وجدت الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد مساء الأحد، والتي تقضي بتجميد عمل البرلمان وإقالة الحكومة بهدف إخراج البلاد من الأزمة، تفاعلا كبيرا بين التونسيين، لكن يظل نجاحها مرتبطا بمدى قدرة الرئيس التونسي على تحمل حملات التشويه التي يقودها الإعلام الموالي للإسلاميين.
وقالت أوساط سياسية تونسية مطلعة إن الأمر مرهون بانقضاء ثلاثة أيام على إعلان تلك الإجراءات حتى تستقر الأوضاع السياسية والأمنية كما أرادها قيس سعيد، لافتة إلى أن ضمان نجاح مسار الإنقاذ مرتبط برئيس الجمهورية نفسه ومدى قدرته على تحمل الضغوط المختلفة ومن بينها الحملات الإعلامية التي يشنها خصومه الإسلاميون.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن قيادات حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي وأنصارها يركزون في تصريحاتهم وحملاتهم على استهداف الرئيس التونسي كشخص، وتشويهه من خلال اتهامات مثل وصفه بـ”الدكتاتور” أو “الانقلابي” وتعمد ربطه بمحور إقليمي، وذلك بأسلوب استفزازي على أمل أن يرد الفعل ويلقي كلمات فيها تلويح بالعقاب من أجل توظيفها في حملتهم للتخويف من نتائج المسار الجديد وآثاره على وضع حقوق الإنسان وأنشطة الأحزاب.
ولاحظ مراقبون التركيز الشديد لقناة الجزيرة القطرية في تغطيتها على نشر تقارير ومواقف تدين المسار الذي اعتمده قيس سعيد، وتشكك في قدرته على تأويل الفصل 80، وتصف ما قام به بأنه “انقلاب على الشرعية” متجاهلة الرأي الآخر الذي يرى أن الإجراءات كانت دستورية وتمت الدعوة إلى اتخاذها من أطراف سياسية مختلفة حثت رئيس الجمهورية على لعب دوره في إنقاذ البلاد من أزمة سياسية حادة أفقدت البلاد توازنها.
ومنذ الإعلان عن قرار قيس سعيد تجميد البرلمان استضافت القناة قياديين من حركة النهضة مثل علي العريض نائب رئيس الحركة ورياض الشعبي المستشار السياسي للغنوشي كما نقلت تصريحات رئيس البرلمان، في المقابل كان حضور المناوئين لتوجهات النهضة محدودا، وكان مذيعو القناة يتعمدون مقاطعتهم باستمرار.
ورفع متظاهرون داعمون لقرارات الرئيس سعيد شعارات ضد قناة الجزيرة ودعوا إلى غلق مقرها في تونس، متهمين القناة بقيادة حملة لمغالطة الرأي العام الخارجي حول حقيقة ما يجري.
ويمكن أن تمتد الضغوط الإعلامية على قيس سعيد إلى وسائل إعلام غربية عرفت بانحيازها إلى الإسلاميين وتنظر إلى الأوضاع بمنظارهم.
ورغم الدعم الإعلامي الذي يحظى به الإسلاميون بدا الغنوشي الاثنين منزعجا من التغطية الإعلامية التي رافقت قرارات الرئيس سعيد. وهاجم رئيس حركة النهضة، في مقابلة مع قناة “تي آر تي” التركية، الإعلام المناوئ واتهمه “بالوقوف وراء ما حصل في تونس، واستهداف حركة النهضة”.
الرئيس قيس سعيد يجري اتصالات لطمأنة الداخل والخارج
ولا تجد اتهامات حركة النهضة لقيس سعيد مصداقية لدى الشارع التونسي خاصة أنه رئيس منتخب وشرعي وأقصى ما يمكن أن يقال ضده هو قراءته للفصل 80 من الدستور، فيما تصوب الاتهامات إلى النهضة وحلفائها بسبب الفشل في إدارة الأزمة الصحية وقيادة البلاد إلى وضع اقتصادي واجتماعي صعب.
ويرى المراقبون أن الرئيس سعيد قد قدم خطابا واضحا خلال كلمته التي تضمنت سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى وقف الأزمة السياسية، وهو ما يُظهر أنه لم يتحرك من فراغ، وأنه حرص على تجميع مختلف الضمانات التي تتعلق بالداخل والخارج.
وأكد ناجي جلول، أمين عام الائتلاف الوطني التونسي، أن الرئيس سعيد “له قدرة على تحمل الضغوط التي يمكن أن يتعرض إليها” سواء أكانت سياسية أم إعلامية.
وعبر جلول -الذي تقلد منصب وزير التربية سابقا- عن اعتقاده أن قيس سعيد أخذ موافقة الجيش والمؤسسة الأمنية وأصدقاء تونس في الخارج، ومن بينهم الفرنسيون والأميركيون، وحصل على ضمانات قبل أن يقْدم على هذه الخطوات.
وركز الرئيس التونسي في الأربع والعشرين ساعة التي عقبت قراراته على إجراء اتصالات داخلية وخارجية لطمأنة قوى ودوائر مختلفة حول حقيقة ما يجري في البلاد، وهي خطوة يعتقد مراقبون أنها مهمة لمنع نجاح الإسلاميين في تشويه المسار الجديد.
والتقى قيس سعيد الاثنين نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية ذات النفوذ الواسع في البلاد. وعقب اللقاء أصدر الاتحاد بيانا أكد فيه تفهمه لقرارات الرئيس سعيد، داعيا إلى “إنهاء هذه الحقبة التي وضعت تونس على صفيح من نار”، في إشارة إلى الحكومات الأخيرة التي كانت حركة النهضة أحد المؤثرين فيها.
وفي تعليقه على تحرك الرئيس قال جلول، في تصريح له، “الكل يدعمونه، الشعب والشارع والمؤسسات واتحاد الشغل، أعتقد أنه سيدعو إلى استفتاء وانتخابات سابقة لأوانها”.
وأصدرت أحزاب وجمعيات مختلفة بيانات أكدت فيها تفهم الدواعي التي قادت إلى قرارات قيس سعيد، لكنها حثت على تقديم ضمانات في ما يتعلق بمدة تعليق عمل البرلمان. ومن بين هذه الأحزاب حزب تحيا تونس الذي يرأسه رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد.
كما حمّل التيار الديمقراطي في بيان الاثنين “مسؤولية الاحتقان الشعبي المشروع والأزمة الاجتماعية والاقتصادية والصحية وانسداد الأفق السياسي للائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة وحكومة هشام المشيشي”.
واستجابة لدعوات الطمأنة وتجنب الفراغ وخطره على المؤسسات قالت مصادر إن الرئيس سعيد كلف خالد اليحياوي المدير العام لوحدة الأمن الرئاسي بالإشراف على وزارة الداخلية بعد إقالة الحكومة.
وأعلنت رئاسة الجمهورية في بيان أن قيس سعيّد “أصدر أمرا رئاسيا قرّر من خلاله إعفاء وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي والوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان”، وذلك تمهيدا لتشكيل الحكومة الجديدة.
وتنتظر الأوساط السياسية التونسية كذلك تسمية رئيس الحكومة الجديد الذي لن يحتاج هذه المرة إلى الكثير من المشاورات قبل التكليف وبعده، وينتظر أن يمر مباشرة إلى تسمية تشكيلته الحكومية وعرضها على الرئيس للموافقة عليها في ظل تجميد البرلمان.
ويُتوقع أن يكون توفيق شرف الدين وزير الداخلية السابق، الذي أقاله هشام المشيشي، المرشح الأبرز لقيادة الحكومة الجديدة لقربه من الرئيس سعيد وخبرته في العمل الحكومي.
وإثر احتجاجات في عدد من مناطق البلاد الأحد أعلن قيس سعيّد “تجميد” أعمال مجلس النوّاب لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب، في قرار قال إنه كان يُفترض أن يتخذه “منذ أشهر”.
كما أعلن عقب اجتماع طارئ عقده في قصر قرطاج مع مسؤولين أمنيّين أنه سيتولّى بنفسه السلطة التنفيذية “بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة ويُعيّنه رئيس الجمهوريّة”.