حرب إلكترونية تطيح بضباط كبار في الجيش الجزائري

بليدي

أفقدت إحالة الأمين العام لوزارة الدفاع الجزائرية، على السجن المؤقت في انتظار التحقيق معه، معسكر الحرب الإلكترونية الدائرة في البلاد خلال السنوات الأخيرة، أحد عناصرها المهمة، خاصة وأن القرار ألبس رداء الوقوف وراء حملة مغرضة ومهددة للاستقرار والوحدة الوطنية، وجاء بعد العقوبة القاسية الصادرة في حق مدير الأمن الداخلي السابق الجنرال واسيني بوعزة.

وذكرت تقارير محلية بأن 30 جنرالا والعشرات من العقداء يتواجدون رهن السجن بتهم مختلفة، كان آخرهم مدير الصناعات العسكرية السابق الجنرال رشيد شواقي، الذي أودع السجن في بحر هذا الأسبوع.

ووجّه القضاء العسكري، خلال السنوات الأخيرة للجنرال عبدالحميد غريس، تهمة الوقوف وراء حملة إلكترونية هددت وحدة واستقرار البلاد، وافتعال تيار معادي يشحن الضغائن بين إثنيات المجتمع.

وشغل الجنرال غريس، منصبه بإيعاز من القائد السابق للجيش الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، وظهر بمعية كبار قادة المؤسسة العسكرية إلى غاية الأشهر الأخيرة، رفقة الرئيس عبدالمجيد تبون وقائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة، قبل أن يحال على السجن المؤقت والشروع في التحقيق معه في عدة ملفات، أبرزها الوقوف وراء تيار سياسي شعبي تأسس على منصات التواصل الاجتماعي، خلال ذروة احتجاجات الحراك الشعبي، ويتمثل فيما عرف بـ”الباديسية النوفمبرية”.

تقرير لشركة فيسبوك يقول إن المحتوى المنشور يتميز بكونه داعما للجيش وناقدا للمعارضين الجزائريين في الخارج

وشكلت الباديسية النوفمبرية التي اشتقت تسميتها من المصلح الاجتماعي والديني خلال فترة الاستعمار الفرنسي عبدالحميد بن باديس، ومن شهر نوفمبر الذي اندلعت فيه ثورة التحرير العام 1954، وعاء شعبيا داعما للسلطة الانتقالية التي خلفت تنحية الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وشكلت مرجعية تعاطف معها قطاع من الجزائريين المؤمنين بالتوجه المحافظ.

وطيلة السنوات الأخيرة استعمل التيار، سلاحا إلكترونيا لانتقاد وتشويه التيار الديمقراطي والحراك الشعبي ومنطقة القبائل والمعارضين السياسيين في الخارج، فضلا عن الناشطين السياسيين البارزين في الداخل، وذهب إلى حد وضع مخطط لمشروع “صفر قبائل” الرامي إلى إزاحة الجزائريين من أصول أمازيغية من المؤسسات والهيئات والشركات الحكومية.

وعلى الرغم من بقاء الجنرال عبدالحميد غريس في منصبه إلى غاية شهر مارس الماضي، حيث تقرر إقالته من منصبه، فإن الرجل القوي في المرحلة السابقة، مدير الأمن الداخلي السابق الجنرال واسيني بوعزة، صدرت في حقه عقوبات قاسية من طرف القضاء العسكري بتهم مماثلة، منها عقوبة 15 عاما سجنا نافذا، وتجريده من رتبته العسكرية (جنرال) إلى رتبة جندي، مع حجز جميع ممتلكاته.

وظلت الحرب الإلكترونية، واحدة من الأسلحة القوية في المعركة السياسية التي تشهدها البلاد منذ بداية احتجاجات الحراك الشعبي في فبراير 2019، حيث قامت قيادة الجيش السابقة بإنشاء مديرية خاصة واقتناء تجهيزات متطورة، لمتابعة صفحات المعارضين والناشطين، بالإضافة إلى إنشاء جيش وخلايا إلكترونية تضطلع بتشويه الحراك والمعارضة ومنطقة القبائل، وتؤسس لصراع عرقي بين الإثنيات خاصة العرب والأمازيغ.

وأعلنت شركة فيسبوك في تقريرها الأخير الصادر في شهر يونيو الماضي، عن غلق 130 حسابا و221 صفحة و35 مجموعة على موقعي “فيسبوك” و”إنستغرام” في الجزائر، وبررت ذلك بكون تلك الصفحات “مزيفة ومضللة، ويقف وراءها أشخاص مقربون من السلطة”.

وأوضحت أن “تلك الحسابات مزيفة ولكنها تدار من الجزائر، ومن قبل أشخاص عمل بعضهم في الحملة الانتخابية للرئيس عبدالمجيد تبون، عام 2019″، وهو ما يؤكد المزاعم التي رفعها في وقت سابق ناشطون معارضون حول تضييق الشركة على صفحاتهم، ونفذوا عدة وقفات احتجاجية أمام مقار الشركة في فرنسا والولايات المتحدة.

ووضعت الحكومة مؤسسات مختصة وأجهزة رقابية في مؤسسات أمنية، من أجل متابعة نشاط ومحتوى الشبكات المذكورة، وكثيرا ما تحولت إلى مصدر تهم قضائية وجهت للعديد من الناشطين، فيما برزت في المقابل حسابات ومجموعات نشيطة تقوم بمهاجمة وتشويه كل من يعارض السلطة، وحملت العديد من الشعارات على غرار “الباديسية النوفمبرية”.

شبكات التواصل الاجتماعي استطاعت استقطاب الرأي العام الجزائري خلال السنوات الأخيرة، لاسيما في ظل أزمة واهتزاز مصداقية الإعلام التقليدي في البلاد

وذكرت شركة فيسبوك، أن “أصحاب هذا النشاط حاولوا الظهور كمواطنين جزائريين ومغاربة، وأنها أيضا حسابات مزيفة تتظاهر بأنها من المعارضة أو من الأقلية الأمازيغية في الجزائر، كما تستغل العلاقات المتوترة بين الجزائر والمغرب، لتأجيج الأحقاد بين الشعبين، وتتظاهر باستهداف الجزائر من طرف المغاربة”.

وأضافت، بأن “المحتوى الذي نشرته هذه الصفحات، يتميز بكونه داعما للجيش الجزائري، وناقدا للأقليات العرقية والمعارضين الجزائريين في الخارج، وأن الجهات التي تقف وراء هذه الحسابات المزيفة، أنفقت الكثير من المال من أجل الترويج لها”.

واستطاعت شبكات التواصل الاجتماعي استقطاب الرأي العام الجزائري خلال السنوات الأخيرة، لاسيما في ظل أزمة واهتزاز صدقية الإعلام التقليدي في البلاد، وباتت الأنظار في الغالب تتجه إلى محتوى تلك المنصات لمتابعة الأحداث، الأمر الذي حوّلها إلى فضاء استراتيجي تدار فيه معارك السلطة والمعارضة، خاصة وأن مؤسسات وشخصيات بارزة عملت على استغلاله منذ الجدل المثار حول ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة في 2018.

ولفت تقرير شركة فيسبوك، إلى أن “أزيد من ثلاثة ملايين مستخدم تابعوا حسابا واحدا من هذه الصفحات، كما قدر عدد من استقطبتهم في إنستغرام بـ11 ألف متابع”.

وأشار تقريرها الشهري إلى أن هذا “السلوك الزائف المنسق” شمل أيضا، ثلاث دول عربية أخرى، وهي العراق والأردن والسودان، التي عرفت هي الأخرى “توجيها وتلاعبا بالنقاش العام من أجل خدمة أهداف استراتيجية”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: