فضيحة للاستخبارات الفرنسية باستهدافها المغرب

لم تجر فضيحة تسريبات بيغاسوس كما كان مخططا لها فعوض أن تهز صورة المغرب كشفت هذه التسريبات مخططات دول أوروبية تستهدف الرباط.

ويرى الباحث المغربي عبدالقادر فيلالي، من أوتاوا الكندية أن الإبلاغ عن مخالفات وتسريبات مُصطنعة أصبح الآن أداة للتخريب الاستراتيجي. حيث جرت هندسة الإبلاغ عن المخالفات التي تم تسريبها عمدا بشأن قضية بيغاسوس بطريقة تهدف إلى تشويه السيادة المغربية، وتقويض مصداقية الأجهزة الأمنية في البلاد.

ويتساءل الكاتب ما الذي يمكن أن تجنيه وسائل الإعلام وأجهزة الأمن والاستخبارات التابعة لبعض الدول الأوروبية “الديمقراطية” من خلال الترويج لخطاب مناهض للمغرب في هذه اللحظة بالذات؟

تكمن مهمتنا في مساعدة الجمهور على فهم كيف أصبحت الروايات التي لا أساس لها من السمات المميزة للانتشار سريع وبعيد المدى للمعلومات الدقيقة وغير الدقيقة.

ووراء هذا المبلغ المصطنع يقف ممثلون خبثاء يخلطون بين الأخبار التي لا أساس لها من الصحة والروايات المضللة لهندسة تصور “الشر السياسي” القادم من دولة ذات سيادة لتقويض مستوى نموها وتطورها.

وهذا هو المجال الذي يعمل فيه الإنترنت وتصنيع المبلغين عن المخالفات لابتكار قصة لغرض وحيد يكمن في تشويه سمعة بلد ما.

ودُمجت هذه التكتيكات مع تكتيكات أخرى، بما في ذلك ما يسمى وسائل الإعلام وحقوق الإنسان والروايات الصحافية التي أدت إلى حجم البنية التحتية المشبوهة وروايات الجهود المناهضة للحكومة.

ولم تجعل التحديات المتزايدة المتمثلة في الإبلاغ عن المخالفات المصطنعة مثل بيغاسوس والمعلومات المضللة والتشهير والمعلومات المضللة المتعمدة ونظريات المؤامرة والمعلومات الكاذبة بعض الخدمات الأمنية الأوروبية تبدو أكثر سخافة فحسب، بل أدت إلى تغذية الشعور بعدم الثقة في مستقبل هذه الوكالات أيضا لأنها سممت المجال العام وهددت أساس الفكر البشري.

المخبرون المصطنعون بلا حدود

يقول فيلالي إن الانطباع الأول الذي كان لديه أثناء مشاهدة قناة إخبارية معينة موالية للإليزيه، حام حول الطبيعة بلا حدود للمعلومات المضللة والتشهير الذي نما، سواء على القنوات المفتوحة (ما يسمى منصات التواصل الاجتماعي)، ولكن أكثر من ذلك على القنوات المشفرة الإخبارية.

وتمتحن ما يسمى بالدول الديمقراطية بشكل أكبر من خلال المعلومات المضللة من الجهات الفاعلة الداخلية والخارجية التي تعمق الاستقطاب بين شعوبها، وتقسم الولاء الوطني بين الحكومات في السلطة والمعارضة التي ترفض المعلومات القائمة على الحقائق، وتستغل التشدد والمساعدة من الجهات الخارجية لصالحها، بما يقوّض الوحدة بشكل يضر بالأمن القومي والاقتصادي بشدة.

ويتساءل الكاتب عن كيفية تسرب هذه “الوكالات الأمنية والإعلامية الأوروبية” بطريقة مدمرة للجمهور والصحافيين العديد من حالات “المبلغين عن المخالفات” التي تعتمد على التشهير والتضليل والتعبئة عبر الفضاءات والمواقع والقنوات عمدا، كلما سنحت الفرصة للتقليل من صورة الأجهزة الأمنية الجادة والمسؤولة في الجنوب واحتقارها وتلفيق كل الخرافات والمبررات لتحقيق الهدف المنشود.

والحقيقة أن نزعة الإبلاغ عن المخالفات المصطنعة اليوم أصبحت، من تكرارها المفرط في بعض الأماكن، صفة الدمار والتسميم، إذا كانت تسعى إلى صياغة وعي الناس ورأيهم بشأن مزاجهم بشكل يديم حالات نفسية مستعصية.

ويخشى الكاتب أن يتحول المخبر المصطنع من نهج استخباراتي أمني دنيء إلى سلوك فكري قد تلتقي حوله النخب السياسية والفكرية التي تشمل اليمين واليسار.

ولسوء الحظ، تسبب استيلاء المخابرات الفرنسية على عدم الثقة في المعلومات الحكومية وإدارتها للمعلومات.

ووفّر هذا الفخ الأرضية للتنافر المعرفي مقترنا بالتحيز التأكيدي والبارانويا القديمة الجيدة التي يصعب التغلب عليها بالحقائق والمنطق. حيث يحوم كل شيء حول الخوف والعواطف. وكلما حاربت هذا النهج أكثر، كلما أصبحت الأمور أسوأ.

وليست “المعلومات المضللة” والإبلاغ عن المخالفات الفرنسية هو الذي “يشوه” بل التسريبات التي يخترعها بطرق مختلفة أشخاص يعيشون قصصا مختلفة تصنع الفرق بين الحرب والاستقرار، وبين الحياة والموت. حيث يتجاوز الاستقطاب في عالم المعلومات السلوكيات وتفضيلات السياسة.

من جانبه، سمى الصحافي البريطاني المتخصص بشؤون الشرق الأوسط جوناثان جورنال الضجيج بشأن تسريبات بيغاسوس بـ”النفاق الصحافي”، مشيرا في ذلك الى التغطية الحماسية المبالغ فيها من قبل صحيفة الغارديان البريطانية.

وكتب جورنال في مقال له بموقع “سنديكيشن بيورو للرأي” التعبير عن الدهشة من وجود واستخدام برامج التجسس المتطورة على الهواتف الذكية هو ببساطة مخادع.

وقال “سواء أحببنا ذلك أم كرهنا، فنحن نعيش في عصر المراقبة الجماعية. يتم تتبع كل واحد منا ومراقبته يوميا، عبر الإنترنت وفي العالم الحقيقي، من قبل الحكومات والشركات على حد سواء”.

وأضاف أنه “لم يظهر بعد مصدر تسرب أرقام الهاتف البالغ عددها 50000. ولكن ما هي الدولة التي ستستفيد أكثر من التداعيات الخلافية؟ هل يمكن أن تكون روسيا، الغائبة بشكل واضح عن قائمة الدول التي يُفترض أنها متورطة في التسريب”.

عاصفة لتعميق الانقسامات

يُسيّس الفاعلون الخبيثون القضية المعنية منذ اليوم الأول من خلال خلق عاصفة مثالية لتعميق الانقسامات القائمة ووضع أفراد من نفس الأمة ضد بعضهم البعض.

وفي العالم الرقمي، يتطلب المجتمع الرقمي مجموعة جديدة من الوكالات الأمنية الشفافة في فرنسا بما يتجاوز الحاجة إلى حماية النفس من عمليات الاحتيال عبر الإنترنت أو سرقة معلومات التعريف الشخصية.

ويصبح النظام الفرنسي مطالبا بالتدخل لإيجاد طريقة لتحصين الأخبار التي تم التحقق منها والمزورة من عمليات الإبلاغ عن المخالفات والتضليل المعادية والمصطنعة. كما يحتاج المجتمع المدني الفرنسي والهيئة التشريعية التي تم تغيير وضعها إلى الخروج ببرامج لتتبع أصول المعلومات المضللة.

إن رسالة المغرب واضحة وتتمثل في التخلص من خطاب “المعلم والتلميذ”. لقد تساءل وزير الخارجية المغربي “القطار سوف ينطلق فهل ستبقى أوروبا متفرجة أم أنها ستنطلق”؟

ويضيف فيلالي أن الصراع الإقليمي حول الصحراء المغربية يخلق حالة من عدم الاستقرار لأوروبا في شمال أفريقيا. كما أن الدول الأوروبية مدعوة اليوم للتعبير عن دعمها العملي والواضح لمبادرة الحكم الذاتي، والانطلاق من منطق التعبير عن ذلك في الخطاب. ومن الناحية النظرية، فإن أولئك الذين ساهموا في تأسيس أوروبا المتكاملة و”المتضامنة”، يرسمون أطرا لبيئة متماسكة مندمجة في الأعراف والقيم الديمقراطية التي تشترك فيها جميع الدول الأعضاء.

وعندما يتعلق الأمر بالممارسة وعندما نريد تفعيل مفهوم التحول إلى الأوْربة، فإننا نجادل بوضوح بأن المخالفات المصطنعة هو أحد الأعراض المرضية لدى الاتحاد. ولا نحتاج إلى تشخيص أعمق للوضع لنستنتج أن المغرب أصبح قوة كفؤة وإقليمية وأن زمن الازدهار الاقتصادي والثروة الأوروبية قد ولى.