حزب “الاستقلال” من المعارضة إلى المراهنة على قيادة الحكومة المغربية المقبلة

Belbazi

يشهد حزب “الاستقلال” المغربي المعارض ديناميكية لا تخطئها عين المراقب، خصوصا مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والمحلية، مطلع سبتمبر المقبل.

ويطوي نزار بركة، أمين عام الحزب، المسافات بين مدن وجهات المملكة في سباق مع الزمن الانتخابي، لعقد اللقاءات الحزبية مع أعضاء حزبه والمتعاطفين، والرهان الأبرز خوض الانتخابات بنفس تصدر النتائج، وهو ما عبر عنه في أكثر من لقاء.

وبعد خروجه إلى المعارضة منتصف ولاية الحكومة السابقة (2011 – 2016)، وضع حزب “الاستقلال” حسب العديد من المراقبين نصب عينيه استعادة زمام المبادرة السياسية.

وأجريت آخر انتخابات تشريعية في المغرب عام 2016، وحل فيها “العدالة والتنمية” بالمركز الأول (125 مقعدا بالبرلمان من أصل 395)، فيما حل “الأصالة والمعاصرة” ثانيا (102 مقعد)، و”الاستقلال” ثالثا (46)، ليحل “التجمع الوطني للأحرار” رابعا (37).

وأعلنت اللجنة التنفيذية لـ”الاستقلال” في 12 يونيو الماضي حل جميع فروع الحزب بمدينة فاس (وسط)، وهي المدينة التي تعد معقلا انتخابيا لأمينه العام السابق حميد شباط.

وتزامن قرار حل الفروع، الذي بررته القيادة في بيان “بما آلت إليه شؤون الحزب مؤخرا بهذه المدينة من تقهقر على مستوى التنظيمات المحلية، وتوتر وصراع دائمين بين الأجهزة والقواعد”، مع الحضور الواضح للأمين العام السابق بالمشهد السياسي المحلي.

حضور دفع عددا من المراقبين إلى الربط بينه وبين طموح شباط لاستعادة قيادة الحزب من بوابة فاس، غير أن القيادي في الحزب نورالدين مضيان اعتبر أن “شباط بالنسبة لقيادة الحزب هو فقط أمين عام سابق”.

ولا يتوقع مضيان أي تأثير لحل فروع الحزب بفاس، وما يعنيه ذلك من قطع الطريق على شباط وأنصاره في التحكم بالترشيحات الانتخابية بالمدينة، على القيادة الحالية التي وصفها بـ”المنسجمة”.

وأبرز أنه على خلاف ما كان في السابق، ومنذ المؤتمر السابع عشر، الذي انتخب فيه نزار بركة أمينا عاما خلفا لشباط، تشتغل القيادة الحالية وفق أجندة محددة، وبتوزيع واضح للمهام يعطيها قوة تنظيمية وفعالية في الأداء السياسي.

ولم ينف القيادي وجود بعض الصراعات “التي تدخل في سياق التسابق حول الترشح للانتخابات المقبلة، لكن هذه الصراعات منحصرة في الجهات ولا تشمل قيادة الحزب، وتجري معالجتها بالطرق المعهودة”.

وبعد إقرار التعديلات على القوانين الانتخابية، والقانون التنظيمي المتعلق بأعضاء مجلس النواب، والمعروف بتعديل “القاسم الانتخابي”، توقع عدد من المراقبين أن يخدم القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية حزب “الاستقلال”.

عباس بوغالم: “الاستقلال” يمكنه المنافسة على الصدارة

واعتبر عباس بوغالم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة “محمد الأول” بمدينة وجدة، أن “الاستقلال” من الأحزاب الكبرى، له قواعد وفية في المجال القروي والحضري، ويمكنه المنافسة على الصدارة.

وعدّد المتحدث عاملين اثنين يجعلان من الحزب منافسا قويا لباقي الأحزاب الطامحة لتصدر الانتخابات المقبلة.

وأردف “الأول ذاتي مرتبط بوجود قيادة جديدة، أعادت ترتيب الأوراق الداخلية واستجماع القوى، والعمل على استقطابات جديدة يمكنها تعزيز مكانة الحزب، وهذا يرتبط أيضا بجانب شخصية القيادة الحالية التي تحظى بالتوافق”.

وتابع “يرتبط العامل الثاني، بالمشهد الحزبي، حيث سيكون مجال تنافس الحزب على تصدر الانتخابات المقبلة، ويشهد حاليا تراجع حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، الذي قدم نفسه في الانتخابات الماضية كبديل عن العدالة والتنمية (إسلامي)، قائد الائتلاف الحكومي الحالي”.

ورغم أن المشهد السياسي يكاد ينتج نفس “التعبئة” الانتخابية الماضية، وهذه المرة مع حزب “التجمع الوطني للأحرار”، الذي يقدم نفسه بديلا منتظرا للإسلاميين، يرى الباحث المغربي أن “المنافسة ستقتصر هذه المرة على ثلاثة أحزاب بدل أربعة، وهي العدالة والتنمية والاستقلال والتجمع الوطني للأحرار”.

وأضاف أن “القاسم الانتخابي” سيكون له أثر في اتجاه إعادة توزيع المقاعد على الأحزاب الكبرى المتنافسة، على اعتبار أنه لا توجد أحزاب متوسطة يمكنها أن تستفيد من عملية إعادة التقسيم، وهو ما يجعل “الاستقلال” مرشحا لخلق مفاجأة وتصدر الانتخابات.

ويبدو تصدر المشهد الانتخابي رهان “الاستقلال” بالانتخابات المقبلة، وهو ما يؤكده مضيان، قائلا “الحزب اليوم يفكر في تشكيل الحكومة ووضع برنامج قادر على التحقق والتنفيذ، يزيل تداعيات جائحة كورونا وآثار بعض قرارات الحكومات المتعاقبة”.

وأقر مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان) في 6 مارس الماضي، مشروع القانون التنظيمي للمجلس، الذي نص على تعديل طريقة حساب “القاسم الانتخابي”، الذي يتم على أساسه توزيع المقاعد البرلمانية وبالمجالس البلدية، بعد الاقتراع.

ووفق خبراء، سيكون للقاسم الانتخابي تأثير مقيد على مقاعد الأحزاب الكبرى، وفي مقدمتها “العدالة والتنمية”، خصوصا بالمدن ذات الكثافة السكانية الكبيرة (الدار البيضاء والرباط وطنجة وفاس ومكناس ومراكش)، حيث ستتم وفق التعديل الجديد، قسمة مجموع الناخبين المسجلين على عدد المقاعد بدلا من قسمة عدد الأصوات الصحيحة، وما يدعم أيضا خسارة الأحزاب الكبرى المزيد من المقاعد هو إلغاء العتبة (الحد الأدنى من الأصوات المحصلة في الانتخابات).

وعلى عكس بعض الأحزاب اليسارية وحزب “العدالة والتنمية”، لم يسبق لحزب “الاستقلال” أن وضع “خطوطا حمراء” في تحالفاته مع الحكومات التي قادها أو شارك فيها.

ويرى بوغالم أن “الأحزاب لها هامش واسع في الاستحقاقات المقبلة لعقد التحالفات، نظرا إلى أنه حتى الخطوط الحمراء التي كانت تضعها بعض الأحزاب في مواجهة الأخرى لم تعد قائمة”.

و”الاستقلال” حزب وطني محافظ، تأسس عام 1944 على أيدي عدد من قادة الحركة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي، وعلى رأسهم الزعيم علال الفاسي، الذي ظل يرأس الحزب حتى وفاته عام 1973.

وفي 1959 تعرض الحزب لانشقاق تزعمه ما عرف آنذاك بـ”الجناح اليساري النقابي”، وعلى رأسه المهدي بن بركة (اختطف في باريس عام 1965 ولا يعرف مصيره حتى الآن) وعبدالرحمن اليوسفي الوزير الأول الأسبق، وأسس حزب “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”.

وفي أكتوبر 2017 انتخب الحزب نزار بركة أمينا عاما له، والأخير هو حفيد مؤسس الحزب، علال الفاسي من جهة الأم، وقد سبق أن تقلد عدة مناصب سامية بالمملكة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: