حرائق ضخمة تحول مناطق شرق الجزائر إلى ركام من الفحم والرماد

بليدي

تواصل النيران التهام ما بقي من غطاء نباتي في العديد من المحافظات الجزائرية، مخلفة وراءها كارثة بيئية، وخسائر بشرية ومادية ضخمة، لم يحدث أن سجلت مثيلا لها، وتتواصل معها حالة الذعر والهلع وسط السكان، خاصة في ظل ضعف إمكانيات التكفل والتحكم في ألسنة اللهب، مقابل استمرار ارتفاع درجات حرارة قياسي، خاصة في المناطق الداخلية والجنوب.

واستفاقت الجزائر الثلاثاء على وقع كارثة بيئية غير مسبوقة، خاصة في محافظة تيزي وزو، شرقي العاصمة، حيث تحولت تضاريسها الجبلية إلى كتلة من الرماد والفحم جراء النيران القوية التي اندلعت منذ صباح الاثنين ومازالت مستمرة.

السكان والجمعيات واللجان الأهلية هم من امتص الصدمة الأولى للحرائق وبفضل جهودهم تم إنقاذ العشرات من العائلات

وعرفت الجزائر خلال اليومين الأخيرين موجة كبيرة من الحرائق، مست 18 محافظة في وسط وشرق البلاد، إلا أن أضخمها يسجل في محافظة تيزي وزو، التي تعيش وضعا إنسانيا صعبا، حيث أحصى شهود عيان 25 بؤرة نار، خلفت خسائر بشرية ومادية.

واضطر سكان العديد من القرى إلى النزوح ليلا، خشية امتداد ألسنة اللهب إليهم، خاصة وأن العشرات من المساكن الريفية والقروية تحولت إلى رماد، بينما أتلفت ممتلكات كبيرة في رؤوس الماشية وإسطبلات تربية الدواجن، في حين كانت الحيوانات البرية الضحية الأولى.

واستغرب الشارع الجزائري اندلاع الحرائق في توقيت واحد لتطال معظم المحافظات الوسطى والشرقية للبلاد، وترتكز بشكل لافت في محافظة تيزي وزو، التي تعد عاصمة منطقة القبائل الأمازيغية.

وتضاربت الروايات بشأن حصيلة الضحايا، فبينما تحدثت مصالح الحماية المدنية (الدفاع المدني) عن ثمانية ضحايا، سبعة في تيزي وزو والآخر في محافظة سطيف، ذكر شهود عيان أن الحصيلة ستكون أثقل وغير بعيد أن تصل سقف الـ20 ضحية، مقارنة بالتهام النيران ومحاصرتها لبيوت وقرى بكاملها.

وأفاد هؤلاء بأن ما “فاقم الوضع هو انقطاع المياه أو ندرتها، وانقطاع التيار الكهربائي، الأمر الذي عقّد من مهمة وقف امتداد ألسنة اللهب، بينما كان التضامن الشعبي البديل الوحيد لتأخر تدخل المصالح العمومية المختصة، خاصة في ظل هشاشة الإمكانيات المسخرة لمواجهة الحرائق”.

خسائر بشرية ومادية ضخمة

ومنذ الساعات الأولى لصباح الثلاثاء توجهت أرتال من الحماية المدنية والتدخل المدني، فضلا عن مروحيتين تابعتين للقطاع، من المحافظات المجاورة إلى تيزي وزو، من أجل وقف امتداد النيران ومساعدة السكان وإجلائهم إلى أماكن آمنة.

وسارعت قيادة المؤسسة العسكرية بتسخير وتعبئة وحدات مختصة وآليات ومعدات، تدخلت في محافظات تيزي وزو وبجاية وجيجل وسطيف، من أجل تقديم يد المساعدة لقوات الدفاع المدني والمواطنين في إخماد الحرائق.

وذكر شاهد عيان محلي ، أن “السكان والجمعيات واللجان الأهلية المحلية هي التي امتصت الصدمة الأولى للحرائق ليل الاثنين، وبفضل جهود هؤلاء تم إنقاذ وإجلاء العشرات من العائلات وإخماد بعض البؤر، غير أن انقطاع أو ندرة المياه، وانقطاع التيار الكهربائي عقد من المهمة”.

وحول استفسار عن الخسائر، فقد وصفها بـ”الكارثة الضخمة على الغطاء النباتي والغابات والحقول والممتلكات والبيوت وحتى الأرواح.. تيزي وزو الآن هي فحم ورماد ورائحة دخان تخنق الأنفاس”.

وحركت هذه الحرائق أزمة الثقة بين سكان المنطقة الأمازيغ والنظام، حيث لم يتردد كثير من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في اتهام السلطة بالسعي للانتقام من المنطقة وسكانها بسبب مواقفها السياسية المناوئة لها.

ويستحضر هؤلاء الناشطون ما بات يعرف بـ“مخطط مسح الأمازيغ”، الذي وقفت وراءه دوائر رسمية أو مقربة من السلطة، بحسب ما كشف عنه القضاء العسكري، عندما وجه تهمة “خلق صراع عرقي وإثني بين مكونات المجتمع”، للأمين العام السابق لوزارة الدفاع الجنرال عبدالحميد غريس، المتواجد في السجن العسكري حاليا.

وفي المقابل استحضرت السلطة نظرية المؤامرة للتغطية على تقصيرها في التصدي لهذه الكارثة.

وقال وزير الداخلية والجماعات المحلية كمال بلجود، لوسائل إعلام محلية خلال زيارته للمنطقة صباح الثلاثاء إن “اندلاع العشرات من الحرائق في وقت واحد يؤكد أن وراءها يدا إجرامية، وأن المصالح الأمنية ستقوم بالتحقيقات اللازمة”.

ولفت بلجود الذي كان يقود وفدا حكوميا، إلى أن “رئيس الجمهورية يتابع التطورات في تيزي وزو منذ ليلة الاثنين، وأن جهات حاقدة على الجزائر تريد تحطيم البلاد لكنها لن تستطيع”، دون أن يسمي أو يلمح للجهات التي يقصدها.

وعبر وزير الداخلية عن “عزم الحكومة على التكفل التام بالمتضررين وحماية أرواح المواطنين وكل الخسائر المسجلة ستتكفل بها الدولة في أقرب الآجال”.

واكتفى الرئيس عبدالمجيد تبون بتوجيه رسالة تعزية إلى عائلات الضحايا، عبر لها فيها عن تضامنه وتعاطفه معها في الظروف الصعبة التي تمر بها، لكن الاستفهامات تبقى تطرح عن سر “جمود” الرجل بين أسوار قصر المرادية، وعدم تفقد أو القيام بزيارة ميدانية، منذ انتخابه رئيسا للبلاد في ديسمبر 2019 إلى غاية الآن رغم بعض الظروف الاستثنائية التي عاشتها بعض المناطق، كزلزال ميلة والحرائق المذكورة.

وأخذ الوضع بعدا تضامنيا إقليميا بعد الاتصالات التي تلقاها الثلاثاء الرئيس تبون من طرف نظيره التونسي قيس سعيد، وأمير دولة الكويت نواف الأحمد الجابر الصباح، اللذان عبرا له عن تضامن بلديهما مع الشعب الجزائري في المحنة التي ألمت به.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: