المهاجرون انطلاقا من ليبيا: المطاردة في البحر والاغتصاب في مراكز الاحتجاز
الحبيب الاسود
تشهد الدول الأوروبية حراكا لافتا من أجل إرغام الاتحاد الأوروبي على وقف التعاون مع خفر السواحل الليبي لما يتعرض له المهاجرون واللاجئون من انتهاكات توصف بالجسيمة عند اعتراضهم من قبله في البحر أو داخل مراكز الاحتجاز حيث تصاعدت الدعوات خاصة لإلغاء اتفاقية وقعتها إيطاليا مع حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج سابقا سنة 2017.
لم يُنه رفض البرلمان الإيطالي إنهاء التعاون مع خفر السواحل الليبي الجدل بشأن وضعية المهاجرين واللاجئين في مراكز الاحتجاز على الأراضي الليبية وهو ما يوسّع دائرة الغضب والرفض للدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي لخفر السواحل الليبي.
وتصاعدت وتيرة الاحتجاج سواء في إيطاليا أو خارجها من دول الاتحاد الأوروبي على مواصلة التعاون مع خفر السواحل الليبي في ظل التقارير المتواترة عن أوضاع توصف بالمأساوية يخضع لها المهاجرون واللاجئون.
وفي هذا السياق، أطلقت منظمات حقوقية إيطالية ودولية ونواب برلمانيون بداية من السبت في حملة لرفض استمرار المهمة الثنائية لمساعدة السلطات الليبية في مراقبة الحدود البحرية وكذلك الإجراءات المماثلة في البحر الآمن.
وقال النائب ريكاردو ماجي خلال مؤتمر صحافي بحضور عدد من البرلمانيين وممثلي منظمات المجتمع المدني “لا يمكن لبلادنا ولا يجب أن تستمر في أن تكون عنصر تحريض على العنف الوحشي ضد أولئك الذين يحاولون الفرار من ليبيا. حان الوقت لمراجعة الاستراتيجية التي تم إطلاقها في فبراير 2017 بالمذكرة الإيطالية – الليبية، واستمرت بالإعلان الذاتي لمنطقة البحث والإنقاذ الليبي من خلال زوارق الدوريات وبالتعاون مع هذه البعثات التي تقدم الدعم لأعمال تنطوي على انتهاك منهجي لحقوق الآلاف من البشر”.
وأضاف ماجي “بعد أربع سنوات، لم يتم بناء المركز الليبي لتنسيق عمليات البحث والإنقاذ المتفق عليه وهو ما تدركه المفوضية الأوروبية الآن. لذلك نسأل أنفسنا: من ينسق تدخلات خفر السواحل الليبي مثل تلك التي استؤنفت في الـ1 من يوليو؟ حيث رصدت كاميرا تابعة لمنظمة سي ووتش الألمانية كيف تطارد دورية ليبية كانت تستقل زورقا تسلمته من إيطاليا قاربا محملا بالمهاجرين، وتطلق عليه النار” في إشارة إلى حادث أثار جدلا واسعا في أوروبا، وجعل الحكومتين الإيطالية والليبية في موقف حرج.
انتهاكات خفر السواحل
ريكاردو ماجي: لا يمكن لإيطاليا أن تحرض على العنف ضد المهاجرين في ليبيا
تعرف أوروبا جدلا واسعا بشأن مصير اللاجئين والمهاجرين في ليبيا خاصة الـ60 ألفا الذين اعترضهم خفر السواحل الليبي خلال السنوات الأربع الماضية عندما كانوا في طريقهم نحو الضفة الشمالية للمتوسط حيث تمت إعادتهم الى مراكز الاحتجاز في مدن الغرب الخاضعة لسيطرة الميليشيات.
وبين يناير ويونيو 2021، اعترضت مهمات “الإنقاذ” لخفر السواحل الليبي المدعومة من أوروبا حوالي 15 ألف شخص في البحر وأعادتهم إلى ليبيا وهو رقم يفوق من تم اعتراضهم في عام 2020 بأكمله، لكنّ مصير هؤلاء وإن كان يكتنفه الكثير من الغموض، إلا أن التقارير الدولية أجمعت على أن ما يدور في مراكز الاحتجاز مأساة إنسانية واللافت أن ذلك يتم بتمويلات أوروبية، وهو ما جعل أكثر من 100 منظمة مجتمع مدني إيطالية تنضم الأربعاء الى الحشد الشعبي الذي نزل للاعتصام في ساحة مونتي تشيتوريو في روما بمناسبة تصويت البرلمان على تجديد البعثات الدولية ومنها تلك المرابطة في ليبيا.
وقال بيان للمعتصمين إن “الجميع موجودون في الساحة وأعينهم مغطاة بعصابات بيضاء، كرمز للسلطات التي ترفض الرؤية، والتي تنحني طواعية للهمجية وإلغاء حقوق الإنسان” ، وأضاف أن الهدف هو “التنديد بمسؤولية السلطات الإيطالية في المذابح المستمرة للمهاجرين بمنطقة وسط البحر المتوسط وفي دائرة العنف والاستغلال وانتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها المهاجرون واللاجئون في ليبيا بشكل ممنهج”.
إلى ذلك، كان نداء منظمة أكشن إيد، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة أطباء بلا حدود، وهيومن رايتس ووتش، الأربعاء، واضحا، خلال جلسة استماع في لجنتي الخارجية والدفاع المشتركتين في مجلس النواب ومجلس الشيوخ الإيطاليين، بالدعوة إلى “تغيير شروط التعاون مع ليبيا”، مؤكدا أن إيطاليا جعلت نفسها مسؤولة بشكل مشترك عن الانتهاكات والتجاوزات المرتكبة في ليبيا، وقالت في بيان “نحث البرلمان على إلغاء أيّ دعم لخفر السواحل الليبي والإدارة العامة لأمن السواحل، مما يجعل أيّ اتفاق مشروطًا باعتماد ليبيا تدابير ملموسة لضمان حقوق اللاجئين والمهاجرين، بما في ذلك الالتزام بإنزال الأشخاص الذين تم إنقاذهم في البحر”.
وجاء ذلك لقطع الطريق أمام الدعم الإيطالي لخفر السواحل الليبي والذي ارتفع من 10 ملايين يورو في عام 2020 إلى 10.5 ملايين يورو في عام 2021، رغم ما يتم تسجيله من ممارسات الإعادة القسرية والاحتجاز والعنف والتعذيب التي تنفذها الحكومة والميليشيات الليبية، فما يطلبه المجتمع المدني واضح وهو وقف تجديد البعثة في ليبيا وإلغاء التعاون مع السلطات الليبية في غياب ضمانات ملموسة لحماية حقوق الإنسان للمهاجرين واللاجئين.
ويرى ناشطون أن إيطاليا ورطت نفسها منذ توقيع مذكرة التفاهم مع حكومة الوفاق في فبراير 2017 ضمن تصور وتنفيذ سياسات لاحتواء تدفقات الهجرة، وخصصت منذ ذلك الوقت حوالي 100 مليون يورو للسيطرة على الحدود البرية والبحرية للبلاد، وقد تم تمويل حوالي الثلث بموجب مرسوم البعثات وهو حساب مستقل تماما عن اعتماد التدابير اللازمة لتجنب هبوط الأشخاص الذين يتم إنقاذهم أو اعتراضهم في المياه الإقليمية الليبية أو لضمان احترام حقوق اللاجئين والمهاجرين في ليبيا.
لكن في غضون ذلك، لا يزال المهاجرون واللاجئون في ليبيا يتعرضون بشكل منهجي لخطر الاحتجاز التعسفي وغيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوقهم، حيث يتم احتجازهم بشكل غير قانوني وإلى أجل غير مسمى فور اعتراضهم في البحر وإعادتهم الى الأراضي الليبية، إذ تقول المنظمات الحقوقية إن الظروف المعيشية لا تزال غير إنسانية وأن عدد الأشخاص المحتجزين ارتفع في الأشهر الأخيرة، في حين يستمر توثيق حالات التعذيب والعنف الجنسي والاستغلال.
ورفعت منظمات حقوقية ونواب المعارضة في البرلمان الإيطالي خلال الأيام الماضية شعارات من بينها “لا للدعم والتعاون مع خفر السواحل الليبي الهادف إلى الإعادة القسرية في ليبيا” و”نعم لبناء خطة تنص على الإجلاء الفوري للأشخاص المحتجزين في مراكز الاحتجاز الليبية وتوسيع قنوات الدخول العادية للمهاجرين واللاجئين” و”نعم لاستعادة نظام البحث والإنقاذ المؤسسي في وسط البحر الأبيض المتوسط والاعتراف بالدور الأساسي الذي تلعبه المنظمات غير الحكومية في حماية الحياة في البحر”، و”حان الوقت لمراجعة الاستراتيجية التي تم إطلاقها في فبراير 2017 بالمذكرة الإيطالية – الليبية”.
ومنذ أيام قاد الحزب الديمقراطي الإيطالي حملة شرسة ضد الحكومة، داعيا الى عدم تجديد الاتفاقيات مع الطرف الليبي. وتقول لورا بولدريني، وهي صحافية وسياسية إيطالية والرئيسة السابقة لمجلس النواب الإيطالي، وحاليا قيادية في الحزب الديمقراطي، “من المهم أن تكون إيطاليا حاضرة في ليبيا، لاسيما في هذه المرحلة من التهدئة وإرساء الديمقراطية، لكن لا يسعنا إلا أن نرى العلاقة السببية بين دورنا وما يفعله خفر السواحل الليبي. مع مذكرة التفاهم في عام 2017 أعطينا خفر السواحل الليبي دور التحكم في تدفقات الهجرة، وفي عام 2018 زودناه بالوسائل البحرية. لذلك دون هذا الدور ودون تلك الوسائل ، هل كان يمكن لخفر السواحل الليبي إطلاق النار على المهاجرين؟”.
ويرى السناتور فرانشيسكو فيردوتشي القيادي في المديرية الوطنية للحزب الديمقراطي أن “لا أحد يستطيع أن يقول إنه لا يعرف ما يحدث في ما يسمى بمعسكرات احتجاز المهاجرين في ليبيا، لأن الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان موثقة ومستنكرة من قبل الأمم المتحدة ومجلس أوروبا، التعذيب والعنف الجنسي، عمليات الاختطاف والمعاملة اللاإنسانية والاحتجاز، لا مجال للمزيد من النفاق، إن دعم ما يسمى بخفر السواحل الليبي يؤدي الى تفضيل النظام الحالي لمعسكرات الاعتقال التي يديرها خفر السواحل الليبي”.
ويرفع فيردوتشي وتيرة خطابه الغاضب “هناك فيديو تم التقاطه قبل أيام، حيث تم تصوير زورق الدورية الليبي ‘رأس جدير’، الذي تبرعت به إيطاليا ، أثناء إطلاق النار على زورق محمل بأشخاص يحاولون تلافي اصطدامها به. لا يمكن لإيطاليا أن تكون مسؤولة بشكل مشترك عن هذا العار. خلال العام الماضي ساء الوضع. أوقفت منظمة “أطباء بلا حدود” أنشطتها في بعض مراكز الاحتجاز في طرابلس، منددة بالزيادة الإضافية في سوء المعاملة والإيذاء والعنف، لاسيما ضد النساء. لا يمكن لإيطاليا أن تؤيد كل هذا. يجب أن نقول لا لإعادة تمويل ما يسمّى بخفر السواحل الليبي”.
ويستدل الناشطون الأوروبيون بموقف منظمة أطباء بلا حدود التي أعلنت في يونيو الماضي تعليقًا مؤقتًا للأنشطة في مركزي احتجاز في طرابلس، بسبب تزايد أعمال العنف والانتهاكات وسوء المعاملة، وقالت رئيسة بعثتها في ليبيا بياتريس لو “القرار لم يكن سهلا”، وأضافت أن “النمط المستمر لوقائع العنف والأذى الجسيم الذي يلحق باللاجئين والمهاجرين فضلا عن الخطر على سلامة طاقمنا، بلغ مستوى لم نعد قادرين على تحمّله”.
وأشارت إلى أن المنظمة عالجت في آخر أسبوع لنشاطها داخل مركز المباني 19 شخصا تعرّضوا لكسور وجروح وصدمات حادة من جراء الضرب وأعمال العنف الأخرى التي ارتكبها الحراس هناك، حتى أن “أحد المصابين كان طفلا لا يرافقه أبواه، ولم يكن قادرا على المشي بسبب إصابات خطيرة في كاحليه” وفقا للمنظمة التي أضافت “في مركز الاحتجاز أبو سليم، تلقينا تقارير في الـ13 من يونيو عن إطلاق نار على أشخاص بداخل المركز من سلاح آلي، لكننا منعنا من دخول المركز لمدة أسبوع كامل، ما حال دون تدخل أطبائها وعلاج المصابين”.
ووصفت منظمة العفو الدولية الشهادات التي تمّ جمعها سلوك خفر السواحل الليبي بأنه إهمال وممارسات عنيفة، فقد “روى الناجون كيف تعمد خفر السواحل في ليبيا إتلاف القوارب التي كانوا يستقلونها، مما أدى في بعض الحالات إلى انقلابها وغرق المهاجرين واللاجئين، في مناسبتين على الأقل. وذكر شاهد عيان أنه بعد أن قلب خفر السواحل زورقًا مطاطيًا، بدلاً من إنقاذ الأشخاص في البحر، قاموا بتصوير المشهد. وكثيرًا ما ذكر الأشخاص الذين قابلتهم منظمة العفو أنه أثناء العبور، أنهم رأوا طائرات فوقهم أو سفنا مجاورة ترفض تقديم المساعدة مع اقتراب خفر السواحل الليبيين”.
وأضافت المنظمة في التقرير الذي صدر الخميس “على الرغم من الأدلة الهائلة على السلوك المتهور وغير القانوني لخفر السواحل الليبيين في البحر، والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان في مراكز الاحتجاز يواصل الشركاء الأوروبيون دعم حرس السواحل الليبيين الذين يعيدون الناس قسراً إلى ليبيا ليعانوا مرة أخرى. نفس الانتهاكات التي فروا منها”.
ويقول التقرير إن ديانا الطحاوي، نائبة مديرة منظمة العفو الدولية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، “تلقي ضوءًا جديدًا من ناحية على معاناة الأشخاص الذين يتم اعتراضهم في البحر وإعادتهم إلى ليبيا لينتهي بهم الأمر على الفور إلى الاعتقال التعسّفي والتعرّض بشكل منهجي في التعذيب والعنف الجنسي والعمل القسري وأشكال الاستغلال الأخرى مع الإفلات التام من العقاب”.
وأضاف “وتسلط من ناحية أخرى الضوء على التواطؤ المستمر للدول الأوروبية التي تواصل بشكل مخجل تعزيز ومساعدة خفر السواحل الليبي في القبض على الأشخاص في البحر وفي الإعادة القسرية لهذا الأخير إلى جحيم مراكز الاعتقال في ليبيا، حتى لو كان معروفًا تمامًا في العواصم الأوروبية الرعب الذي سيواجهه هؤلاء الأشخاص”.
معضلة مراكز الاحتجاز
كانت السلطات الليبية قد تعهدت بإغلاق مراكز جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية التي تتفشى فيها الانتهاكات، لكنّ أنماطاً مشابهة من الانتهاكات حصلت من جديد في مراكز افتُتحت حديثاً أو أعيد فتحها. وفي توضيح لظاهرة الإفلات من العقاب المترسخة أُضفِيَت صفة الشرعية على مواقع أسر غير رسمية تديرها ميليشيات ليست تابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية ولكنها أُدمجت في الجهاز.
وفي 2020 اختفى قسراً المئات من الأشخاص الذين أُنزلوا في ليبيا في موقع غير رسمي كان يخضع آنذاك لإحدى الميليشيات. ومنذ ذلك الحين دمجت السلطات الليبية الموقع في جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، وأطلقت عليه اسم “مركز التجميع والعودة في طرابلس”، ويُطلق عليه تسمية غير رسمية هي “المباني”، وأسندت إدارته إلى المدير السابق والموظفين الآخرين في مركز تاجوراء المغلق الآن، والتابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية. وقد صدر في أغسطس 2019 أمر بإغلاقه بعد أن ذاع صيته السيء في ممارسة التعذيب وغيره وذلك بعد مضي شهر على القصف الذي أودى بحياة 53 محتجزاً على الأقل.
وفي النصف الأول من 2021 أعيد أكثر من 7000 شخص قسراً إلى مركز المباني ممن تم اعتراض سبيلهم في عرض البحر. وأبلغ المحتجَزون هناك منظمة العفو الدولية أنهم واجهوا التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وأوضاع الاحتجاز القاسية واللاإنسانية، والابتزاز، والعمالة القسرية. كما ذكر بعضهم أنهم تعرضوا إلى عمليات تفتيش تضمنت تجريدهم من ملابسهم وانتهكت خصوصياتهم، واتسمت بالإذلال، والعنف.
ومركز شارع الزاوية في طرابلس هو مرفق كانت تديره فيما مضى ميليشيات غير تابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، وأُتبع حديثاً بالجهاز المذكور وخُصص للأشخاص المعرضين للانتهاكات. وقال المحتجَزون السابقون فيه إن الحراس اغتصبوا النساء، وأُرغم بعضهن على ممارسة الجنس مقابل الإفراج عنهن أو حصولهن على أشياء ضرورية مثل الماء النظيف.
منظمات حقوقية إيطالية ودولية ونواب برلمانيون أطلقوا منذ السبت حملة لرفض استمرار المهمة الثنائية لمساعدة السلطات الليبية في مراقبة الحدود البحرية
ووفق ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، فإن إيطاليا والدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي واصلت تقديم المساعدة المادية – بما فيها الزوارق السريعة – إلى خفر السواحل الليبي، كما وتعمل على إقامة مركز للتنسيق البحري في ميناء طرابلس ممول بمعظمه من صندوق ائتمان الاتحاد الأوروبي من أجل أفريقيا.
وتقول الطحاوي “لقد آن الأوان لإقرار الدول الأوروبية بالعواقب المترتبة على أفعالها والتي لا يمكن الدفاع عنها. ويتعين عليها أن تُعلّق تعاونها مع ليبيا في مجال مراقبة الهجرة والحدود، وأن تفتح بدلاً من ذلك ممرات السلامة المطلوبة بإلحاح للآلاف من المحتاجين إلى الحماية والعالقين هناك في الوقت الراهن”.
وكان تقريران ميدانيان نشرتهما وكالتا أنباء أسوشييتد برس وفرانس برس كشفا مسألة تعرض مهاجرات غير شرعيات لاعتداءات جنسية في مراكز احتجاز ليبية، حيث نقلا عن مجموعة من الفتيات القاصرات من المهاجرات غير الشرعيات تعرضهن لاعتداءات جنسية من قبل حراس مراكز احتجاز حكومية ليبية ممولة من قبل الاتحاد الأوروبي.
وأشار التقرير الأول إلى تعرض مهاجرة غير شرعية من الصومال تبلغ من العمر 17 عاما لم يتم الكشف عن هويتها للاغتصاب من قبل حارس في مركز احتجاز في مدينة الزاوية في أبريل الماضي بعد أن تم إنقاذها من قبل قوات أمن ليبية في فبراير الماضي بعد أكثر من عامين قضتها في حوزة متاجرين بالبشر، وأضاف التقرير أن هؤلاء المتاجرين اعتدوا على الفتاة جنسيا فضلا عن ادعاء عدد آخر من الفتيات في ذات مركز الاحتجاز تعرضهن للاغتصاب ناقلا عن الفتاة الصومالية تأكيدها استمرار الاعتداءات الجنسية بحقها من قبل حراس المركز مع مطالبتها و4 فتيات صوماليات بالإفراج عنهن لوقف هذه الانتهاكات.
ووفقا للتقرير فقد بين المبعوث الخاص لوسط البحر الأبيض المتوسط بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “فينسينت كوشيتيل” أن المفوضية قامت بتوثيق المئات من حالات اغتصاب النساء أثناء وجودهن في معتقلات جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية أو سجون المتاجرين بالبشر.
وأضاف التقرير أن بعضهن وضعن أطفالا أثناء الاحتجاز بعد الحمل بهم من الحراس فيما تحاول منظمات حقوق الإنسان تأمين الإفراج عن هؤلاء الفتيات منذ أسابيع ناقلا عن الفتاة الصومالية تفاصيل اغتصابها في إحدى ليالي أبريل الماضي.
وبينت الفتاة تعرضها للهجوم من قبل الحارس الذي أمسكها بقوة بعد ذهابها إلى دورة المياه مضيفة بالقول ”شعرت بالذهول ولم أكن أعرف ماذا أفعل لقد اعتدى عليّ الحارس وأنا أبكي وأكافح وأتوسل إليه ليتركني وكنت محظوظة لأن اغتصابي لم يأخذ وقتا طويلا”.
ونظرا لاتساع دائرة الانتهاكات، دعت الفيدرالية الدولية للحقوق والتنمية (إفرد) إلى تحرك دولي لضمان الالتزام بعدم الإعادة القسرية للمهاجرين إلى ليبيا بموجب القانون الدولي العرفي، وأكدت أن الآلاف من المهاجرين العالقين في ليبيا معظمهم من أفريقيا الغربية والقرن الأفريقي، ومن بينهم أطفال، يدفعون ثمنا فادحا لتصاعد الصراع المسلح في البلاد، ويتطلب من السلطات الليبية أن تفرج فوراً عن جميع المهاجرين واللاجئين من مراكز الاحتجاز المروعة كونهم يُحتجزون بصورة غير قانونية ويتعرضون لانتهاكات وتعذيب مروّعين.
وعلى الرغم من وضوح الوضع الكارثي لحقوق الإنسان عموما، والتمييز والعنصرية وانتهاكات حقوق اللاجئين في ليبيا، فإن المنظمة أعربت عن الأسف من إعادة الاتحاد الأوروبي الآلاف من اللاجئين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط إلى ليبيا، ومن تسليح خفر السواحل الليبي ودعمه والذي كشفت العديد من التحقيقات الصحافية تورطه المباشر في محاولات إغراق القوارب وإنشاء مراكز احتجاز تعسفية للاجئين وممارسة الابتزاز والعنف الجنسي وانتهاكات أخرى.
وفي رد على إبراز التقارير الدولية دور الدول الأوروبية في الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون واللاجئون داخل مراكز الاحتجاز الليبية يحاول الاتحاد الأوروبي التنصل بإعلانه الالتزام بالاستمرار في التعاون مع السلطات الليبية التي أفرزها ملتقى الحوار السياسي في فبراير الماضي من أجل إيجاد حلول وبدائل لمراكز احتجاز المهاجرين الموجودة على الأراضي الليبية، مشددا على موقفه الداعي لإغلاق هذه المراكز.
وأعادت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية آنا بيزونيرو التأكيد على موقف الاتحاد الثابت تجاه هذه المراكز، والتي تريد بروكسل من السلطات الليبية إغلاقها قائلة “مع الحكومة الليبية الجديدة هناك فرصة إضافية للتعاون من أجل إيجاد بدائل وحلول للمهاجرين الذين يعيشون ظروفا غير إنسانية في مثل هذه المراكز”، وأضافت أن “العديد من المسؤولين الأوروبيين ومن ضمنهم المفوضية الأوروبية المكلفة بالشؤون الداخلية يلفا يوهانسن أوصلوا رسالة إلى السلطات الليبية مفادها استعداد الاتحاد للعمل معهم من أجل محاربة الاتجار بالبشر، وضبط الحدود، وتعزيز الإعادة الطوعية للمهاجرين وبالتالي إغلاق مراكز الاحتجاز”.
وتتجه الأزمة إلى المزيد من التصعيد، لاسيما في ظل اتساع رقعة التنديد التي تقودها منظمات المجتمع المدني في أوروبا، وتجد الحكومات نفسها أمام تحدّ حقيقي، حيث لم يعد رفع شعار مواجهة زحف المهاجرين من الجنوب كافيا لإقناع أحد بضرورة غض الطرف عن مطاردتهم في البحر حتى يغرقوا أو إعادتهم الى ليبيا لكي يتعرضوا إلى التعذيب أو الاغتصاب في مراكز الاحتجاز.