غضب شعبي على السلطات الجزائرية: تأخرت عن إنقاذنا

حنان الفاتحي

أثار التعاطي السلبي للسلطات الجزائرية مع الحرائق الهائلة للغابات والتي ضربت مناطق واسعة من شمال البلاد موجة من الانتقادات لأداء الحكومة وتقاعسها عن القيام بواجباتها تجاه المتضررين، وعدم الأخذ بعين الاعتبار تنبيهات الخبراء طوال السنوات الماضية، حيث حذّروا من مخاطر الحرائق المتجددة كل صيف.

تصاعدت حدة الانتقادات الموجهة إلى السلطات الجزائرية على خلفية التعاطي السلبي مع الكارثة الصحية وحرائق الغابات التي اندلعت في شمال البلاد وأسفرت عن سقوط العشرات من الضحايا، وسط اتهامات للحكومة بالتقاعس عن أداء مهامها وركونها إلى الاكتفاء بتوجيه اتهامات لأطراف لم تسمها بالوقوف وراء كارثة الحرائق دون تقديم حلول عاجلة للمتضررين.

ودفعت تلك التطورات الجزائريين إلى تنظيم حملات لجمع وتسليم المساعدات الطارئة من خلال تعبئة واسعة لجهود المجتمع المدني، سواء داخل البلاد أو خارجها، لمواجهة الكارثة الصحية وحرائق الغابات وسط تدخل متأخر للحكومة للقيام بأداء مهامها وتقاعسها عن تقديم المساعدة.

وعلى الرغم من إعلان السلطات الجزائرية تمكنها من السيطرة على غالبية حرائق الغابات التي اجتاحت شمال البلاد، خصوصا في منطقة تيزي وزو الأكثر تضررا في منطقة القبائل، إلا أنه سُجل وقوع حرائق أخرى بالتزامن مع انتقادات لأداء الحكومة في تلك الأزمة.

ويقول خبراء جزائريون إن حرائق الغابات كشفت عن عدم استباق السلطات العامة الأحداث وعدم اتخاذها إجراءات واستعدادات لمواجهة حرائق تتكرر كل صيف. ولم يمنع ذلك السلطات من توجيه الاتهامات لجهات والإعلان عن القبض على أشخاص بتهمة إشعال الحرائق بهدف التخريب.

ويرى مراقبون أن السلطات الجزائرية تعمل على صرف الأنظار عن سوء إدارتها لأزمة الحرائق عبر الترويج لنظرية المؤامرة بالوقوف وراء حرائق الغابات. وكان خبراء ومسؤولون جزائريون قد حذروا السلطات من تأثيرات التغير المناخي والحرارة الشديدة على الغابات.

أزمة متفاقمة

عبدالكريم شلغوم: لو توفّرت إرادة سياسية لكنا أكثر استعدادا للحرائق

لم تكن أزمة حرائق الغابات الوحيدة التي أثارت غضبا واسعا بين الجزائريين، فهناك الأزمة الصحية المتفاقمة في البلاد على وقع سوء إدارة السلطات لها، بالإضافة إلى استمرار حالة تردي الخدمات المقدمة في المستشفيات العامة.

وأدت الانتقادات الموجهة للسلطات المحلية -بسبب التعاطي السلبي مع أزمة الحرائق- والكارثة الصحية بالجزائريين إلى إطلاق حملة واسعة لجمع التبرعات والمساعدات من الخارج.

وتشير تقارير إعلامية إلى أن حجم تضامن المغتربين الجزائريين الذي تم تناقله بشكل واسع على شبكات التواصل الاجتماعي لم يسبق له مثيل منذ الزلزال الكبير الذي ضرب العاصمة الجزائر عام 2003.

ويقول سمير اليحياوي، أحد رموز المجتمع المدني الجزائري، إن “النظام لم يكن لديه خطة، لقد تأخر في التحرك والمجتمع المدني هو الذي بادر ونظم نفسه في الجزائر أولاً ثم مع الشتات عبر شبكة من الجمعيات الشريكة”.

وتواجه الجزائر منذ عدة أسابيع أزمة مزدوجة؛ أزمة تفشي المتحورة دلتا من فايروس كورونا وأزمة انتشار حرائق الغابات في شمال شرق البلاد على مرتفعات منطقة القبائل حيث لقي أكثر من 70 شخصًا حتفهم.

ومن جانبها تقول فايزة مناعي، ممثلة جمعية “قومي يا جزائر”، لوكالة الصحافة الفرنسية “أشعر بالصدمة لأن الحكومة لم تطلب حتى الآن مساعدات دولية أو حتى تطمئن الناس أو تقر بوجود كارثة”، في إشارة إلى حرائق الغابات أو الأزمة الصحية المتفاقمة في البلاد.

واتسم الخطاب الرسمي الجزائري باتهام جهات وأطراف -لم يسمّها- بالوقوف وراء إشعال الحرائق التي وصفها الرئيس عبدالمجيد تبون بأنها كارثة وحث على “الحفاظ على الوحدة الوطنية”.

واعتبر تبون في خطاب بثه التلفزيون الرسمي على الهواء الخميس الماضي أن بعض الحرائق تسبب فيها ربما الطقس الحار جدا في منطقة البحر المتوسط بصفة عامة “لكن أغلبها تسببت فيها أياد إجرامية”.

وأعلنت السلطات الفرنسية يوم الأربعاء الماضي إرسال طائرتين قاذفتين للماء وطائرة قيادة إلى الجزائر لإخماد الحرائق في الغابات شمال البلاد. وأفادت فرق الإغاثة الجزائرية بنشوب “خمسة حرائق” في محافظة تيزي وزو الجمعة، بعد التمكن من إخماد جميع الحرائق في تلك المنطقة.

ويواصل رجال الإطفاء ومتطوعون مكافحة 35 حريقا في 11 محافظة أخرى، من بينها جيجل وبجاية وبومرداس وفق أحدث تقرير للحماية المدنية. وفي المجموع أخمد 76 حريقا من أصل مئة أحصيت الخميس الماضي، في 15 محافظة في البلاد.

غياب الإرادة السياسية

جهود حثيثة لإخماد الحرائق ولكن لا تكفي

يقول مدير الأبحاث في جامعة باب الزوار في الجزائر العاصمة ورئيس نادي المخاطر الكبرى عبدالكريم شلغوم إنه محبط أمام هول الكارثة التي يعتبر أنها كانت “متوقعة”، مبديا أسفه لغياب “الإرادة السياسية لتلافيها”.

وشهدت الجزائر بين عامي 2001 و2004 أربع ظواهر ذات مخاطر كبرى، من بينها فيضانات باب الواد في العاشر من نوفمبر عام 2001 والتي راح ضحيتها 950 قتيلا و150 مفقودا، بالإضافة إلى غزو هائل للجراد في الجنوب، وزلزال بومرداس في مايو عام 2003 الذي راح ضحيته نحو 3000 قتيل، ثم انفجار في مصنع للغاز في سكيكدة خلال يناير 2004.

ويوضح شلغوم أن الحكومة قررت بعد هذه المخاطر إنشاء لجنة خبراء مهمتها صياغة قانون بشأن إدارة المخاطر الكبرى في سياق التنمية المستدامة، حيث أقرّ البرلمان القانون في الخامس والعشرين من ديسمبر 2004، “لكن للأسف، ورغم إصرارنا، لم تبصر المراسيم التطبيقية النور قط”.

ويشير إلى أن القانون تضمن على وجه التحديد حرائق الغابات، مع التدابير الاستباقية وقواعد الحماية كافة وإدارة المناطق الجبلية والأحراش والمساحات المكسوة بالغابات.

وقال “كل شيء كان مكتوباً ومتوقعاً: شراء طائرات لمكافحة الحرائق وأجهزة استشعار عن بعد”.

ويرى أن من نتائج عدم تطبيق القانون في الوقت الراهن “معاناة أجهزة الحماية المدنية في الميدان، جراء عدم وجود مسارات في الغابات ولا نقاط مياه أو خنادق”.

حرائق الغابات كشفت عن عدم استباق السلطات الأحداث وعدم اتخاذها إجراءات واستعدادات لمواجهة حرائق تتكرر كل صيف

واعتبر أن ذلك كله أدى إلى تعقيد تدخل رجال الإطفاء والمهندسين (العسكريين) الذين يلعبون بشكل عام دوراً مهماً للغاية أثناء الكوارث الطبيعية.

وأوضح أن الجزائر استفادت من سيل من الدولارات لسنوات بفضل الوقود، لكن “لسوء الحظ، لم يفعل المسؤولون في البلاد الذين أصدروا هذا القانون من دون تطبيقه (في عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة) شيئاً. ومع ذلك فقد توقعنا كل شيء. لو توفّرت إرادة سياسية لكنا أكثر استعداداً. أشعر بالإرهاق والإحباط في الوقت ذاته”.

ويقول رئيس نادي المخاطر الكبرى إن خبراء المناخ في الأمم المتحدة صنفوا في تقريرهم الأخير الجزائر على أنها نقطة ساخنة للتغير المناخي، حيث يمثّل التصحّر والجفاف خطراً كبيراً، مع الإجهاد المائي وحرائق الغابات المدمرة وخصوصاً الفيضانات.

ويضيف أنه “كان على السلطات العامة أن تكون على جهوزية” لمواجهة هذه التطورات والمخاطر.

وأكد “نحن، كخبراء ومجتمع مدني، لم نتوقف أبداً عن إبلاغهم وتنبيههم. يتعلّق الأمر بقضية أمن قومي. وهناك أكثر من عشرة مخاطر كبرى تهدد البلاد بشكل متزامن ومنتظم”.

وقال “التهديدات موجودة أساساً. إنها هناك. وتتمّ إدارة المخاطر الرئيسية عن طريق التوقع والتنبؤ والوقاية”.

غضب شعبي

Thumbnail

يقول نائب رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان سعيد صالحي “في دائرة الأربعاء ناث إيراثن مركز الحرائق في منطقة القبائل لم يتمكن الخبراء إلا من تحديد هوية 19 جثة من أصل 25″، مشيرا إلى أن العائلات ما زالت تبحث عن أفراد منها، وهو ما يفاقم حالة الحزن والمأساة.

وتقع دائرة الأربعاء ناث إيراثن على مرتفعات وتضم حوالي عشرين بلدة يعتاش أبناؤها من زراعة الأشجار الجبلية، إلا أن الحرائق أتت على كل شيء.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مواطن جزائري يدعى جمال قوله بغضب إن “المشهد فظيع وما من كلام كاف لوصفه”، وعبر عن أسفه لعدم جهوزية السلطات رغم أن الحرائق تتكرر.

ونتيجة لذلك أخليت بلدات بكاملها واحترقت منازل وتفحمت قطعان. وتنتشر مشاهد الفوضى والخراب في كل مكان.

ويضيف الرجل الستيني “الحكم يقوم على استباق الأمور وتوقعها إلا عندنا حيث التحرك يأتي دائما بعد الكارثة، بعد أن يقع الضرر”.

أما مهند فقد نقل عائلته إلى العاصمة الجزائرية وعاد إلى منطقة الحرائق للمساعدة في العمل ميدانيًا. وهو يواجه صعوبة في وصف فظاعة الوضع، وعن ذلك يقول “لم يسبق أن رأيت شيئا كهذا من قبل. خسرت عائلات كل شيء”.

لم يعد هناك مكان آمن

ويضيف وقد اعتصرته الغصة “ما زلت أشم رائحة الأجسام المحترقة، رائحة لا تحتمل وهي لا تفارقني”.

ولا تزال دوائر عدة من منطقة تيزي وزو دون كهرباء وغاز وخطوط هاتف، فقد أغلقت الكثير من محطات الوقود بعد انفجار واحدة في عين الحمام ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص من عائلة واحدة كانوا في سيارتهم.

ويعبر أبناء هذه الجهة عن خشية أخرى تتمثل في احتمال تسجيل ارتفاع كبير في الإصابات بكوفيد – 19، فخلال مكافحة الحرائق سقطت كل تدابير الوقاية.

إلا أن شهادات عدة تشير إلى أن “السكان تنفسوا الصعداء” إثر وصول الطائرات القاذفة للمياه. والجزائر هي أكبر دولة أفريقية وتضم 4.1 مليون هكتار من الغابات مع نسبة إعادة تشجير متدنية جدا تبلغ 1.76 في المئة.

وتنتشر الحرائق سنويا في شمال البلاد؛ ففي عام 2020 اجتاحت النيران 44 ألف هكتار من الأحراج. وتكثر الحرائق في مناطق مختلفة من العالم وهي مرتبطة بظواهر متنوعة توقعها العلماء بسبب الاحتباس الحراري.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: