تبون يقفز على مبادرة العاهل المغربي للتصالح باقتراح بدائل غير واقعية

ماموني

تجاهلت الجزائر الردّ على دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس بشأن فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ قرابة ثلاثة عقود وطي صفحة الخلافات بينهما، في خطوة كشفت عن تواصل الأزمة بعد تمسّك الرئيس عبدالمجيد تبّون بمواقفه، على خلفية تصريحات ممثل المغرب لدى الأمم المتحدة.

رفض الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون التجاوب مع دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى تجاوز الخلافات بين البلدين والعمل معا لتطوير العلاقات، معتبرا أن الأزمة بين البلدين مستمرة على خلفية تصريحات سفير المغرب في الأمم المتحدة عمر هلال بشأن “منطقة القبائل”.

واعتبر تبون في لقاء صحافي بثه التلفزيون الرسمي الأحد أنه “لم يكن هناك تجاوب من طرف المغرب للمشكلة في الظرف الحالي، عقب استدعاء الجزائر لسفيرها لدى المملكة للتشاور”، واصفا تصريحات سفير المملكة المغربية في نيويورك هلال ضد الجزائر بـ”الخطيرة”.

وكان العاهل المغربي دعا في خطاب العرش في يوليو الماضي “للعمل سويا، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار”.

وفي كلمته بمناسبة الذكرى الـ22 لتوليه العرش، خصّص العاهل المغربي جزءا كبيرا من خطابه للحديث عن العلاقات بين المغرب والجزائر، وعن الحدود المغلقة بين البلدين منذ 27 عاما. وأكد أنه مقتنع بأن “الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين وشعبين شقيقين”.

ورغم ذلك، قفز تبون على سؤال حول موقفه من المبادرة الملكية، معتبرا أن بلاده تنتظر توضيحا من المغرب حول تصريحات سفير المملكة بالأمم المتحدة حول تقرير مصير منطقة القبائل.

وكان هلال قد دعا خلال اجتماع دول عدم الانحياز الافتراضي بأذربيجان، الذي عقد في الثالث عشر والرابع عشر من يوليو الماضي، إلى “استقلال شعب القبائل”، ردا منه على إعلان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة “دعم حق تقرير مصير الشعب الصحراوي” في الاجتماع ذاته.

وسبق لوزارة الخارجية الجزائرية أن أعلنت في بيان لها استدعاء السفير الجزائري في الرباط “للتشاور” نظرا لما أسمته “غياب أي صدى إيجابي ومناسب من قبل الجانب المغربي”، ولم تستبعد “اتخاذ إجراءات أخرى، حسب التطور الذي تشهده هذه القضية”.

هشام معتضد: موقف تبون يعكس محدودية رؤية الجزائر لمستقبل العلاقات

وأكد هشام معتضد الأكاديمي والمحلل السياسي أن التجاوب السلبي للرئيس الجزائري تبون مع دعوة الملك محمد السادس إلى طي صفحة الخلافات يبرهن مدى هيمنة الفكر المحدود الذي تتسم به رؤية النظام على مستوى الدفع بالعلاقات الإقليمية إلى نوع جديد من الديناميكية الجيواستراتيجية خاصة في ظل التحولات في المنطقة.

وأضاف في تصريح لـه أن التركيبة اللغوية والسياسية لرد الرئيس الجزائري تترجم تقوقع الخط الأيديولوجي لمؤسسة الرئاسة الجزائرية في منظور هش ورجعي لبناء فضاء مغربي مفتوح وحركي يتماشى وتطلعات الشعوب المغاربية والقوى الحية في المنطقة خاصة، مضيفا أن “الظرفية الحالية تحتم تعزيز وتقوية التكامل الإقليمي على مستوى العديد من القطاعات والميادين”.

وشنت الآلة الإعلامية والسياسية والعسكرية التابعة للنظام الجزائري حملة لإظهار المغرب كعدو يتربص بالجزائر، حيث قال رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة إن بلاده “مستهدفة” من جهات أجنبية “انتقاما منها على مواقفها المبدئية تجاه القضايا العادلة”. وتزامن حديث شنقريحة مع حملة إعلامية واسعة من قبل الصحافة الجزائرية للتشكيك في النداء الذي أطلقه الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش.

وقال العاهل المغربي في الخطاب الذي وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لعيد العرش “ندعو إلى تغليب منطق الحكمة والمصالح العليا، من أجل تجاوز هذا الوضع المؤسف الذي يضيع طاقات بلدينا ويتنافى مع روابط المحبة والإخاء بين شعبينا”.

وحرص تبّون في المقابلة التلفزيونية على تكرار التأكيد على دعم بلاده لجبهة البوليساريو، وقال “إن القضية موجودة بين أيدي الأمم المتحدة وفي لجنة تصفية الاستعمار”.

وتحدث تبون عن استعداد بلاده لاحتضان أي لقاء بين الجمهورية الصحراوية والمغرب، ووضع الإمكانيات الضرورية تحت تصرفهما، محاولا إظهار بلاده التي تحتضن البوليساريو بمظهر البلد الملاحظ فقط، وقال “لن تفرض أي قرار على الصحراويين”.

واعتبر قرار مجلس الأمن رقم 2548 الصادر في الثلاثين من أكتوبر 2020 الجزائر طرفا رئيسيا في أي عملية سياسية تهدف التوصل إلى “حل سياسي واقعي وبراغماتي ودائم” لقضية الصحراء “قائم على التوافق”.

وأضاف تبون أن الدبلوماسية الجزائرية تعمل على العودة إلى “مكانتها الطبيعية”، وقال “الجزائر اليوم رجعت إلى مكانتها الحقيقية”، وتابع أن بلاده عادت إلى “الملفات الحقيقية التي من الضروري التكفل بها، منها الملف الليبي، ملف الصحراء المغربية، الملف الفلسطيني وملف الاتحاد الأفريقي”.

واعتبر معتضد “أن هناك مغالطات صريحة تضمّنها ردّ الرئيس الجزائري خاصة في ما يتعلق بربط الاستجابة الإيجابية للدعوة بملف الصحراء وموقف الجزائر من القضية التي تعتبرها الرباط قضية وطنية ومسألة وجود مرتبطة بروح بناء الأمة المغربية وتماسكها”.

وأوضح “أنه إذا كان جواب الرئيس الجزائري يعبّر عن غياب وعي استراتيجي وسياسي في تدبير الأزمات وترشيد الصراعات الإقليمية، فإن عمق الأزمة لدى القادة الجزائريين يكمن في النهج الفكري الذي تبنته مؤسستها في توجيه الخارطة السياسية الخارجية خاصة على المستوى المغاربي والإقليمي وهو ما يفسّر الانكماش الكبير الذي تعيشه مؤسستها الدبلوماسية”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: