تعقيدات أمنية وقانونية تعيق استعادة عائلات مغربية من بؤر التوتر

ماموني

أعاد تقرير أعده البرلمان المغربي إلى الواجهة الجدل بشأن استعادة نساء وأطفال مغاربة معتقلين في كل من سوريا والعراق بعد انضمامهم إلى تنظيمات إرهابية هناك.

ويرى مراقبون أن هناك تعقيدات أمنية وقانونية تحول دون استعادة هؤلاء وهو ما دفع بمسؤولين مغاربة إلى الدعوة لضرورة تحديد مقاربة واضحة للتعامل مع العائدين من بؤر التوتر.

وقال الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية محمد عبدالنباوي إنّ “وجود العديد من الأرامل والأيتام والأطفال الذين رافقوا آباءهم إلى بؤر التوتر، أو الذين ولدوا هناك، بما يرفع احتمالية تشبثهم بالأفكار والمبادئ المتطرفة، وصعوبة تحديد جنسياتهم وتعددها يزيد الوضع تأزما وتعقيدا”.

وحذر عبدالنباوي من أن عودة المقاتلين الإرهابيين تغذي الخلايا النائمة، وتمدها بخبرات جديدة في مجال الإرهاب.

وتم إحداث مهمة برلمانية استطلاعية استجابة لطلب تقدم به فريق الأصالة والمعاصرة في مجلس النواب حيث أجرت 60 لقاءً، توزعت بين المسؤولين الحكوميين وفاعلين مدنيين، واجتماعات داخلية، إلى أن أفرزت تقريرها الأخير الذي أوصى بمعالجة أوضاع الأطفال والنساء المغاربة في بؤر التوتر.

محمد عبدالنباوي: عودة الإرهابيين تغذي الخلايا النائمة وتمدها بخبرات جديدة

وتشير الإحصائيات الرسمية بخصوص المغاربة العالقين في مناطق التوتر في سوريا والعراق، إلى أن 2577 شخصا التحقوا بالحركات الإرهابية المختلفة في هذه المناطق، منهم 290 من النساء و628 من القاصرين.

وواجهت السلطات المغربية صعوبات لضبط لائحة المغاربة المحتجزين في بؤر التوتر في العراق وسوريا، بسبب خضوع مخيمات الاحتجاز لسلطة جماعات مسلحة غير دولية، وغياب الوثائق المثبتة، ولضعف المعلومات التي تقدمها منظمة الصليب الأحمر الدولي، في ظل غياب تمثيليات دبلوماسية مغربية في كل من البلدين، حيث كانت العلاقات قد توقفت معهما لأسباب أمنية.

واعتبر ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي “أنه في السابق، لم يكن للإرهابي عائلة، بل كان شخصا، وكان تحركه سريا، أما الآن فأصبح المقاتل وعائلته” داخل جماعة ويتحكم في الأرض.

ويحاول المغرب جمع أكثر معلومات عن المقاتلين المغاربة ومصيرهم في محاولة لمعالجة ملفاتهم حيث أكد وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت، في اجتماع مع أعضاء المهمة الاستطلاعية، مقتل عدد مهم من المقاتلين وذويهم.

كما أوضح أن 345 مقاتلا عادوا إلى المغرب، حيث حوكموا بموجب التشريعات الوطنية التي تعاقب على الانضمام إلى جماعات إرهابية في أي مكان بمقتضيات فصول القانون الجنائي.

وترى أوساط سياسية مغربية أن الحاجة باتت ملحة لاعتماد مقاربة شاملة في التعاطي مع هذا الملف الحساس من خلال اعتماد برامج للتأهيل والعلاج وإعادة الإدماج.

كما ينبغي وفقا لهؤلاء اعتماد مقاربة قضائية شاملة في علاقة بالعائدين من بؤر التوتر، علاوة على تصور أمني أيضا من خلال تشديد المراقبة واليقظة خصوصا في المعابر الحدودية.

وفي هذا السياق أشار مصطفى الرميد وزير حقوق الإنسان إلى أنه ينبغي استحضار الطبيعة المعقدة لهذا الملف قائلا “ليس فقط للأسباب، التي سبق الإشارة إليها ولكن أيضا بالنسبة إلى المخاطر المحتملة لعودة أي شخص، فضلا عن أن الأمر يتعلق بمئات الأشخاص وما يطرحه ذلك من تحديات أمنية”.

وتكرس المعارضة المغربية ضغوطا مكثفة لإيلاء أهمية أكبر لهذا الملف حيث قال عبداللطيف وهبي النائب البرلماني والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة إن “الحكومة يتعين عليها أن تكون مسؤولة عن أطفالها أينما كانوا في العالم، وأن هناك وصمة عار على جبين الحكومة بسبب أطفالنا في سوريا والعراق الذين يعانون الأمرين بسبب التشرد بعد وفاة آبائهم وأمهاتهم”.

ويُفصِّلُ المغرب في مساعيه التعاطي مع هذا الملف الحساس، حيث تتجه السلطات القضائية إلى وضع معايير لتحديد الفئات التي تخضع للمتابعة الجنائية، وتلك التي تخضع لإعادة الإدماج، والفئات التي تعفى من المتابعة الجنائية، مثل النساء والأطفال في سن معينة ممن لم يتلقوا تدريبا عسكريا، أما العفو الشامل فيمكن إصداره بموجب قانون يحدد الفئات المعنية به وشروط الاستفادة منه والتدابير المصاحبة له والتزامات المستفيدين منه.

وعلى مستوى تعامل المغرب مع الدول التي يتواجد بها المغاربة المقاتلين وذويهم، كشفت المهمة الاستطلاعية التي أحدثتها لجنة الخارجية والتعاون الدولي بمجلس النواب، من خلال تقريرها الذي عرض للمناقشة، أن أغلب المعتقلين أو العالقين المغاربة “يوجدون اليوم في دولتين، هما سوريا والعراق”.

الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن 2577 شخصا التحقوا بالحركات الإرهابية المختلفة في سوريا والعراق، منهم 290 من النساء و628 من القاصرين

وحسب التقرير الختامي للجنة فإن “مجموعة من المغاربة المقاتلين المعتقلين والنساء والأطفال يوجدون في السجون الرسمية للعراق وسوريا أو بالسجون الموالية للتنظيمات الإرهابية المناهضة لهذه الدول؛ ويتم إما إيواء هؤلاء المقاتلين وعائلات المعتقلين من نساء وأطفال في هذه السجون، أو تفرض عليهم إقامة إجبارية داخل المخيمات”.

ودعت السلطات الحكومية المغربية إلى العمل في أقرب الآجال على توقيع اتفاقيات للتعاون القضائي والقانوني بين المملكة المغربية والعراق لتسهيل عملية نقل الأشخاص المحكوم عليهم بين البلدين.

وتحكم العلاقات القانونية للتعامل بين المغرب والبلدين العربيين اتفاقيات دولية، إذ تربط بين الرباط ودمشق اتفاقية بشأن نقل المحكوم عليهم، وقعت بتاريخ 26 أبريل 2006 بمراكش، مع اتفاقية أخرى بشأن تسليم المجرمين وقعت بالتاريخ والمكان ذاتهما، في المقابل لم تتم المصادقة على مشاريع مهيأة في نفس الغرض بعد مع الجانب العراقي.

وقال مرصد الشمال لحقوق الإنسان، إن السلطات المغربية تجري ترتيبات لإعادة النساء والأطفال المتواجدين بمخيمي “الروج” و”الهول” شمالي سوريا.

لكنّ مسؤولون مغاربة يرون أن هناك إشكالا مرتبطا بمزدوجي الجنسية، إذ بعد إسقاط الجنسية الثانية يطرح السؤال “هل هم مغاربة أم لا؟ وهل المغربي من يحمل الجنسية أم المغربي من ذهب من المغرب إلى العراق أو سوريا، وبعد ذلك رجع إلى المغرب؟ لأنه إذا فتح المغرب موضوع الجنسية ربما قد نصل إلى عدد مرتفع جدا”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: