قضية التجسس … اختبار جديد للدبلوماسية المغربية

الطاهر طويل

ما زالت قضية “التجسس” التي اتُّهم فيها المغرب تسيل مدادا كثيرا، فبينما رأى البعض في ذلك دليلا على قوة القدرة الاستخباراتية المغربية، دعا البعض الآخر إلى فك الحبل السري الذي يجمع بين الرباط وباريس، بعدما كثّفت هذه الأخيرة حملتها الإعلامية إزاء السلطات المغربية.
وحاول محللون مغاربة عبر تدويناتهم البحث عن سياقات الاتهامات المذكورة، متوقفين عند عامليْن اثنين، يتمثل أولهما في التقارب الموجود بين المغرب وبين إسرائيل، ويتجلى الثاني في حديثه عن حق “شعب القبايل” في تقرير مصيره أمام إصرار الجزائر على دعمها لمساعي جبهة “البوليساريو” الانفصالية.
ولاحظ الباحث إدريس الكنبوري أن صحيفة “لوموند” الفرنسية خصصت غلاف أحد أعدادها الأخيرة وخمس صفحات كاملة للاتهامات الموجهة إلى المغرب بالتنصت على هواتف الرئيس الفرنسي ومسؤولين فرنسيين وجزائريين.
وكتب في تدوينته: “قريبًا ستبدأ حفلة الهجوم على المغرب، وستجد فرنسا وإسبانيا والجزائر فرصة للنيل منه، خصوصا وأن إسرائيل موجودة في الصورة. إنه اختبار جديد للدبلوماسية المغربية. يبدو أن المغرب أصبح بلدا يحسب له حسابه، مهما تكن التفاصيل، وصار جزءا من معادلة إقليمية ودولية أوسع.”
أما الأكاديمي محمد جبرون فأكد أن “التجسس تمارسه كل الدول دون استثناء والمغرب أحدها”، وقال “إنه من دواعي الفخر أن تكون لنا أجهزة أمنية قادرة على ممارسة مهامها باحترافية حماية للأمن الوطني داخليا وخارجيا.”
وأضاف أن “المزعج لأعداء المغرب وخصومه – اليوم – هو القدرة الاستخباراتية العالية للمملكة التي كشفت عملية بن بطوش (إشارة إلى الاسم المستعار الذي دخل به زعيم البوليساريو إلى إسبانيا للاستشفاء)، وأمسكت بخيوط الأمن الداخلي لأوروبا، وخاصة فيما يتعلق بالإرهاب. والمزعج أيضا أن المغرب بدأ ينهج في سياسته نوعا من الاستقلالية تجاه الاستعمار التقليدي.”
وأشار إلى أن “المغرب يبدو مستعداً لمواجهة هذا التحدي بشجاعة واحترافية وحنكة، والمغاربة في غالبيتهم يتحلون بالوعي واليقظة اللازمتين لمواجهة هذا التحدي.”
وجاء في تدوينة الناقد عبد الإله الجوهري: “فرنسا ومخابراتها تتجسس على زعماء الدول الإفريقية والعربية، وتتدخل في شؤونها الداخلية بشكل سافر، بل والقيام باغتيالات، والمساعدة على الانقلابات ضد الحكومات الشرعية. وعندما تمس مصالحها تتهم الآخرين بالتجسس والتدخل في شؤونها كأنها بلد مقدس. وتجيش أبواقها لترديد اسطوانات مشروخة عن القيم والأخلاق.”
وتساءل صاحب التدوينة: “هل هناك دولة واحدة في العالم ليس لها مخابرات؟ وما دور هذه المخابرات؟ هل دورها توزيع الحلويات والهدايا على الدول والأفراد، وتشتغل بمبدأ عدم التجسس على الغير ومراعاة مصالح الدول الأخرى؟
وتساءل أيضا “أين خدّام فرنسا والمدافعون عنها من بين أبناء جلدتنا، البائعون لأرواحنا بدعوى الحداثة المعطوبة الآتية من بلد لا يعترف بغير مصلحته ومصالح حلفائه الغربيين؟ أين اللوبيات الفرنكفونية الماسكة بأوصال الصناعة والتجارة، والثقافة الساعية دائما لجعلنا نتنفس من خلال الروح الفرنسية الملعونة؟”
واستطرد قائلا “لقد انكشف الغطاء، وجاء وقت الجد للاهتمام بجبهتنا الداخلية والعمل على توحيد صفوفنا وإطلاق كل معتقلي الرأي والابتعاد عن سياسة الانتقام.” وختم تدوينته قائلا “نريد مغربا قويا في كل المجالات، مغربا قادرا على مجابهة الأعداء، وبناء وطن يسع أحلام كل المغاربة.”
وتوالت أسئلة الإعلامية والبرلمانية السابقة نعيمة فراح في تدوينتها على النحو التالي “مَن يقف وراء ادعاءات فوربيدن ستوريز التي تتوالى عمليات تكذيبها، ليس فقط من داخل المغرب بل حتى من خارجه؟ ثم لماذا اختيار هذا الوقت بالذات؟ وما هي الجهات التي أصبح المغرب يزعجها فتحاول خلق مثل هذه الادعاءات؟”
وأردفت أنها “أسئلة تفرض ذاتها بحكم هذا الذي يقع… ومع ذلك أقول إن بلدي المغرب لا يدعي الطهرانية، لكنه حتما ليس بهذا الخبث الذي تحاول هذه المجموعة من وسائل الإعلام أن تصوره عليه، رغم أننا نعيش زمن حرب المعلومة. ومن يكسب هذه الحرب يحكم العالم.”
ووجه المطرب الفنان نعمان لحلو سؤالين لذوي الاختصاص، قائلا: بعدما رفع المغرب دعوى قضائية ضد “فوربدن ستوريز” وضد “أمنستي” في محكمة فرنسية، هل بإمكانه رفع دعوى أخرى جماعية بمعية بعض أصدقائه الذين أتى ذكر اسمائهم أيضا كالسعودية مثلا؟ وهل من الممكن رفع دعاوى أخرى ضد المعتدين بالتشهير في دول أخرى، كأمريكا أو محكمة العدل الدولية؟
وجاء في تدوينة الحقوقي الحسين بكار السياعي: “ما هو سند اتهامات المنظمتين المذكورتين للمغرب؟ وهل تمتلكان ولو بداية دليل اتهام واحد على مزاعمهما؟
نرى أن إطلاق الاتهامات أمر معروف ومعهود في أمنستي وفوربدن، ولا يعدو أن يكون سوى عمل مدفوع الثمن وضريبة لما حققه المغرب من استباقية أمنية يشهد بها العدو بمرارة المنهزم قبل الصديق المتعاون مالك ثقافة الاعتراف.”
وتطرق إلى “ما حققه المغرب من سبق دولي في محاربة الإرهاب ومختلف أنواع الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وما قام به من تكثيف التعاون الأمني مع دول الجوار الإقليمي”، مشيرا إلى أن المملكة قدمت نفسها لأطراف دولية وإقليمية مختلفة، سواء في منطقة الساحل بإفريقيا أو دول الجوار في الشمال الإفريقي أو الشركاء المتوسطيين في أوروبا، باعتبارها حليفاً مهماً في محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية.”
وأكد أن المملكة المغربية بدت مساحة استقرار في منطقة متصارعة، وهو ما عزز من مكانة جهازها الاستخباراتي، لاسيما أنه قدم معلومات لأجهزة مناظرة له في عدد من الدول الغربية، بل وعمل على التغلغل الاستخباراتي المغربي في الخارج الذي قادت عملياته المديرية العامة للدراسات والاستعلامات في أوساط الجاليات المغاربية في الخارج، والتي ارتبط بعض أفرادها بهجمات خطيرة في أوروبا.”

توقيت الاتهامات وكثافتها

وسعى الكاتب الحسن زهور إلى تلمس بعض خيوط الاتهامات بالتجسس الموجهة إلى المغرب، قائلا: ” الاتهامات جاءت دفعة واحدة من جهات مختلفة، فلماذا هذا التوقيت وبهذه الكثافة؟ الاتهامات جاءت بعد الإعلان عن اقتراب زيارة وزير خارجية إسرائيل للمغرب، إذنْ لماذا الانتظار الى هذا الوقت للخروج بهذه الاتهامات؟ فمن هي الجهات الخارجية المتضررة من هذه الزيارة؟”
وأضاف “الاتهامات جاءت مرافقة بقبول إسرائيل عضوا ملاحظا في الاتحاد الافريقي! فما علاقة ذلك بزيارة المغرب؟ الاتهامات جاءت بعد تبني المغرب لمبدأ تقرير المصير لمنطقة القبائل (وتقرير المصير ليس هو بالضرورة الاستقلال)، مما خلق ذعرا في الدوائر الحاكمة في الجزائر التي لم تكن تنتظر قط مثل هذا القرار. الاتهامات جاءت بعد أيام من إقرار الناطق الرسمي للبيت الأبيض ان لا تراجع عن اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء.”
وختم تدوينته بالتساؤل “لماذا هذا التوقيت وبهذه الصورة الجماعية من مختلف الأطراف، وفي الوقت نفسه؟”
أما الناشط اليساري منعم وحتي فاعتبر أن التجسس سلوكا عاديا وعاما في جميع الدول، حيث كتب تدوينة ذكر فيها أن “الدولة، باستخباراتها تراقب هواتفنا قبل بيغاسوس وأثناء بيغاسوس وبعد بيغاسوس. وليست هناك دولة في العالم تنتمي لعالم الملائكة في نطاق التجسس.”
ولاحظ أنه “حتى زمن فتوحات المسلمين كان لمحيط النبي حاشية من العيون والجواسيس لاختراق مضارب وتجمعات الأعداء وتحصين الصفوف الداخلية.” وأكد أن أي تحقيق لإثبات أو دحض ادعاءات التجسس في الغالب تنتهي للحائط؛ فالأقمار الاصطناعية على بعد آلاف الأميال في الفضاء، ومحطات التجسس تكون في جزر ودول خارج حدود الدول المقصودة.
في نهاية الأمر ـ يقول المدون نفسه ـ “يجب أن ندافع على الحياة الخاصة للناس، والحفاظ على مصداقية معاركنا؛ فاستعمال المعلومات يكون أحيانا ملغوما، وليست هناك دولة بريئة في العالم، بما فيها دولتنا.” وخلص إلى القول “أكيد أننا سنقف مع الحريات الفردية وحرية التعبير، لكن لن نسمح باستعمالنا خارجيا.”

فرنسا والجزائر

وتساءل المدون محمد الصحراوي: لماذا عمدت فرنسا بالهجمة الإعلامية على المغرب بعد مساندته منطقة “القبايل”؟ ليجيب “ما أن نطق السفير المغربي عمر هلال ردا على وزير خارجية الجزائر بضرورة دعم منطقة القبائل على الانفصال بما أنهم يقفون مع الشعوب في تقرير المصير، حتى انفجرت فرنسا، دون أن تتمالك نفسها في الهجوم على المغرب مع تكالب العميل خدام قصر الإليزيه من خلال تلفيق التجسس على ماكرون ومجموعة من شخصيات الدول! وبهذا تكون فرنسا أكدت أنها تعتبر الجزائر ابنها غير الشرعي الذي أنشأته في المنطقة، ليظل ذلك السوط الذي يفتت المنطقة المغاربية كلما احتاجت إليه، لكن لطالما حاولت أن تخفي ذلك بمساحق ظاهرة للعيان.
وأضاف: “ليس هذا فقط! فرنسا التي أرادت أن تظل مستعمراتها السابقة تحت جناحها ويبقى المغرب ظلها، انفض من حولها، واتجه بسياسة تناسب مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية بتنوع أصدقائه دون قيود، ويشتري أسلحة متطورة من كل باقة وردة، هذا ما أزعج فرنسا وهي ترى المغرب يقرر ويحلق عاليا دون الالتفات إلى الوراء.”
ويرى الباحث والمحلل مصطفى بوكرن أن أمام العاهل المغربي محمد السادس فرصة تاريخية ليسم عهده بعنوان كبير: “ملك الاستقلال الثاني عن فرنسا”. ويبدأ التحرير من الآن، ويُعلَن عن الاستقلال في سنة 2056، ليتحقق بذلك التحرير الثقافي والاقتصادي… الشعوب تغفر لملوكها أخطاء التدبير المحلي، إذا حققوا استقلالات كبرى، وانطلقوا في مشروع إنهاء التبعية، والإعلاء من شأن الذات القومية، والمغرب له كل المقومات لإنجاح هذه المعركة، لأن تاريخه امبراطوري، وأول قاطرة في هذا المشروع السينما والافلام والمسلسلات… دون الحديث عن التعليم. هذا هو جوهر القضية، وما قضية التجسس إلا الشجرة التي لا ينبغي أن تخفي مشروع استقلالنا المؤجل وفق قول الباحث المذكور.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: