توجهت أصابع الاتهام، في مسألة الحرائق الضخمة التي عاشتها مناطق داخلية في الشرق الجزائري، إلى ما باتوا يعرفون بـ”شياطين الفحم”، وهم أشخاص يمتهنون حرفة بيع الفحم في مناسبة عيد الأضحى، وعادة ما يلجأون إلى حرق الغابات من أجل الحصول على هذه المادة.
ورغم أن التحقيقات الأمنية والإدارية لم تكشف بعدُ عن ظروف وملابسات الحرائق الأخيرة إلا أن الاتهامات توجهت إلى هؤلاء بناء على تجارب سابقة حين اندلعت حرائق مماثلة في عدد من غابات البلاد، قُبيْل عيد الأضحى الذي بات موسما تجاريا لهؤلاء.
وسبق للجهات الأمنية أن ألقت القبض على أشخاص وجهت لهم تلك التهمة خلال الصيف الماضي في محافظات مجاورة للعاصمة، غير أن العدد المحدود لهؤلاء لم يكن في حجم الحرائق التي شهدتها المنطقة، الأمر الذي طرح فرضيات أخرى أدرجتها تصريحات رسمية من قِبَل مسؤولين حكوميين كبار في خانة “الأفعال المفتعلة”، في إشارة إلى مؤامرة أكبر.
وحسب وزير الزراعة الجزائري عبدالحميد حمداني خلفت الحرائق الضخمة، التي عاشتها منطقة خنشلة وباتنة وتبسة في شرق البلاد، خسائر جسيمة في غطاء الغابات والممتلكات، وقدرت المساحات المتضررة بنحو تسعة آلاف هكتار، منها حقول لأشجار التفاح.
وذكر حمداني في تصريح لوسائل إعلام محلية أن “الحرائق التي اندلعت في غابات خنشلة وتزامنت مع عيد الاستقلال لم تكن عفوية ومحض صدفة، بل كانت متعمدة، وأن هذا التصرف غير مقبول، وخاصة أنها مست منطقة الأوراس التي لها دلالة رمزية”.
وأكد على أن معظم هذه الحرائق ذات طابع “إجرامي”، مشيرا إلى أن التقرير الذي أعدته الجهات الجزائرية المختصة يوضح انطلاق الحرائق “كلها دون استثناء” من حواف الغابات وأطرافها.
وأضاف “مكافحة الحرائق تستدعي تضافر جميع الجهود من مواطنين ومجتمع مدني، وحتى المصالح الأمنية ووسائل الإعلام، بالانتباه والتحلي باليقظة والمسؤولية الجماعية لمكافحة هذه الظاهرة؛ لأن مكافحة الحرائق قضية مواطنة تفرض علينا المشاركة بقوة في حملات التوعية”.
وفي حين تحاول السلطة استحضار نظرية المؤامرة والفعل المقصود من أجل مغازلة مشاعر الشارع الجزائري للالتفاف حول أجندتها، ما زالت تتجاهل أزمة الوعي الجماعي والسلوكيات الفردية لدى المواطن الجزائري الذي يعمد أحيانا إلى مواقف تستجيب لمصلحته الضيقة ولو على حساب مصالح الدولة.
وعبر الكاتب والناشط عبدالرزاق بوكبة عن ذلك قائلا “نحن بصدد إنسان جزائري مستعد لأن يحقق مصلحته الشخصية على حساب وطن كامل، وبصدد منظومة قيم دينية ووطنية وأخلاقية وحضارية وإنسانية وقانونية لم تعد قادرة على أن تعصم مواطنَها من اقتراف أفعالٍ أنانية تصل إلى حد قطع الأرزاق وإزهاق الأرواح بأعصاب باردة”.
وكتب بوكبة موجها كلامه للرئيس عبدالمجيد تبون “إذا لم نضع برامج ثقافية وتربوية لإزالة هذا الورم الأخلاقي (الأنانية في كل القطاعات)، فإننا سنجد أنفسنا، حتى وإن نجحت هذه الحكومة الاقتصادية في إغراقنا بالأموال، أمام فساد جديد لا يختلف عن فساد مرحلة بوتفليقة”.
وتصاعدت مشاعر الإقصاء والتهميش واختلال التوازن التنموي لدى سكان المناطق التي شهدت الحرائق، وهو ما عكسته تسجيلات ومنشورات غمرت شبكات التواصل الاجتماعي، وأظهرت عدم اهتمام السلطات المختصة والمركزية بالوضع، لاسيما في ظل محدودية الوسائل المادية والبشرية المسخرة لتطويق الحرائق.
واعتبر نشطاء على مواقع التواصل أن الحكومة تتعامل مع مشكلة انتشار الحرائق بلامبالاة، وأنها لم تتحرك إلا بعد حملات شعبية تتهمها بالتقصير وتهدد بالتصعيد في الشارع وإحياء الحراك الشعبي.