقية، ومرورا بنقص أوكسجين المستشفيات وحرائق الغابات، وقبلها الكثير.

وتعكف الحكومة على وضع خطة لجرد وتقييم الخسائر التي تكبدتها البلاد جراء الحرائق الأخيرة، من أجل التكفل بأسر الضحايا والمتضررين، لكن الوجه الجديد لأكثر المحافظات تضررا (تيزي وزو) يبرز كارثة بيئية واقتصادية واجتماعية كبيرة تحتاج إلى مشروع إعمار حقيقي، وليس إلى خطة تكفل بسيطة فقط.

ولئن تراوح حجم الخسائر بين المحافظات الثماني عشرة التي التهمتها النيران خلال الأيام الأخيرة، فإن تيزي وزو لم تعد على خارطتها الجغرافية بقعة خضراء، فكل غطائها النباتي والغابي صار رمادا وفحما وكأنها صورة بالأبيض والأسود، وعلاوة على الخسائر المباشرة من أفراد وممتلكات وعقارات ومنقولات، فإن عودة الحياة إليها لن تكون غدا.

ومع تنصيب الرئيس تبون الاثنين اللجنة الوطنية لتقييم وتعويض المتضررين من الحرائق التي شهدتها بعض محافظات الوطن، تتجه الأنظار إلى القدرات المالية للحكومة، لتقديم تعويضات مريحة تساعد السكان على الخروج من صدمتهم، وذلك في ظل الأوضاع الاقتصادية والمالية الشحيحة للبلاد.

واقتصرت مهمة اللجنة المذكورة على استقبال ملفات اللجان الولائية المكلفة بتقييم الخسائر، حيث أمر تبون في هذا الشأن اللجنة بالعمل على قدم المساواة مع كل المتضررين وبكل شفافية وإشراك لجان القرى في تحديد المتضررين.

مخاوف الشارع الجزائري من القادم تتعاظم بسبب توالي الأزمات خصوصا بعد ضعف مواجهة السلطة للأوضاع

وعلى الرغم من توعده بألا يجد هؤلاء سوى الدعم من طرف الدولة، وعين مستشاره في قصر المرادية عبدالحفيظ علاهم رئيسا للجنة، ووجه لها تعليمات صارمة للعمل بطريقة منظمة مع كل القطاعات واللجان الولائية التي يترأسها الولاة للشروع فورا في تعويض المتضررين، فإن الخوف من تكرار سيناريوهات سابقة يبقى قائما، فقد سبق للرئيس أن اشتكى من عدم تنفيذ علاوات ومنح أمر بها للمتضررين من إجراءات الغلق وللعاملين في قطاع الصحة.

كما أعلن عن تخصيص علاوة تقدر بنحو تسعة آلاف دولار لفائدة عائلات الضحايا من مدنيين وعسكريين، وعن تسخير كل الإمكانيات الصحية من أجل التكفل بالمصابين والجرحى والمصدومين.

ويجزم شهود عيان بأن “الحياة لن تعود غدا إلى تيزي وزو والمسألة تحتاج إلى سنوات لترميم مخلفات الكارثة، فشجرة الزيتون لوحدها تحتاج إلى خمس سنوات من أجل أن تثمر”، وذلك في إشارة إلى ضياع حقول الزيتون والتين التي تشتهر بها المنطقة، وفيها أشجار يقدر عمرها بالعشرات من السنين، وهناك من فاقت القرن.

وباتت المخاوف لدى الشارع الجزائري من القادم محل إجماع بسبب توالي الأزمات في البلاد، فكل فصل جديد يغطي على الذي سبقه، وأمام هذا الأمر تبقى السلطة في محل رد الفعل في كل مرة، ولم يعد بإمكانها مواجهة الوضع لولا الهبة الشعبية التضامنية المستمرة.

وزاد الخطاب غير الشفاف الممارس من طرفها في فقدان الأمل في الخروج من الأزمة المركبة، وحتى التعهدات التي قطعها الرئيس تبون على نفسه خلال حملته الانتخابية لم ير الشارع منها شيئا على الأرض، وإلا لما اضطر للتكفل بشراء أجهزة تكثيف الأكسجين، وإطفاء الحرائق، وتوفير المؤونة للسكان المتضررين، بينما عجزت المؤسسات الرسمية عن الاضطلاع بمهامها.

وبين التفسيرات والمقاربات المتضاربة حول خلفيات وملابسات الأزمة المذكورة، يبقى دور السلطة والمؤسسات المتفرعة عنها هو العامل الأول في المشهد وهو المسؤول المباشر عما يحدث في البلاد خلال الأشهر الأخيرة، وأن تقصيرها أو فشلها هو الذي يساهم في تنامي حالة الغليان الشعبي.

ورغم تدخل الأطراف الخارجية والداخلية المستفيدة من الوضع السائد، فإن الثابت لغاية الآن هو عدم ارتقاء السلطة الحاكمة إلى مستوى التحديات، ودخولها في تجاذبات هامشية من أجل تعليق فشلها على شماعة المؤامرة والاستهداف، بدل التفرغ لحلول حقيقية للأزمة المعقدة وإرساء تماسك داخلي يكفل الصمود في وجه الأجندات الدولية والإقليمية المفترضة.

وفيما طالبت قوى سياسية كحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بإعلان تيزي وزو محافظة منكوبة، مازالت الجزائر ترفض الرد على عروض المساعدات الدولية التي تقدمت بها عدة عواصم عربية وأوروبية، ولا يستبعد أن يكون خطاب السيادة الوطنية هو مصدر التحفظ المذكور.

لكن اعتراف الرئيس تبون بعدم تحصيل طائرات إطفاء في الوقت المناسب للشراء أو الإيجار من طرف دول الاتحاد الأوروبي، لأنه كان يعطي الأولوية لدولة اليونان، يوحي بعلاقة غير ندية ولا هي متوازنة بين الطرفين، كما يطرح تقصيرا للحكومة الجزائرية في اتخاذ التدابير الاحتياطية للظروف الطارئة.

ومازال مصير الطائرات التي طلبتها من روسيا غامضا، فقد كان ينتظر وصول اثنتين من الثماني المتفق عليها السبت الماضي، غير أن عدم ترخيص السلطات اليونانية لعبور أجوائها عطل المسألة، ولم تقدم توضيحات أخرى في هذا الشأن، ولم يتم التحكم في الوضع وإخماد النيران إلا بقدوم طائرات مؤجرة من فرنسا وإسبانيا وسويسرا، لكن تأخرها فاقم الكارثة على نحو غير مسبوق.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: