فرنسا تقر قانون مكافحة الانفصالية الإسلامية… ماذا بعد؟

حنان الفاتحي

رغم تعزيز ترسانة القوانين في مكافحة التطرف الإسلامي في أوروبا بعد أن انكشفت مناورات التنظيمات الإسلامية وخداعها، لا يزال طريق مكافحة الإرهاب شاقا أمام هذه الدول التي لم تنجح إلى الآن في اعتماد استراتيجية موحدة لمكافحة التطرف الإسلامي. وتبقى القوانين المحلية الضيقة قاصرة على الاستجابة للتهديدات الجسيمة التي تواجه القارة ما لم يتم تعميمها على دول التكتل الأوروبي.

يعكس إقرار الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) الأسبوع الماضي نهائيا لقانون مكافحة الانفصالية الإسلامية تحولا حازما في تعقب التطرف الإسلامي وحواضنه الأيديولوجية والفكرية في فرنسا التي أدمتها الهجمات الإرهابية المتعاقبة، إلا أن مراقبين يشككون في نجاعة هذا القانون الجديد في الاستجابة للتحديات الأمنية التي تواجه باريس وعواصم أوروبية أخرى.

ويشير هؤلاء إلى أن غياب قانون أوروبي موحد لدول الاتحاد ثغرة توفر هامش مناورة للإسلاميين الذين يتكيفون مع المستجدات القانونية المحلية ويحولون نشاطهم إلى دول أوروبية أخرى أقل صرامة في التعامل مع أجنداتهم، مستفيدين من حرية التنقل والتنظم داخل فضاء شنغن.

وأقر المشرعون الفرنسيون الجمعة مشروعي قانون تقول الحكومة إنهما سيعززان قدرتها على مكافحة الإرهاب والتطرف الإسلامي في أعقاب سلسلة من الهجمات التي أدت إلى تفاقم مشاعر انعدام الأمن.

ويمنح أحد القوانين الجديدة أجهزة الأمن الفرنسية المزيد من الأدوات لتعقب الإرهابيين المشتبه بهم ومراقبتهم عبر الإنترنت. أما القانون الآخر فيهدف إلى مكافحة الأفكار المتطرفة على جميع المستويات فهو يشدد شروط التعليم في المنزل، ويشدد القواعد للجمعيات التي تسعى للحصول على إعانات من الدولة، ويمنح السلطات سلطات جديدة لإغلاق أماكن العبادة التي يُنظر إليها على أنها تتغاضى عن الأفكار البغيضة أو العنيفة.

وتنظر الحكومة إلى تعليم الأطفال في المنزل على أنه مصدر محتمل للانفصالية التي تقول إنها تقوض القيم الفرنسية.

وبموجب القانون الجديد، تصل عقوبة من يدان بجريمة الانفصالية التي أنشأها إلى السجن 5 سنوات، وغرامات تصل إلى 75 ألف يورو (88 ألف دولار) لمن يهددون أو يعتدون على مسؤول منتخب أو موظف مدني لعدم رغبتهم في اتباع القواعد التي تحكم الخدمات العامة الفرنسية، مثل رفض الخضوع للفحص الطبي من قبل طبيبة.

وقد دفع الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته كلا الإجراءين على أنهما ردان ضروريان على التهديد المستمر الذي يشكله التطرف الإسلامي ضد فرنسا، وخاصة العلمانية وأمنها، كما قال جيرالد دارمانين وزير الداخلية الفرنسي على تويتر.

وفي العام الماضي قام أشخاص تم تحديدهم على أنهم متطرفون إسلاميون بطعن ضابط شرطة مما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص في كنيسة في نيس وقطع رأس مدرس بالقرب من باريس كان قد عرض رسوما كاريكاتورية للنبي محمد خلال حصة حول حرية التعبير.

والأسبوع الماضي أبلغت الحكومة السلطات في جميع أنحاء البلاد بأن تكون في حالة تأهب قصوى بعد أن أصدرت القاعدة شريط فيديو يهدد فرنسا بسبب تلك الرسوم الكرتونية.

وفرنسا إحدى أكبر الدول الأوروبية من حيث حجم الجالية المسلمة، إذ بلغ عددهم فيها نحو 5.7 مليون حتى منتصف 2016، بما يشكّل 8.8 في المئة من مجموع السكان.

جيرالد دارمانين: القانون يمثل ردا على التهديد الذي يشكله التطرف الإسلامي

ثغرات داخلية

تبنت الحكومة الفرنسية برامج وقائية عدة، وخططا استباقية تهدف إلى محاربة التطرف العنيف. ومع هذه البرامج والإجراءات الاستباقية وجدت باريس نفسها أمام موجة جديدة من العمليات الإرهابية، ما يلقي الضوء على وجود ثغرات وعوائق في تطبيق تلك البرامج والخطط الوقائية.

ويرجع رومان ساف عالم الاجتماع والباحث في المعهد الوطني للدراسات العليا للأمن والعدالة في فرنسا سبب عدم تمكن السياسات العامة المنتهجة في فرنسا من الحد من ظاهرة التطرف الإسلامي إلى الدور الرئيسي لعائلات الشبان الذين التحقوا بتنظيم داعش في سوريا وكيف يصطدم هؤلاء الآباء والأمهات بعجز الدولة التي لا تزال تعتبر اعتناق الأصولية حرية من الحريات الأساسية.

واعتمدت السلطات الفرنسية خططا استباقية لمواجهة التطرف العنيف داخليا وخارجيا. ولمواجهة التطرف القادم من الخارج وضعت برامج وقائية للعائدين من مناطق الصراعات في سوريا والعراق. وتشير التقديرات إلى أن هؤلاء يصعب تأهيلهم واندماجهم لما حصلوا عليه من تدريب على القتال وتشبعوا بأفكار متطرفة.

وعلى المستوى الداخلي اعتمدت فرنسا برامج وقائية واستباقية لمنع تطرف الجماعات والأشخاص المعرضين للالتحاق بالجهاديين، الذين لديهم ميول نحو التطرف العنيف.

وترتكز البرامج الوقائية والخطط الاستباقية في فرنسا على تأهيل الأئمة والموظفين المحليين وإشراك المراكز الإسلامية في تأهيل المتطرفين ومواجهة الاستقطاب الذي يمارس داخل السجون الفرنسية وكذلك إعادة تأهيل واندماج لمن اعتنقوا الفكر المتطرف في الضواحي الفرنسية.

ورغم هذه الجهود في مكافحة التطرف الإسلامي بشقيه المادي والفكري، هنالك اعترافات رسمية من الأجهزة الاستخباراتية والأمنية في فرنسا بمحدودية هذه البرامج وأنها لا تأتي بجدوى وأنها غير مثمرة النتائج كون أن العناصر المتطرفة تغيّر من تكتيكاتها طوال الوقت لخداع الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى وجود قصور في تعقب المتطرفين من الأجهزة الأمنية ووجود قصور في فهم خلفيات التطرف من قبل فرنسا ودول أوروبا بشكل عام.

غياب استراتيجية موحدة

Thumbnail

بذلت فرنسا جهودا كبيرة في محاربة الإسلام السياسي والجماعات الجهادية، وأصدرت بالفعل ترسانة من القوانين والإجراءات ومنحت الكثير من الصلاحيات إلى الشرطة وأجهزة الاستخبارات، لكن رغم ذلك مازالت هناك مهام كبيرة يفترض أن تقوم بها في محاربة التطرف والإرهاب على مستوى الاتحاد الأوروبي.

وربما نجحت فرنسا في تشخيص جذور التطرف وشخصت مصادر التهديدات الداخلية، المتمثلة بالإسلام السياسي ولو كانت متأخرة، إلا أن العمل على مستوى الاتحاد الأوروبي مازال منقوصا ما يضع استراتيجيتاها الداخلية محل تشكيك.

وعززت الهجمات الإرهابية التي طالت فرنسا والنمسا مؤخرا المساعي الأوروبية لبلورة استراتيجية موحدة لمكافحة الإرهاب تتلافى ثغرات خصوصية كل دولة في مواجهة التهديدات الإرهابية. وإلى جانب تعزيز التنسيق الاستخباراتي بين دول الأعضاء تعمل باريس وفيينا على إعداد خطة مشتركة لمحاصرة تنظيمات الإسلام السياسي التي تعتبرها العاصمتان الحاضنة الفكرية للتطرف.

وتمثل خصوصية تشريعات كل دولة في مواجهة التهديدات الإرهابية أحد أهم العوائق في سبيل تطويق نشاط الإسلاميين العابر للحدود، وهو ما يمثل ثغرة يستثمرها الإرهابيون في التنقل داخل دول القارة وتنظيم صفوفهم في حدائق خلفية أقل صرامة وأكثر ليونة في تعقب أنشطتهم.

وعلى سبيل المثال تعتبر بلجيكا الخاصرة الأوروبية الرخوة في مكافحة الإرهاب، حيث يستغل المتطرفون مرونة القانون البلجيكي وتقيده إلى حد كبير بالحريات لتحويل بروكسل إلى نقطة عمليات تستهدف دول الجوار. وشهدت فرنسا عدة عمليات إرهابية تم ترتيبها وتنسيقها انطلاقا من بروكسل.

واقترح المجلس الأوروبي مؤخرا إنشاء معهد لتدريب الأئمّة في أوروبا، في خطوة تدعم المساعي الفرنسية النمساوية لمحاصرة التطرف الإسلامي وحواضنه الأيديولوجية على مستوى القارة.

وقال رئيس المجلس شارل ميشيل إن “مناقشة فكرة إنشاء معهد في أوروبا لتدريب الأئمة أمر في غاية الأهمية”، دون أن يقدم المزيد من التفاصيل.

وأشار إلى أن الأيديولوجيات المتطرفة والعنف وخطاب الكراهية تلعب دورا حاسما في تهيئة أرضية للإرهاب.

وأكد رئيس المجلس الأوروبي على ضرورة تطوير الإجراءات الأمنية في مكافحة الإرهاب، وشدد على أهمية سرعة واستمرارية تدفق المعلومات الاستخبارية.

فرنسا بذلت جهودا كبيرة في محاربة التطرف محليا، لكن مازالت هناك مهام كثيرة يفترض أن تقوم بها على مستوى أوروبا

وأوضح أنه سيكون من المهم خصوصا معالجة قضية المقاتلين الإرهابيين الأجانب بطريقة أكثر شمولا، لما يشكلونه من خطر كبير على أوروبا.

وتشتكي المفوضية الأوروبية بدورها من عدم وجود تبادل كاف للمعلومات بين الدول الأعضاء بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة في النمسا وفرنسا وأعلنت عن خطة لمعالجة هذه الثغرة التي يستثمرها الجهاديون.

وأعلنت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا يوهانسون خلال جلسة للبرلمان الأوروبي حول مكافحة الإرهاب مؤخرا عن عدة تدابير يرغب الاتحاد الأوروبي في اتخاذها على خلفية تنامي الهجمات.

وأشارت يوهانسون إلى ضرورة تسجيل جميع الإرهابيين الأجانب المعروفين، في نظام معلومات شنغن، لأن ذلك سيضمن اكتشاف هؤلاء خلال دخولهم من حدود الاتحاد الأوروبي.

وأكّدت على ضرورة زيادة تبادل المعلومات بين بلدان الاتحاد الأوروبي، مطالبة جميع الدول الأعضاء بتطبيق لائحة نظام تسجيل أسماء الركاب (PNR) خلال الرحلات الجوية الذي تمّ تبنيه في العام 2016 لكن لم يتم تطبيقه بالكامل.

ونظام معلومات شنغن هو عبارة عن نظام للمعلومات تستخدمه السلطات المختصة بالدول الأوروبية، وهو يمكِّن مختلف الأجهزة المكلفة بتطبيق القانون وأفراد مراقبة الحدود وأجهزة الجمارك والمؤسسات الأخرى المسؤولة عن فحص التأشيرات وإصدارها، من مشاركة المعلومات المهمة والتي تمس الأمن الداخلي لأوروبا.

ويستند نظام معلومات شنغن إلى نظام خاص للتنبيهات، وهو ما يسمح للجهات المستفيدة منه والمذكورة أعلاه بتلقي ومشاركة التنبيهات حول الأفراد والمركبات والأشياء الأخرى (مثل السيارات والمعدات وجوازات السفر)، ويتضمن كذلك إرشادات إضافية لكيفية التعامل في حالة التصدي لتلك المواقف.

ويمكن أن يندرج “الأفراد” ضمن عدد من الفئات، والتي تشمل الأشخاص المفقودين، والمطلوب القبض عليهم، والأفراد من خارج منطقة شنغن الذين تم رفض السماح لهم بالإقامة أو الدخول إلى المنطقة (أو الدخول إلى إحدى الدول الأعضاء على وجه التحديد). وبالتالي يمكن لنظام معلومات شنغن إصدار تنبيهات بشأن الأفراد الذين يندرجون ضمن هذه الفئات وغيرها.

ويتكون نظام معلومات شنغن من أكثر من 76 مليونا من السجلات وتم استخدامه أكثر من 5 مليارات مرة، مما يجعله أضخم أنظمة مشاركة البيانات الأمنية وأكثرها استخداما على مستوى القارة.

ويرتكز نظام معلومات شنغن على الاعتقاد بأن تعزيز التواصل بين مختلف أجهزة إنفاذ القانون الفردية في جميع أنحاء دول شنغن سوف يؤدي إلى تحسين مستوى السلامة والأمن المشترك في أوروبا.

ولدى كل دولة من دول شنغن مكاتبها الوطنية الخاصة بها والمسؤولة عن معالجة وتقديم المعلومات على نظام شنغن، وتعني بطلب المعلومات التكميلية عند المعابر الوطنية وتعمل هذه المكاتب على مدار الساعة وتشرف على معالجة التنبيهات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: