عيد الأضحى في المغرب.. شواء وابتهالات وفرحة “بولفاف”

بنعبو

انتهى “الماراثون” الذي يمارسه المواطنون المغاربة كل سنة بمناسبة عيد الأضحى، حيث الجولات اليومية في الأسواق التي يعرض فيها مربو الماشية “الكسابة”، كل أنواع وأصناف الخرفان الصالحة للأضحية، والمرقمة من طرف المصالح الصحية بالمملكة لضمان جودتها واحترامها للمعايير الصحية.

“الماراثون” انتهى بطواف طويل لكل رب أسرة يضع في مخيّلته مواصفات الخروف التي يريده أبناؤه، فهم رحى الفرحة، أما الآباء فهم جيب المناسبة، ويبقى على عاتق الأمهات حمل ثقيل جدا.

والملاحظ في كل المناسبات ذات الطابع الديني في المغرب، أن النساء محور أساسي لإكمال الفرحة، وعيد الأضحى مشقته أكثر بكثير من عيد الفطر. تسبقه ترتيبات، وتليه إعدادات متنوعة ومكثفة، تصير معها المرأة جنديا مجندا في سبيل إرضاء متطلبات الأسرة.

لا راحة ولا اطمئنان، إلا عندما تنتهي فترة الذبح وما يليها من تنظيف للخروف ومحيط ذبحه، ناهيك عن الإعداد الدقيق لـ”بولفاف”، وهي أكلة مغربية تميّز اليوم الأول من العيد، عبارة عن كبد الخروف ملفوفا بالشحم.

إنه عيد الأضحى أو كما يسميه المغاربة “العيد الكبير”، والذي يتميز كما هي العادة بالنسبة للمناسبات الدينية الأخرى بكثير من العناية والاهتمام وأيضا السباق المحموم لدى البعض من أجل التفاخر. أما الغالبية العظمى فهدفها واحد وموحد، هو تلبية نداء الفريضة وإسعاد الأبناء والعيش في كنف أيام من البذخ “اللحمي” بتشكيلات متنوعة من أكلات تشتهر بها الموائد المغربية في هذا العيد.

“العيد الكبير” المغربي

تتمثل يوميات الفرح الذي يغمر المغاربة خلال أيام عيد الأضحى أو “العيد الكبير”، في امتزاج الابتهالات الروحانية بملذات الدنيا، وتصير الاحتفالات بخروف العيد، قنطرة توصل رأسا إلى الإيمان الشديد بما أنزل الله على أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

المغرب كسائر البلدان الإسلامية، يحرص فيه المواطنون، على الاحتفال بعيد الأضحى، ويصرون على ذلك باقتناء الخروف مهما غلا ثمنه ومهما كانت الظروف المادية المحيطة بالأسرة. المهم أن يمر يوم العيد وما يليه وما يسبقه في أجواء تعيد بهاء اللحظة التقليدية التي لا يبارحها المغاربة ولا يريدون استبدالها بأي لحظة أخرى.

تقاليد تعود إلى الأسلاف، وتختلف قليلا عن باقي البلدان الإسلامية الأخرى، نظرا لخصوصية المغرب التاريخية والجغرافية والعرقية، حيث يمتزج الموروث العربي مع الموروث الأمازيغي والإفريقي في فسيفساء بديعة تعطينا لوحة مغربية خالصة متجانسة ومتآلفة.

بالنسبة للمغاربة، عيد الأضحى ليس يوم الذبيحة، بل يتجاوزه إلى ما قبل موعد الأضحية، أسبوع أو أكثر، تنشط الأسواق بما يلزم من معدات وأدوات، حتى التوابل تأخذ نصيبها من هذه الأسواق. الكل في حالة استنفار قصوى، الجيوب تنفق ما جادت به، ولا تكتفي بما هو موجود في البيت، بل كل سنة تقتني الأسر مثلا “شواية” جديدة، وما جاورها من قضبان الشواء.

حركة تجارية رائجة تلك التي تشهدها الأسواق المغربية خلال فترة العيد، ناهيك عن انتشار العديد من المهن الموسمية المرتبطة بالمناسبة كعملية بيع علف الأغنام وسط شوارع وأزقة الأحياء، و شحذ السكاكين، والاتجار في الفحم. إضافة إلى مهن حديثة ارتبطت بالمدن خاصة، مثل إيواء خروف العيد، حيث يعمد مجموعة من الشبان إلى بناء “براكة” أو استغلال مرأب ليكون “فندق الخروف” كما يسمونه. وذلك راجع بالأساس إلى ضيق المنازل وعدم توفرها على مساحات فارغة وصالحة لبقاء خروف العيد فيها طيلة أيام.

في مقابل رواج الأسواق الموازية، يكون هناك رواج أسواق الأغنام، والتي يفضّل العديد من المغاربة زيارتها على سبيل الاستئناس بالأثمنة وتوفر العرض وما إلى ذلك من جس النبض قبل إخراج المال من الجيب واقتناء الخروف الموعود.

عيد الأضحى يعني المطبخ

بالنسبة لعيد الأضحى، فإن المطبخ هو الواجهة الخلفية الأساسية، فهي غرفة العمليات حيث يتم التخطيط لكل ما يلزم المناسبة، ولا يقتصر الأمر على اللحم، بل تفيض مشتهيات موائد المغاربة، إلى إعداد الحلوى كعادة كل عيد، وإفراغ الثلاجة، استعدادا لاستقبال الخروف، والتأكد من قنينة الغاز حتى لا تتوقف أيام العيد، لأن الباعة يأخذون عطلة تتجاوز الشهر، فأغلبهم من مدن بعيدة، والعيد فرصتهم للارتماء في حضن أسرهم.

يوم الأضحية.. صلاة وابتهال وفرحة “بولفاف”

لا يختلف عيد الفطر عن عيد الأضحى كثيرا، فقط هناك وافد جديد لن يقيم طويلا في المنازل، وهو الخروف الذي تكون إقامته قصيرة لا تتجاوز الأسبوع على أبعد تقدير.

يرتدي المغاربة صباح عيد الأضحى، جلابيبهم أو ما دل على المناسبة الدينية من قميص أو “قشابة” أو “دراعية”، والسجادة تحت الإبط والاتجاه إلى “المصلى” التي تعوض المساجد في الأعياد، وتكون مليئة عن آخرها حتى أن المتأخر ينتظر حتى إقامة الصلاة ليجد له مكانا أينما أتفق ليؤدي واجب الصلاة. (بسبب كوفيد 19، للسنة الثانية على التوالي يصلي المغاربة صلاة العيد في منازلهم، بناء على توصية من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية).

تنتهي لحظات التحميد والتكبير والصلاة، وتكون المنازل في حلة مغايرة زانتها الفرحة بما لذ وطاب على مائدة الإفطار، حلويات مختلفة، ومخبوزات مثل “الملوي” و”المسمن” و”البغرير”، وما جاورها من مخبوزات كلها مشتقة من الدقيق.

وتختلف طريقة الاحتفال بالعيد في المغرب من منطقة لأخرى، والتي تتم وفق عادات وطقوس متوارثة.

لحظة الذبيحة لا يختلف فيها المغاربة، يتوحدون في الاعتماد على ما تعلموه من آبائهم بخصوص طريقة الذبخ والسلخ، ونزع الأحشاء وتصنيفها بين الصالح للشواء والصالح للطبخ.

لكن مستجدات المدينة أدخلت تغييرات عديدة، فقد بات الموظف يعتمد كليا على الجزار، أو أحد الجيران لينهي ذبيحته، مقابل ثمن متفق عليه بشكل عفوي.

الوجبة الأولى التي يتناولها المغاربة بعد النحر، هي وجبة الكبد المشوي “بولفاف”، ويكون غذاء اليوم الأول، في تلك الأثناء تكون أجزاء أخرى مثل “الكرشة” قد وضعت على النار، وتسمى “التقلية” أو “الدوارة”، وهي من أشهى الأكلات المغربية الخاصة بعيد الأضحى. وغالبا لا تؤكل إلا في وجبة العشاء، أو ربما قبل ذلك وأسر أخرى تتناولها فور طهيها.

اليوم الثاني من عيد الأضحى

في ثاني أيام عيد الأضحى، يكون المغاربة في مدن معينة على موعد مع الإفطار برأس الخروف “مبخّر” يعني مطبوخ بضغط الماء، يضاف إليه الكمون والملح فقط فوق المائدة. بينما أسر أخرى تفضل الإبقاء على الرأس، لإعداد وجبة الكسكس.

لكن اللحظة الأهم في اليوم الثاني وخاصة إن كان الفصل صيفا، هي الإسراع إلى أقرب جزار من أجل تقطيع الخروف، كل حسب مشتهياته، جزء “للكفتة” أي اللحم المفروم، وجزء للطاجين وآخر “للتفوار” وجزء “للقضبان” المشوية.

“فندق الخروف” و”الواي فاي”

على سبيل الدعاية ومحاولة إغراء المواطن لوضع خروفه في مرأب أو “براكة” خصصها شباب لمبيت الخرفان بدل بقائها في المنازل، كتب أحدهم لافتة بخط اليد إضافة إلى “فندق الخروف”، فإن شبكة الإنترنت متوفرة “الواي فاي”.

أحد المواطنين علق على اللافتة قائلا: “حتى يتسنى لصاحب الخروف أن يتواصل معه ليلا عبر الواتساب أو فيسبوك أو إنستغرام”.

وأضاف آخر: “إذن يلزم الخروف هاتف ذكي ليستعين به على قضاء لياليه الأخيرة فوق الأرض”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: