تنصيب وزير إسباني جديد لا يكفي لإغلاق ملف الأزمة مع المغرب

ماموني

غادرت وزيرة الخارجية الإسبانية أرانتشا غونزاليس لايا الحكومة، بعد التعديل الموسع الذي قام به رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، فيما يبدو خطوة لإعطاء دفعة للسياسة الخارجية لبلاده لتجاوز الأزمة الدبلوماسية المستعصية مع المغرب.

الإطاحة بوزيرة الخارجية جاءت بعد تحميلها مسؤولية استمرار الأزمة مع المغرب، ووجهت إليها انتقادات بخصوص تدبيرها للأزمة الدبلوماسية بين الرباط ومدريد من طرف قوى سياسية وأحزاب إسبانية معارضة.

تعويض أرانتشا في منصب وزير الخارجية بالسفير السابق الإسباني في فرنسا خوسيه مانويل ألباريس، يمكن قراءته من زاويتين:

الزاوية الأولى، أن الحكومة الإسبانية تراهن على هذه الشخصية المتشبّعة بما تحمله من فهم للمحيط الجغرافي وللقيام بخطوات وساطة سريعة لحل أزمتها مع المغرب.

الزاوية الثانية، الابتعاد عن التقييمات الضيّقة للأحزاب السياسية في تدبير الأزمة الحالية بالاعتماد على تكنوقراط غير منتم حزبيا، وذلك كخطوة في اتجاه انفتاح وزارة الخارجية على مطالب المغرب في ما يتعلق بموضوع الصحراء والهجرة.

في أول خروج له بعد تنصيبه وزيرا للخارجية الإسبانية، صرّح ألباريس أن من أولوياته استعادة العلاقات مع الدول المتوسطية، خاصة مع الجار الجنوبي، مقرا بأن “على إسبانيا تعزيز العلاقات مع المغرب الصديق الكبير والجار الجنوبي”، ودون الدخول في تفاصيل الأزمة أشار إلى أنه لتجاوز الصعاب المختلفة يتوجب على إسبانيا التعامل مع حلفائها وأصدقائها.

الرسائل التي بعث بها الوزير الجديد إلى المغرب، توحي بأن الرجل يمتلك رؤية لتجاوز الأزمة بين المغرب وإسبانيا. والتقطت القنوات الدبلوماسية والسياسية غير الرسمية المحتوى والنقاط العريضة وهي الآن في طريق دراستها.

الأهم من رسائل الوزير الجديد هو الآليات العملية التي تنتظر الرباط تفعيلها بشكل جدي وموثوق، وهي آليات متعلقة بالموقف الرسمي الإسباني من وحدة التراب الوطني الذي لا يمكن أن يكون ملتبسا ولا غارقا في عمومية المفردات الدبلوماسية الفضفاضة. المغرب يملك كل المؤشرات التي تدفعه إلى الشك في جدية الحكومة لتجاوز الأزمة بالشكل الذي يحترم سيادة المملكة على كافة المستويات.

إلى حد الآن يبدو أن رئيس الدبلوماسية الجديد لم يفصح عن خطته لتجاوز الأزمة مع الجار الجنوبي، سوى تصريحات عن حسن النوايا وهي لا تسمن ولا تعني شيئا في لغة المصالح الدولية.

التضحية بوزيرة الخارجية الإسبانية كخطوة لامتصاص غضب الرباط غير كافية بالمطلق السياسي الصحيح، بل لا بد من إبراز خطة الوزير الجديد من خلال الاعتراف غير الملتبس بخطأ الحكومة الإسبانية بإدخال زعيم الجبهة الانفصالية إبراهيم غالي، إلى التراب الإسباني بتواطؤ مع الجزائر بطريقة سرية وهوية مزورة. هذه هي البداية الموفقة في اعتقادنا.

ليس هناك استعجال ولهفة من الطرف المغربي لإعادة العلاقات مع الإسبان، بل هناك تريث ودراسة معمقة للأزمة والطريق نحو حلها بما يخدم بناء علاقات ندية تحترم أبجديات السيادة الوطنية. إذ كيف يمكن الوثوق في كلام مرسل من وزير الخارجية الجديد وهناك وزراء داخل الحكومة لهم موقف مناهض لمصالح المغرب ووحدته الترابية؟

بالفعل، المغرب ذو أهمية للإسبان كشريك اقتصادي وسياسي وأمني ونظرا إلى الأدوار التي يلعبها على الضفة الجنوبية لحوض الأبيض المتوسط، خصوصا في ما يتعلق بالهجرة السرية وتهريب المخدرات وضبط تحركات العناصر الإرهابية وغيرها من أعمال المنظمات الإجرامية العابرة للقارات. هذا الامتياز الاستراتيجي من بلد مستقر وبمؤسسات موثوق بها لا يمكن ارتهانه لمزاج سياسيين يمارسون شوفينية مقيتة تنسف ضوابط العلاقات الثنائية.

الإقرار بأن تصرف وزيرة الخارجية السابقة كان خاطئا، بعد تورطها في إدخال زعيم البوليساريو بشكل سري والتضحية بتواجدها في الحكومة رغم تشبثها بموقعها، جيد لكنه غير كاف بالنسبة إلى حجم الضرر الذي لحق بالمغرب من قبل دولة لها موقعها في السياسة الخارجية للمغرب.

يتوقع رئيس الحكومة بيدرو سانشيز الكثير من وزير خارجيته الجديد للخروج من مستنقع أزمة مستعصية. بروفايل ألباريس غني فهو خبير في الأمن العالمي وشغل العديد من المناصب، بما في ذلك منصب الأمين العام للشؤون الدولية، والاتحاد الأوروبي، ومجموعة العشرين.

لقد ورطت وزيرة خارجية إسبانيا السابقة الجميع، كما كشفت الأزمة عن تواطؤات عميقة في الحكومة ومؤسسات أخرى، بعدما تم السماح لزعيم تنظيم انفصالي مطلوب قضائيا بالدخول إلى التراب الإسباني بهوية مزيفة، وهو ما يعتبر جريمة جنائية بسبب فساد وتواطؤ.

هذا سيجعل مهمة وزير الخارجية الجديد صعبة ومعقدة، لأنه ليس من السهل تصحيح أخطاء كارثية للحكومة الإسبانية وإعادة الثقة المفقودة في الحكومة والجهاز القضائي معا، والأصعب إعادة هيكلة وزارة الخارجية من جديد بما يتناسب والمهام الجديدة الموكولة له وبالأخص الأزمة بين بلده والمغرب.

يتيح لنا نهجنا التحليلي تقديم زاويتين رئيسيتين في ما يتعلق بالتعديل الحكومي الذي جاء بوزير خارجية جديد. أولا، الوقت الذي اتخذه مسار اتخاذ هذا القرار طويل ويعبّر عن درجة المقاومة التي أبدتها غونزاليس ومن يدعمها على المستويات الحكومية وغيرها. وما يعزز نظرتنا هو ما صرحت به قبيل تسليمها مهامها لخلفها.

ثانيا، من المحيّر لماذا لم تتولد حتى الآن أي مبادرة سياسية ذات مصداقية ورسوخ يقنع بها الجانب الإسباني الرباط عزمه إنهاء الأزمة، بل ذهبت الحكومة بعيدا في محاولة استجلاب الدعم الأوروبي لرؤيتها، رغم أنها مسؤولة بالدرجة الأولى عما آلت إليه الأمور حاليا.

حتى وإن تجاوزنا التصورات التبسيطية للغاية للسياسة التي هيمنت على الفاعل السياسي الإسباني منذ بروز الأزمة في أبريل الماضي، فإن الأمر لا يعدو كونه تكريسا لوجهة نظر تجزيئية غارقة في الاستعلائية البعيدة عن الواقع الجديد.

نقطة الانطلاق الخاطئة التي اعتمدتها وزيرة الخارجية السابقة في معالجة أزمة حكومتها مع المغرب يبدو أن خلفها الحالي لا يريد تكرارها في خطابه السياسي، حيث يسعى لإبعاد النقاش مع المغاربة عن إثبات أو دحض من تسبب في حرب باردة جديدة بين الرباط ومدريد، إلى أفق آخر يمدح الشريك المغربي وموقعه بالنسبة إلى المصالح والسياسة الإسبانية، وهذا جيد، شرط أن يضع الوزير الجديد في اعتباره أن جوهر الأزمة هو موقف الحكومة الإسبانية من الحل في الصحراء.

بدلا من ذلك، يسمح لنا الفهم السياسي للواقع الجيوسياسي باستنتاج وجود طيف أكثر تعقيدا في علاقات مدريد مع الرباط، خصوصا منذ إعلان الرباط أنها في طريق ترسيم حدودها البحرية شمالا وغربا، وكذا التطورات المستمرة على المستوى الاقتصادي شمال المغرب، ما يجعل المملكة قطبا استثماريا مهمّا ستتضرر منه هيمنة شركات الطرف الإسباني التي استغلت الأوضاع السابقة لصالحها خصوصا في سبتة ومليلية المحتلتين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: