تحقيق إجتماعي حول إنفصال الأزواج والطلاق بين أفراد الجالية ( الجزء الأول )
بوشعيب البازي
بسم الله الرحمن الرحيم .وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَعَلِيمًا خَبِيرًا” الاية 35 من سورة النساء ، ان الله جل جلاله يأمرنا في هذه الاية ان نختار افرادا حكماء من اهل الزوج واهل الزوجة ليتناقشوا وليساعدوا الزوجين في حل مشكلة حدثت بين الزوجين.
أصبحت رؤية سيارة الشرطة وطرق أفراد الشرطة على أبواب الجيران بعد منتصف الليل مشهدا متكررا وضمن روتين الحياة العادية فيالحي السكني الذي أقيم فيه، والسبب هو الخلافات الزوجية التي اشتعلت بين جارتي وزوجها (وهما من أصول مغربية ) وزادت وتيرتها والعنف المصاحب لها والإزعاج المستمر الجيران بعد طلبها للطلاق…
وكلما تكلمت مع احد الزوجين عن سبب المشاكل يلقي احدهما باللوم وافتعال المشاكل والظلم وإنكار العشرة و المعروف للآخر، ولأني كنت اعرفهما معرفة سطحية لم استطع التعرف على المشاكل الجوهرية التي أدت إلى انهيار علاقتهما الزوجية التي كنت وكل الجيران نظن أنها تسير على خير ما يرام، وأسفرت مؤخرا عن ترك ابنتهما الوحيدة (14 سنة) للبيت بعد أن ضاقت ذرعا بمشاكلهما العصية على الحل، واستحالة استعادتهما للتفاهم والسلام العائلي المفقود، وقررت العيش مع جدتها ولم أراها منذ تركت البيت .
صحيح جدا انه ليس هناك علاقة زوجية أو بيت اسري ليس فيه خلافات وبعض المشاكل العادية التي يحلو لعلماء الاجتماع ورجال الدين تسميتها ب ملح الحياة، لكن صحيح أيضا أن بعض المشاكل والخلافات بين بعض الأزواج ليس ثمة حل لها إلا بالهجران أو الانفصال أو(أبغض الحلال) وهو الطلاق، وهو المعضلة التي تواجهها كل الأسر أيا كانت أصولها أو خلفيتها الاجتماعية أو ديانتها أو المستوى العلمي والثقافي أو المستوى المعيشي والمادي الذي تتمتع به.
لتكثر وتتراكم وتتفاقم لتهد كيان الأسرة والعائلة ؟ وكم من المشاكل وانعدام فرص التفاهم والتقدير وحسن الظن ترى كم من المشاكل والخلافات العادية تم إهمالها لتكثر وتتفاقم وتهدد كيان الأسرة ؟ وكم تسبب انعدام فرص التفاهم والتشجيع والتقدير وقلة التفاهم ، وإرساء مبدأ سوء الظن و التربص بالآخر وإفشاله والإساءة إليه و الافتقار إلى أدنى أسس المشاركة البناءة والايجابية والدعم اللامشروط فيالحياة الزوجية بين الطرفين …. بشكل مباشر في إفشال زواج الكثير من الرجال والنساء وتحطيم بيوت كانت سعيدة وتسببت بألم وحزن عميق في نفوس الأبناء المتعلقين و(المعلقين) بين الطرفين شدا وجذبا وعلى طاولة المساومات والتنازلات و الخوف من خسارة حقوق الحضانة والوصاية وحقوق الرؤية القانونية وجلسات المحكمة للفصل بين الزوجين.
أنتم جميعا معنيين بالإطلاع على مشاكل نخبة من أبناء الجالية المغربية الموجودة في بلجيكا ، الذين قدموا لنا خلاصة تجاربهم الشخصية والأسباب القهرية (من وجهة نظرهم) التي دفعتهم لاتخاذ قرار الطلاق، محاولين تقديم خبراتهم الايجابية وحتى السلبية للناس، كي يستفيدوا منها قدر الإمكان خاصة بعد تصاعد نسب إحصائيات الطلاق بين أبناء الجالية وبين فئة الشباب والمتزوجين الجدد تحديدا إلى معدلات عالية باضطراد يستدعي معها الوقوف على أسباب هذه الآفة الاجتماعية ومحاولة دراسة الحلول لتدارك تداعياتها، واحتواء آثارهاعلى الأسر المغربية وعلى الأبناء الذين هم نواة أجيالها الجديدة القادمة ..
“الدليل ” تنطلق في تحقيق اجتماعي حول الطلاق، نبدأه أولا مع بعض النساء ـ دون أسماء أو هوية ـ اللاتي مازلن يعانين من “معركة” الطلاق مع أزواجهن وأخريات حسمنها لصالحهن و لكن مازلن يعشن آثارها السلبية حتى الآن وتجارب أخرى متنوعة من خلال الآراء التالية
نسبة كثيرة من النساء يعشن مع أزواجهن مضطرات وغير قادرات علىاتخاذ خطوة الطلاق خوفا من المصير المجهول الذي ينتظرهن وينتظرأطفالهن (أهي عيشة والسلام)
سيدة من بروكسيل تحكي لنا …
ـ برأيك ما هي ابرز الاسباب التي تدفع للطلاق ؟ وهل تختلف اسباب الطلاق هنا عن اسباب الطلاق في الوطن الام؟
ـ نعم طبعا (هنا مفيش حاجة بتربط الراجل) لان المرأة هنا مؤمنة من ناحية الجانب المادي وفي حالة الطلاق تجد لها ولأبنائها المأوى، فيالوطن الام فتكون المرأة مهددة وإذا طلقت تجد نفسها وأطفالها في الشارع ،،
ـ لكن الرجل ايضا يتهم المرأة المغربية انها لا تتحمل مشاكل وهموم الحياة الزوجية كما كانت ستفعل في بلدها الام (وتقف للرجل علىالواحدة) ومع أول مشكلة أو موقف تهدد الرجل بالشرطة و بالطلاق ؟
ـ انتي محقة نسبة الطلاق ايضا في بلادنا زادت كثيرا والسبب ان كلا الزوجين لا يتحملان هموم ومشاكل الاسرة ويلجأن للطلاق كأسرع الحلول، لكن في المغرب المرأة يكون عندها اهلها وشغلها وعندها املاك معينة اما هنا (مفيش عندها حاجة) ايضا وجود العائلة ومناخ المجتمع المحافظ عند الطرفين هناك يلعب دور مهما في الصلح وتأجيل او الغاء فكرة الطلاق، ايضا اخلاقيات (العيب وكلام الناس) وتأثير كبار العائلة والأهل تقف مانعا في كثير من حالات الطلاق، بينما هنا في بلجيكا تتمتع المرأة باستقلال مادي حتى اذا لم تكن تعمل تلقى الرعاية والعناية الكاملة، والقوانين كلها تدعمها ولا تجعلها متعلقة بزوجها وفي حالة تبعية مستمرة له بل تجعلها كائن منفصل له حقوق وعليه واجبات، ولا ننكر ان استقلالية المرأة المادية والقانونية والاجتماعية هنا تشجعها وتدعم قرارها في طلب الطلاق في حال شعرت بصعوبات فياستمرار حياتها الزوجية … وحين تختلط الزوجة الجديدة بنساء سبق لهن العيش في بلجيكا فإنهن ينقلن لها تجاربهن الشخصية السلبية ويطلعنها على حقوقها كزوجة وحقوق المرأة وحقوق الانسان وحقوق الطفل بشكل عام، وبصراحة اكثر يشجعنها على طلب الطلاق اذاكانت زوجة مُعنفة معنويا أو بدنيا و طلبت مشورتهن ونصحهن في هذا الموضوع، والحقيقة هي ان الرعيل الاول من المغتربين او المهاجرين والجمعيات النسائية التي تدعم المرأة والأسرة يلعبن دورا مهما في توعية المرأة بحقوقها هنا ، ( بزاف العيالات و أنا منهن “مكناش” نعرف اي حاجة عن حقوقنا) انا موجودة هنا منذ 17عاما كنت متعلمة واعمل لكن حين جئت هنا بعد الزواج (تسد عليا كولشي) وتعلمت حقوقي حين بدأت اواجه المشاكل مع زوجي.
ـ وكيف تعرفت على حقوقك هل سألت صديقاتك أم استشرت المختصين الاجتماعيين ؟
ـ لا طبعا صديقاتي يعشن نفس ظروفي لم يكن يعرفن شيئا وكن يعشن نفس معاناتي، بالصدفة البحتة وبعد عذاب تعرفت على حقوقي وحقوق ابنائي هنا.
كم من اللاتي تعرفيهن هنا يعشن حالة طلاق او انفصال عن ازواجهن ؟
ـ هناك نسبة كبيرة لكن اؤكد لك كل من اعرفهم عايشين مع ازواجهن مضطرين (مش قادرين يعملوا هاد الخطوة)
ـ لأنهن خائفات من المجهول ويشعرن بقلق كبير اذا اقدمن على الطلاق، ألا يستطعن تحمل مسؤولية البيت والأطفال لوحدهن من ناحية عدم قدرتهن على تعلم اللغة وعدم قدرتهن على العمل لتامين متطلبات الحياة . ويجب على المرأة ان تنطلق بحياتها ولا تعيش على المساعدات .. اصلاالنساء المغربيات هنا يشعرن بالخوف من كل شيء وعلى كل شيء وفي حالة الطلاق سيزداد الخوف والشعور بعدم الأمان.
عندنا مهاجرين منذ السبعينات ومنذ الثمانينات وحين نرى هذه الفئة ونقارنها بحالات الهجرة واللجوء الذي حصل في السنوات الاخيرة سنجد ان معدل الطلاق لم يبق نفسه وإنما في ازدياد وتصاعد مستمر، وذلك لان الرعيل الاول من المهاجرين جاءوا ومعهم اسرهم فظلوايحملون نفس التقاليد والأعراف الاجتماعية الموروثة عن الوطن، وهي ان المرأة تسكت وتتحمل وتسكت اذا خانها زوجها وتسكت اذا مرضت ، تعودت على السكوت وتجاهل حقوقها فهكذا تربت وهكذا نشأت. لكن الجيل الجديد من الزوجات اختلف كثيرا وصار اكثر شجاعة كما ان ثورة الانترنيت والانفتاح على العالم والثقافات اثر كثيرا في مستوى الوعي بمسالة حقوق المرأة وحقوق الانسان بشكل عام، والجالية المغربية التي وصلت لبلجيكا حديثا اخذوا حقوقا وامتيازات وتعلموا اللغة واستفادوا من قوانين الهجرة الحديثة المهمة اكثر منا بكثير ومن ضمنها حقوق المرأة والطفل المادية والاجتماعية. هناك تبادل للخبرات بين الزوجات الجدد والمطلقات في هذا الصدد ويتبادلن عناوين ودور الرعاية الاجتماعية والأسرية المتاحة لتقديم الدعم والاستشارة الاجتماعية والقانونية وهذا قصر الطريق الحافل بالصعوبات سابقا على الكثير منالنساء وسهل من عملية اتخاذ قرار الطلاق بالنسبة للبعض.
تقول اكثر النساء اللاتي اعرفهن مطلقات او على وشك الطلاق وهذا امر مؤسف بالنسبة للأسر المغربية ، انا جئت لبروكسيل قبل نحو 25 عاما ومازلت متمسكة بزوجي وأسرتي برغم كل المشاكل والخلافات التي تعرضنا لها فمن واجب المرأة ان تصبر وتتحمل لأنها نواة البيت والأسرة وإذا كانت المرأة قوية وتريد الحفاظ على بيتها ستنجح في الحفاظ على زوجها وبيتها وأولادها اما اذا كانت ضعيفة وتسمح للآخرين التدخل بحياتها فستخسر بيتها، وبرأيي المسؤولية الاكبر في الحفاظ على البيت الاسري والأطفال تقع على عاتق الزوجة .
سمحت له بإساءة معاملتي لفترة طويلة وكنت اضحي واصبر من اجل اطفالي لكن حين رأيت انه سيحولهم الى نسخة مني رفضت وطلبت الطلاق ولست نادمة.
استبد الخوف بضيفتي التالية (وهي مطلقة منذ سنوات ولها طفلين) وأنا اسألها عن سبب الطلاق بحيث طلبت عدم ذكر الاسم والسبب كما بررت ان زوجها قارئ جيد للجريدة ولهذا تخاف ان يتم التعرف عليها بسهولة وبدأت بسرد معاناتها وتجربتها مع الطلاق قائلة: انا في بلجيكا منذ 18 سنة وجئت بعد زواجي في بلدي الام بفترة بسيطة وبعد اتمامنا لدراستنا الجامعية ونعتبر من الطبقة الوسطى وزواجنا كان تقليديا فزوجي كان مقيم في بروكسيل (وهبط يدور على عروسة وحصل النصيب)
في حالتي لا اظن ان وضعي وأسبابي تختلف كثيرا عما قالته لك النساء الأخريات من قبلي وأهمها ان الرجل ينظر الى كل النساء علىانهن صنف واحد ونوعية واحدة لذلك غالبا ما يرددون( كلكم صنف واحد او صنف نمرود) لان الرجل عادة يكون قد تعرف وأقام علاقات مع كثير من النساء واغلبهن سيئات يظن ان كل النساء هكذا فينتابه الشك المرضي والوساوس وسوء المعاملة لزوجته ويقارنها دائما بسلوك ومساوئ النساء الأخريات وهي لا ذنب لها بخبراته السيئة السابقة
ـ هل طرأت على حياتك هذه المشاكل بعد الزواج مباشرة ام كانت هناك حياة زوجية سعيدة وتفاهم ثم ساءت الأوضاع بينكما بعد سنوات ؟
ـ مبدئيا كان هناك اساءة ظن وعدم ثقة بقدراتي من قبل زوجي منذ البداية فكان يقلل من قدراتي وكفاءتي في ادارة البيت ويشكك في وعيي وقدرتي على التصدي للمشاكل ولهذا عشت سنوات حياتي الاولى معه في تعتيم كامل وكان يمنعني من اقامة علاقات مع جاراتي اومصادقتهن مخافة فقدانه للسيطرة ويظن أنني سأستقوي عليه.
وأسباب اخرى مثل انه لم يكن يتيح لي حرية التصرف في ميزانية البيت او في المشاركة في اعداد وإقامة المناسبات العائلية ولا حتى في التسوق دائما يوجه لي ملاحظات سلبية ونقد، حتى في المطبخ المملكة الخاصة لكل زوجة كان يقف رقيبا على طريقة طبخي ويعدل ويعطيالملاحظات وأحيانا هو الذي يطبخ وليس انا بحجة انني لا اجيد الطبخ وسيعلمني الطريقة الصحيحة لطبخ اي اكلة مهما كانت بسيطة وغالبا كان يطردني من المطبخ وهو الذي يطبخ وهذا كله لأنه عاطل عن العمل.
ـ متى قررت ان تحسمين وضعك الاجتماعي وتتخذين قرار الطلاق ؟
ربما اراد ان يقع الطلاق بعد 18 سنة لأنني لم اعد احتمل المزيد وقررت ان اطلب الطلاق وسبب بقائي في علاقة زوجية سامة هو انني(مكنتش مركزة) وكنت ضعيفة وبحاجة الى تعزيز ثقتي بنفسي وبسبب تراكمات العنف المعنوي الذي تعرضت له لسنوات طويلة قررت اناضع حدا لكل ذلك بالطلاق رغم ان الاسباب المادية ليست هي السبب في اتخاذي القرار لأنني كنت قد تعودت على العيش بمستوى مادي ضعيف هنا واستسلمت له وتحملت الكثير لأجل اطفالي ولكي لا يحرمون من والدهم ويعيشوا في جو اسري لكن اي ام حين تشعر انابناءها في خطر وأنهم يتعرضون للتعنيف وسوء المعاملة على يد الاب لا تترد بالطلاق حتى الحيوانات تدافع عن صغارها بالغريزة فكيف بالأم، وحين استشعرت انه عازم على محو شخصية ابنائي كما فعل معي احسست بوطأة تأنيب الضمير اذا صمت وسمحت له ان يفعل بهم ذلك .