بيغاسوس.. . وسيلة أخرى للنيل من سمعة المغرب

ماموني

رفض المغرب بشكل قاطع الاتهامات الموجهة إليه من طرف ائتلاف يتكون من منظمة العفو الدولية ومجموعة من الصحف والمواقع الإخبارية بالاعتماد على خدمات مختبر “سيتزن لاب”، بشأن قيامه بالتجسس على شخصيات إعلامية وسياسية مغربية وأجنبية، باستعمال برنامج بيغاسوس. ولم يكتف المغرب بإدانة الحملة الموجهة والمكثفة التي تقودها مجموعة من المنابر الدولية، بل حرك دعوى قضائية ضد تلك المنابر، سواء كانت صحافية أو حقوقية، في عقر دارها.

ويجمع خبراء في التقنيات والأمن المعلوماتي على أن التقارير التي تحدثت عن هذا الاختراق لا تتوفر فيها شروط البحث مع غياب الخطوات المنهجية والتدقيق المعلوماتي وأساسيات التحقيقات الرقمية.

ما يحدث مرتبط بالتحول في السياسة الخارجية للمغرب ومواقفه القوية في الدفاع عن مكتسباته وسيادة قراراته. وهذا ما ذهب إليه وزير الخارجية ناصر بوريطة، عندما أكد أن هذه الاتهامات مبنية على تخمينات بحتة، وأنها تخدم أجندات معروفة بعدائها للمغرب، وهي أوساط منزعجة من النجاحات التي تحققها المملكة في السنوات الأخيرة.

بل ذهبت تلك المواقع إلى الادعاء باختراق الهاتف الخاص للعاهل المغربي الملك محمد السادس، وأيضا الرئيس الفرنسي ماكرون وأعضاء من الحكومة الفرنسية وصحافيين فرنسيين. وحول هذه المزاعم باختراق الهاتف الخاص للعاهل المغربي، اعتبر ناصر بوريطة أن هذه الادعاءات لا تحترم الحس السليم، معلنا تحديه لمن يسوّق لهذه المزاعم أن يأتي بدليل علمي.

قبل سنوات خرجت منظمة العفو الدولية تتهم المغرب باستعمال برنامج بيغاسوس لاستهداف بعض الناشطين الحقوقيين والمعارضين. حينها طالبت الحكومة المغربية أمنستي بالكشف عن الأدلة التقنية التي اعتمدتها لتوجيه هذه الاتهامات.

حينها خسرت أمنستي رهانها على الضجيج الإعلامي ضد المغرب، كما خسرت دعوى قضائية ضد الشركة مبتكرة البرنامج  في تل أبيب، بعد أن عجزت عن تقديم أيّ دليل مادي على اتهاماتها. فكيف لأمنستي والمختبر الذي تستعين به والمتواضع على مستوى الأمن المعلوماتي وفي مجال التقنيات الجديدة، أن تتهم المغرب باستخدام برنامج بيغاسوس وهي لا تملك دليلا ماديا على ادعاءاتها.

تقف حسابات المصالح الاقتصادية الكبرى وراء هذه الادعاءات الكاذبة، إذ من غير المستبعد أن يكون لاكتشاف جبل التروبيك، وهو من الجبال البركانية المائية، داخل المياه الإقليمية للمملكة على شواطئ المحيط الأطلسي دور في ما يتعرض له المغرب من ضغوط على كافة المستويات. حسب المختصين في مجال الجيولوجيا يحتوي الجبل على احتياطات مهمة من المعادن النفيسة مثل الكوبالت والتيروليوم، التي تدخل في الصناعات الإلكترونية، وكذلك الألواح الشمسية التي تعتبر أساسية في صناعة السيارات الكهربائية.

قوى دولية عديدة تتنافس لاستغلال الثروات المعدنية الكبيرة، الموجودة في المنطقة الاقتصادية المغربية على مستوى شواطئ طرفاية امتدادا إلى حدود مدينة الداخلة جنوبا، عبر الحصول على تراخيص استغلال مشتركة، بدعوى وقوع الجبل الذي يعرف كذلك بـ”المدار” خارج مجال السيادة المعترف به للدول المجاورة له. ولا تتورع تلك الدول في استعمال جميع الأذرع الإعلامية والمنظمات الحقوقية والشركات الاستثمارية لابتزاز الدولة المغربية لنيل حصتها من تلك الثروات.

حرب المعلومة الاقتصادية وفي المال والتصنيع والطاقات البديلة مستعرة حول الأسواق المستجدة في القارة الأفريقية. الصين والدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية شهيتها مفتوحة، ولا يمكن للمغرب أن يبقى مكتفيا بالدفاع عن حدود جغرافية محدودة في الصحراء، بل اختار اللعب بقواعد السوق المستجدة، وقد نجح في مقاربة العديد من الملفات بشكل جيد.

خبراء في الأمن المعلوماتي يجمعون على أن التقارير التي تحدثت عن اختراق لا تتوفر فيها شروط البحث والتدقيق وأن ما يحدث مرتبط بالتحول في السياسة الخارجية للمغرب ودفاعه عن سيادة قراراه

اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على صحرائه يدخل في نطاق المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية بعيدة المدى مع المغرب، وهذا ما دفع إسبانيا وألمانيا وفرنسا إلى اللعب بأوراقها كاملة في الشهور الأخيرة للضغط على المغرب. وما بيغاسوس إلا حلقة في ترس الهجوم وحصان طروادة للهجوم على المغرب من الداخل.

اللعب بالقواعد الجديدة هو السبيل الأمثل للمضي قدما نحو تحقيق ما يصبو إليه المغرب في محيط يعج بالمنافسين، وحرب المعلومة تأتي في المرتبة الأولى، لهذا نرجّح أن يكون الهجوم موجها بشكل منهجي، استعملت فيه الورقة الحقوقية وحماية الخصوصية من طرف الدول الثلاث إسبانيا وألمانيا وفرنسا، وإلى حد ما جزء من الإدارة الأميركية، وما ورقة بيغاسوس سوى جزء من اللعبة وأداة من أدوات القوة الناعمة.

هل المغرب مستهدف بهذا المخطط المفتعل من جهات خارجية؟

الجواب نعم، فالتسريبات أو حكاية التنصّت على هواتف الشخصيات باستعمال تقنية شركة إسرائيلية، لها وقع نفسي على المتلقي العادي المحلي والعالمي، والذي لا يملك ثقافة معلوماتية كبيرة، لإنهاك المغرب وجرّه إلى مربع الدفاع عن نقاط ليست ذات أهمية. إذ كيف لهؤلاء الذين اتهموا المؤسسات المغربية بالتنصّت على الهواتف الإتيان بالبينة على ذلك؟

المنطق السليم شكلا ومضمونا، يقول إن من يتهم يجب أن يقدم أدلة الاتهام بالحجة والدليل التقني العلمي الذي يؤيد مزاعمهم. لكن هذا لم يحدث ولن يحدث. لهذا لجأوا إلى هذه الحيلة التي لن تنطلي على من يقرأون المتغيرات الجيوستراتيجية والصراعات المتقدمة بين القوى العالمية.

لبرامج التجسس تاريخ طويل من المبيعات والاستخدامات، حيث تقوم الشركات التابعة أصلا للأجهزة الأمنية الغربية ببيع هذه المنتجات دون أن يكون هاجسها تطبيق القانون والمحافظة على الحقوق الفردية كما تراها تلك الدول، بل الأهم هو الربح المادي والسطو على معلومات، ثم تأتي بعد ذلك عملية الابتزاز الحقوقي من طرف الدولة التي تبيع لمن يشتري. نذكر على سبيل المثال برنامج “هاكينغ تيم” الايطالي.

بيغاسوس ليس لغزا، لكنه منتج طورته مجموعة NSO التي فتحت مسارات جديدة تكنولوجيا وسياسيا واقتصاديا تحت سيطرة الحكومة، إذ ليس من السهل التنافس مع هذا العملاق في صناعة المراقبة.

الكيل بعدة مكاييل هو السياسة المعمول بها عند القوى الاستعمارية واللوبيات التابعة لاستخبارات معادية لمصالح المغرب، فكيف تتهم المغرب بالتنصّت على هواتف من يختبئون وراء النشاط الحقوقي والصحافة، وتطالبه بالتعاون الأمني بتقديم معلومات عن إرهابيين يعملون على استهداف تلك الدول منها إسبانيا وألمانيا وغيرهما.

والمعروف أن لتلك الجهات تاريخا في استهداف المغرب والقفز على أيّ ملف لتضخيمه، حتى وإن نقصته المعطيات الموثقة.

استغلت تلك الجهات بيغاسوس كمطية إعلامية خدمة لجهات تريد تكبيل يد المغرب وتقييد حركته. والغرض هو استمرار شركاتهم في الاستفادة من امتيازات واستثمارات كبيرة وترك الفتات للخزينة المغربية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: