استراتيجية المغرب لإدماج الشباب في قطاع الزراعة تحل العديد من مشاكلهم

حنان الفاتحي

يعمل المغرب على تشجيع الشباب وتأهيلهم لدخول ميدان العمل الزراعي والفلاحي باستراتيجية طويلة الأمد، تسهم في خلق الآلاف من فرص الشغل لهم وتحسين دخلهم، وفي نفس الوقت تطوير القطاع الفلاحي وتحديثه.

تشكل الزراعة المصدر الرئيسي للتشغيل في المغرب، وتسهم بنحو 38 في المئة من إجمالي فرص العمل، لذلك تعتبر من أهم القطاعات التي تساهم مشاريعها بحل أزمة الشباب المتمثلة بالبطالة وضعف الدخل والفراغ.

وتعتبر استراتيجية “الجيل الأخضر 2020 – 2030” الجديدة لتنمية القطاع الفلاحي، فرصة مواتية للشباب إلى جانب مواصلة تطوير القطاع، من خلال دعم التنمية البشرية والاجتماعية، ما يعني تعزيز المكاسب التي حققتها خطة المغرب الأخضر، باعتماد رؤية جديدة للقطاع الفلاحي، وتكريس حكامة جديدة، وإرساء وسائل حديثة للنهوض بالقطاع.

ويواجه الشباب الذي يريد الاستثمار في الزراعة، صعوبة كبيرة، تتعلق بغلاء أسعار الأراضي الفلاحية، لكن يمكن تجاوز هذه المشكلة بتشجيع الشراكة بين الفلاحين الشباب وملاك الأراضي الفلاحية.

ويجب توفير الظروف الملائمة لاستقرار الشباب في الأرياف وتدريبهم على تقنيات الري، كما من الضروري تعزيز حضور النساء في أي سياسة فلاحية مستقبلية.

ووعدت الحكومة سابقا باقتراح ميثاق اجتماعي جديد لاستغلال الأراضي الفلاحية، يتمكن بموجبه أحد أفراد الأسرة من الشباب بشكل توافقي من حق استغلال الأراضي في حياة أصحابها، مع تمكينهم من تدريب ملائم يؤدي إلى مواكبة الأجيال في القطاع الفلاحي للتطورات الحديثة، ويضمن دخول جيل جديد من الشباب المؤهل للميدان الفلاحي.

لتنطلق لاحقا استراتيجية “الجيل الأخضر 2020 – 2030” التي تكرس الرؤية لقطاع فلاحي متين ومستدام وتكمّل مجموع الخطط والبرامج السابقة لاسيما برامج الطاقة المتجددة، والبرنامج الوطني للتزود بماء الشرب ومياه السقي 2020 – 2027، والاستراتيجية الوطنية لتطوير الفضاء الغابوي “غابات المغرب 2020 – 2030”.

وسيتم تعزيز العنصر البشري، من خلال إحداث جيل جديد من الطبقة الوسطى لما يقرب من 350 إلى 400 ألف أسرة جديدة وتثبيت 690 ألف أسرة ضمن هذه الطبقة، استنادا إلى أربع ركائز.

وتشمل هذه الركائز، أساسا، تحسين أداء وتنافسية القطاع الفلاحي في أفق 2030، من خلال مضاعفة الناتج الداخلي الخام الفلاحي ليبلغ 200 إلى 250 مليار درهم (الدولار = 9 دراهم مغربية)، وإحداث أكثر من 350 ألف فرصة عمل جديدة مع تحسين ظروف الفلاحين.

وتشمل هذه الركائز إفراز جيل جديد من رواد الأعمال الشباب، من خلال تعبئة وتطوير مليون هكتار من الأراضي الجماعية وخلق 350 ألف فرصة شغل للشباب، وتحسين دخل الفلاحين، وتعميم التأمين الفلاحي، وإنشاء إطار خاص للفلاح يتيح له الاستفادة من خدمات الحماية الاجتماعية، وتقليص الفرق في الحد الأدنى للأجور بين القطاع الفلاحي والقطاعات الأخرى بحلول سنة 2030.

تطوير الفلاحة

إفراز جيل جديد من رواد الأعمال الشباب بتطوير مليون هكتار من الأراضي وخلق 350 ألف فرصة شغل

سيتم أيضا إطلاق جيل جديد من التنظيمات الفلاحية وجيل جديد من آليات المواكبة الأكثر ابتكارا، والتي ستمكن من مضاعفة معدل إعادة التجميع وتعزيز دور المهن الفلاحية بمقدار خمسة أضعاف، من خلال الترويج لنماذج تعاونية جديدة وتعزيز استقلالية هذه المنظمات المهنية على مستوى هيكلة سلاسل الإنتاج.

وسيكون بمقدورهم أيضا الاستفادة من تدابير الدعم الجديدة، لاسيما من خلال تعزيز وتعميم الاستشارة الفلاحية وربط ما لا يقل عن مليوني فلاح بمنصات الخدمات الرقمية، وكذلك من خلال إثراء نظام المواكبة في مجال الفلاحة التضامنية.

ولتحقيق الركيزة الثانية، تنص الرؤية الجديدة على توحيد القطاعات الفلاحية ومضاعفة قيمة الصادرات المغربية لتصل إلى ما بين 50 و60 مليار درهم، فضلا عن تحسين سلاسل التوزيع، لاسيما من خلال تحديث 12 سوقا للجملة وأسواقا أخرى، بشراكة مع وزارة الداخلية والجهات المحلية.

وتستهدف الاستراتيجية أيضا تطوير الفلاحة المتينة والمستدامة من خلال تنفيذ البند المتعلق بمياه السقي، والذي يندرج في إطار البرنامج الوطني للتزويد بماء الشرب ومياه السقي 2020 – 2027، ودعم الفلاحين في الانتقال إلى الطاقات المتجددة، وتحسين تقنيات الحفاظ على التربة، بالإضافة إلى تحسين الجودة والقدرة على الابتكار، من خلال منح الموافقة لـ120 مسلخا حديثا ومضاعفة الضوابط الصحية لتتوافق مع المعايير الدولية وتلبية احتياجات المستهلك، واتخاذ المنتج “المصنوع بالمغرب” ضمانا للجودة.

وتشكل هذه الاستراتيجية حلولا مستدامة لمشاكل صغار المزارعين وغالبيتهم من الشباب الذين يعانون الفقر والتهميش ويعانون من التدهور البيئي. ومع صعوبة الحصول على مياه الري، يحجم المزارعون عن إنفاق مواردهم المالية على الابتكارات التقنية والمعدات الحديثة، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية.

ثم يضطر صغار المزارعين إلى الإفراط في استغلال الأراضي وإلى انتهاج ممارسات زراعية غير مستدامة لمجرد تأمين الحد الأدنى من سبل العيش.

ويعتبر تدهور الأراضي تحديا رئيسيا للمغرب، بما يترتب عليه من خسائر اقتصادية تقدر بحوالي 134 مليون دولار سنويا. ويعاني ما يقرب من مليوني هكتار من الأراضي من تراجع الموارد المائية. كما يؤدي الرعي الجائر والاستغلال الجائر والتلوث الزراعي الناجم عن سوء استخدام الأسمدة والمبيدات إلى تدهور التنوع البيولوجي. ويؤثر التدهور البيئي وفقدان التنوع البيولوجي سلبا على نواتج زراعة الكفاف، مما يبقي على صغار المزارعين داخل دائرة مفرغة من الفقر.

التحدي البيئي

التغير المناخي يؤثر على القطاع الزراعي بشدة

وقال عبدالغني يُمني، الخبير الاقتصادي والمتخصص في السياسات العمومية لدول جنوب وشرق المتوسط، إن رفع التحدي البيئي في البعد الأخضر للاستراتيجية، مع الرغبة في تطوير فلاحة مرنة ومستدامة، يستلزم تحولا في النظام الإنتاجي وحتى الاجتماعي، والتي لا يتحقق نجاحها إلا إذا تبناها الفلاحون أنفسهم.

وقال يُمني، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء “سيتعين على فلاحينا أن ينخرطوا في مرحلة انتقال بيئي فلاحي تتيح لهم تعلم الطريقة الفضلى للسقي، والاستفادة من الأسمدة والطاقات المتجددة”.

وأضاف أن تحقيق هذه الاستراتيجية، التي تهدف للوصول إلى مستوى جديد في القطاع الفلاحي المغربي، سيتطلب زيادة سنوية في ميزانية القطاع بنحو 2.5 في المئة اعتبارا من عام 2020.

وتم الشروع في تنفيذ هذه الاستراتيجية، التي تعد وسيلة حقيقية للنهوض وتطوير القطاع الفلاحي وتحديثه، لاسيما على المستوى الإقليمي حسب خصوصيات ونقاط قوة كل منطقة، بتنسيق مع جميع الفعاليات، وفقا لمبادئ الحكامة الجيدة من حيث مراقبة وتقييم المستثمرين وكذلك مؤشرات الكفاءة والمردودية.

وتحدثت مجلة “فوربس فرانس” عن الاستراتيجية وما تحققه لشريحة واسعة من الشباب، وذكرت في مقال بعنوان “الجيل الأخضر: النموذج الفلاحي المغربي نموذج يُحتذى”، أن استراتيجية “الجيل الأخضر” بقدر كونها استراتيجية كاملة وطموحة، فهي كذلك خارطة طريق حيال “تفكير شامل وطموح من أجل تطوير القطاع”.

وأكد مدير دائرة المغرب العربي بالبنك الدولي، جيسكو هينتشل، أن إطلاق الاستراتيجية يأتي في وقت حرج بالنظر إلى الأزمة المزدوجة المتمثلة في جائحة كوفيد – 19 والجفاف الذي تعاني منه البلاد.

وأضاف أن تطوير الاستراتيجية سيتمثل أساسا، في الاستجابة للأزمة وسبل الخروج منها، مسجلا أن البعد الأخضر للاستراتيجية، لاسيما المتعلق بتعزيز مياه السقي يعد عاملا رئيسيا للوقاية من آثار الجفاف الشديد والتخفيف من حدته.

وقد بدأت الخطوط العريضة لاستراتيجية “الجيل الأخضر”، التي تغطي عقدا من الزمن، تتحدد أكثر فأكثر؛ من خلال الإعلانات والاجتماعات الرسمية التي ترسم ملامح المستقبل، بفضل مجموعة من الإجراءات المصاحبة لدعم هذه الورشات الذي يعطي الأولوية للعنصر البشري والشباب بشكل خاص.

ومن خلال حملات البحث والتوعية، تم تدريب الفلاحين على أساليب الحفاظ على التربة والمياه، مثل: استخدام العلف الحيواني المكون من مخلفات إنتاج زيوت الصبار والأراكان لتخفيف الضغط على المراعي وتخصيب التربة باستخدام مخلفات إنتاج زيت الزيتون. وتم تلقينهم أيضا طرقا شتى لحماية التربة والمياه من المياه المستعملة في تصنيع زيت الزيتون، وهو من منتجات المغرب التصديرية التنافسية.

وأضافت وحدات قيمة إلى الإنتاج الأولي إما بالمعالجة (مثل النباتات الطبية والعطرية)، أو بتصنيع منتجات جديدة أو مطورة مثل علف الحيوان والزيوت الأساسية والشمع المحسن ونماذج جديدة من خلايا النحل والنحل الأصلي. ووفرت أحواض التخزين الحماية للتربة والمياه من المياه المستعملة الناتجة عن تصنيع زيت الزيتون، وأنتجت وحدات تخمير النفايات السماد العضوي من مخلفات لب الزيتون لتحسين التربة.

وتم تدريب أكثر من ثلاثة آلاف شاب على أساليب التجهيز الجديدة، وكان 40 في المئة منهم من النساء. واستمر هؤلاء في استخدام التنوع البيولوجي والحفاظ على التربة في الزراعة. وتم اعتماد ممارسات الإدارة المستدامة للأراضي فيما يقرب من 180 هكتارا من الأراضي.

وأتاحت هذه الإجراءات لصفاء الآدم إحدى المستفيدات من المشاريع والتدريب اكتساب مهارات في الحفاظ على الأرض والمياه لتتمكن من تطبيقها على حماية التربة والمياه الجوفية بشكل أفضل.

وأكد استطلاع رأي شمل المستفيدين من هذه البرامج إيجابية هذه النتائج، حيث أشار إلى رضا الفلاحين عن الممارسات التي تم سردها وقال 74 في المئة منهم إنهم راضون أو راضون جدا، حسب المسح.

رضا عن النتائج

استراتيجية «الجيل الأخضر 2020 – 2030» تشكل حلولا مستدامة لمشاكل صغار المزارعين الذين يعانون الفقر والتهميش

وحاز التدريب الذي قدم في مجال الحفاظ على التربة والتنوع البيولوجي على نسبة 77 في المئة من ثقتهم.

وأقرت الغالبية العظمى بنسبة 82 في المئة أيضا بفضل المشروع في الارتقاء بمهاراتهم في التنوع البيولوجي والحفاظ على التربة.

وتأكدت القيمة النهائية بنسبة مرتفعة للفلاحين الذين توقعوا إحراز نتائج اقتصادية إيجابية، حيث ذكر 75 في المئة منهم أن دخلهم قد زاد أو من المرجح أن يزيد بفضل المشروع.

وبعد إرساء منظومات فعالة مكنت من مضاعفة الصادرات والناتج الداخلي الخام للفلاحين الشباب، أصبح التركيز الآن على تدريب الشباب، مع أهداف ذات طابع اجتماعي مثل بروز طبقة فلاحية متوسطة من خلال تحسين الدخل وحماية الفلاحين والإدماج المهني للشباب عبر توفير فرص مدرة للدخل لفائدتهم.

وقد بدأ هذا التحول في المفاهيم في الترسخ داخل الهياكل والهيئات الداعمة للقطاع الفلاحي، والتي توفر آليات تتكيف مع هذه التوجهات. ويتطلب هذا الوضع أيضا تعزيز وتعبئة القطاع الخاص المدعو إلى الاضطلاع بدور أساسي في النهوض بالفلاحة المغربية.

وفي هذا السياق تحديدا، انتقل صندوق التنمية الفلاحية إلى السرعة القصوى ليرفع بنسبة 7 في المئة مخصصات برنامج التشغيل برسم السنة الحالية لتصل إلى 4.5 مليار درهم.

والهدف من ذلك دعم الاستثمارات الخاصة في القطاع الفلاحي من خلال حوافز مالية من طرف الدولة أكثر جاذبية وقادرة على جذب اهتمام مستثمرين جدد، مغاربة وأجانب، من خلال إصلاح المنظومة التحفيزية لصندوق التنمية الفلاحية.

وبالإضافة إلى ذلك، تظهر حصيلة المنجزات ارتفاعا في الاستثمارات الفلاحية التي تم تنفيذها والتي استفادت من مختلف العروض التحفيزية للصندوق إلى 9.7 مليار درهم في 2020. وستستمر هذه الدينامية خلال سنة 2021، ومن المتوقع أن يتجاوز مستوى الاستثمار 10 مليارات درهم، وهو ما يعكس الأثر الداعم لصندوق التنمية الفلاحية؛ حسب وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: