الخيانة من أشد الصفات الممقوتة والصفات الذميمة، فلا تكاد توجد صفة قبيحة جمعت أنواعاً من الشرور بحسب علمي مثل الخيانة، وقد جاءت نصوص الشرع تنهى عن هذه الخصلة أشد النهي، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم}، وقال سبحانه:
{إن الله لا يحب الخائنين}، وبين النبي صلى الله عليه وسلم فداحة هذا الجرم وأن شؤمه يلاحق صاحبه في الدنيا والآخرة، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب»..
إن أسوأ أنواع الخيانة خيانة الله ورسوله، وخيانة عباده، وخيانة النعم والوطن، وخائن الوطن هو خائن لله ورسوله، فإن الله تعالى أمر بالإحسان والوفاء والمحافظة على نعمة الوطن وبذل الحقوق لأهله وقيادته، وصاحب الخيانة ينقض ذلك كله، فهو بعيد عن الإحسان، متجرد عن الوفاء، ساع في زوال النعم، ممسك عن إعطاء الحقوق، ماش في طريق الهدم والخراب والدمار.
ولكن ما هي صفات خائن الوطن؟ ومن يكون؟ إن خائن الوطن هو الذي يتلاعب باسم الدين وبعقول الناس لمقاصد سياسية وأجندات خارجية وأطماع حزبية.. خائن الوطن هو الذي يتعاقد مع دول أخرى ضد مصلحة وطنه لغاية تحقيق ربح مالي أو وظيفة صورية..
خائن الوطن هو الذي يكتب تقارير و يرسلها بأسماء مجهولة أو حتى بإسمه لدول الاقامة ضد مواطنين من بلده بعدما تحول من أداة في يد العدالة والأمن إلى وسيلة انتقام شخصي يقدم معلومات ذات طبيعة كيدية. ، خائن الوطن هو الذي يدعو إلى الثورات والتظاهرات بدعاوى وأكاذيب الحرية وغيرها، ليجر الناس إلى الكوارث والويلات ويغرقهم في بحور الدماء والتطاحن.. خائن الوطن هو الذي يسعى لنشر الفتن في دولته، ويجتهد في زعزعة أمنها واستقرارها، ويبتهج إذا نالها سوء.. خائن الوطن هو الذي يختلق الإشاعات والأكاذيب، ويروج لها في الآفاق.خائن الوطن هو الذي يرفع علم بلاده بيمينه و يشعل فيه النار باليسرى
ويفرح بتشويه سمعة دولته والإساءة إليها.. خائن الوطن هو الذي يفر هارباً من وطنه، ويتعاون مع التنظيمات الحزبية والمنظمات الخارجية، يحرضها ضد دولته، ويمدها بالمعلومات المغلوطة، ويتباهى بتقاريرها المزيفة، ويؤثر أن يكون خنجراً موجهاً في ظهر وطنه.. خائن الوطن هو الذي يبيع وطنه ويخون ضميره من أجل تنظيم خاسر وحزب خائب.. خائن الوطن هو الذي يحب الفرقة، ويكره الاجتماع..
ويحب التباغض والتنافر، ويكره التلاحم والتراحم، فالنميمة غذاؤه، والكذب سلاحه، والغدر والخيانة طريقه.. خائن الوطن لا تجد له ولاء ولا انتماء مهما زعم خلاف ذلك وتغنَّى به ليل نهار، فالمواقف تكشفه، والمحن تُظهر خباياه، والواقع يجلِّي حقيقته الكاذبة، فالخيانة مرض عضال لا تخفى علاماته وأعراضه مهما تستَّر صاحبه وتخفَّى.
إن خيانة الوطن وإن كانت قبيحة في حد ذاتها، فإنها تزداد قبحاً وفجوراً حينما يكون الوطن الذي يسيء إليه المسيؤون هو المملكة المغربية التي ضربت أروع الأمثلة في الإحسان إلى أبنائها، والسعي في رقيهم وإسعادهم، حتى شهد بذلك كل عاقل ومنصف، فما أقبح جرم أولئك الذين يسيؤون إلى مثل هكذا بلد ترعرعوا في ربوعه، وأكلوا من خيراته، ونعموا في ظله بقيادة حكيمة رحيمة، أكرمتهم غاية الإكرام..
وأغدقت عليهم النعم، ووفرت لهم سبل العيش الكريم، ولم تبخل عليهم بشيء، فقابلوا الإحسان بالإساءة، والجميل بالنكران، وعضوا على اليد التي أحسنت إليهم بأنياب الغدر والخيانة، وآثروا العقوق، وتمادوا في ذلك أشد التمادي.
إن خيانة الوطن قبيحة، ولكنها تزداد قبحاً في وقت الشدائد والمحن، حينما يتكالب المتكالبون لنشر الفتن والفوضى في أوطان المسلمين، فيستغل خائن الوطن ذلك في دول الاقامة ليتعامل مع دول أخرى ضد وطنه ، يضرب في كفاءاته و يطيح بمصالحهم خدمة لأجندات دول الخليج و خصوصا عندما يتعلق الامر بالشأن الديني و لا يتوارى حتى و إن ارسل تقارير يومية عن مغاربة للسلطات البلجيكية و يقدم نفسه كعضو في الاجهزة الامنية و الاستخباراتية و هو لا يعدو مخبرا يستغل كورقة رابحة لغاية كشفه من المواطنين و يرمى مع القمامة ، وينضم إلى ركب المغرضين، ويصطف مع الحاقدين، ويتباهى بذلك جهاراً نهاراً، في وقت يتلاحم مجتمعه لصد الفتن، ويتراص أبناؤه لحماية وطنهم من الشرور والمحن، فما أقبح هذا الخائن الذي تفرد عن هذه الجموع الطيبة..
وتخلف عن مقاصدهم النبيلة، ووقف بكل وقاحة يرشق دولته بأحجار الحقد والخيانة، ويطيل لسانه بالشتم والإساءة، والأدهى أن تنقلب موازينه، وتعمي الحزبية بصيرته، فيرى الباطل حقاً والحق باطلاً، ويعتبر ما يفعله من إساءات بطولة وشجاعة!
إن خائن الوطن ليس له أحد، فقد خسر وطنه، وخسر أهله، وخسر قيمه وأخلاقه، وخسر نفسه، فلم يبق له إلا الخيانة التي تحيط به من أربع جهات، فما أحوجه إلى مراجعة نفسه..
وتصحيح مساره، فإن فرصة التصحيح متاحة ما دام أن الإنسان فيه رمق، والأمر ليس فقط دنيا تمر بلا محاسبة، بل هناك آخرة، ووقوف بين يدي الله تعالى، وهناك حساب وجزاء وثواب وعقاب، فليبادر هؤلاء إلى التوبة والأوبة، وليتخلصوا من شؤم الخيانة، قبل فوات الأوان وحلول الندم.
إن كل من يتعاطف مع أعداء الوطن سرًا أو علانية هو خائن خيانة عظمى، يجب أن يحاسب ويعاقب بأشد العقوبات. من يمد الأعداء بمعلومات، أو مال، أو يحرض ضد وطنه، هو خائن وطني بامتياز، وعدو صريح للوطن والمواطنين، وخصم خبيث للدولة والمجتمع، حتى لو تلبس بالدين، وتذرع بنواقض شرعية في زعمه. هؤلاء كلهم بما فيهم الجواسيس هم في سلة واحدة، وصف واحد، وفئة خائنة، لا مكان لها في البلد الذي تعيش وتعيث فيه فسادًا وإرهابًا.
- هل يوجد على وجه الأرض من هو أحقر وأنذل من إنسان؛ يأكل ويشرب معك؛ وهو يضمر الشر لك ليل نهار. سألوا (هتلر) قبل وفاته: من أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتك..؟ قال: (أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتي؛ هؤلاء الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم)..!
-
الوطن هو حبيب الإنسان، وابنه، وأبوه، وأمه؛ فمن يخون الوطن فقد خان كل هؤلاء..!! هذا الوطن الذي صورته منابر الصحوة غير المباركة، على أنه وثن، وهذه هي نتيجة كارثية واحدة؛ من نتائج الخطاب الديني المضلل والمتطرف، الذي هو فاسد في نفسه، ومفسد لغيره.
-
خيانة الصديق أو الحبيب والقريب خيانة لفرد، أما خيانة الوطن فأثره على أمة بأكملها. ومن خان وطنه فقد عق أمّه، وخذل أمة. وصدق شاعرنا العربي الذي قال:
ومن لم تكنْ أوطانهُ مفخرًا لهُ
فليس له في موطنِ المجدِ مفخرُ
ومن لم يكن في قومهِ ناصحًا لهم
فما هو إِلا خائنٌ يتسترُ
ومن كانَ في أوطانهِ حاميًا لها
فذكراهُ مسكٌ في الأنامِ وعنبرُ
ومن لم يكنْ من دونِ أوطانهِ حمًى
فذاك جبانٌ.. بل أَخَسُّ وأحقرُ